التقويم التربوي: مفهومه، وأهدافه، وعناصره
فإننا نتناول موضوع التقويم التربوي باعتبار أن التقويم التربوي يتناول تقويم كافة عناصر المنظومة التعليمية من جهة التربية، ومن جهة المبادئ والأسس التربوية المرتبطة بالتقويم، والتقويم ليس عملا جديدا في المجال التربوي فقد تم ممارسته عبر التاريخ الطويل في أشكال التعليم المختلفة حيث يتعرض المتعلم لعدة أنواع من الاختبار، وعلى أساس ذلك يتم اتخاذ مجموعة من الإجراءات.
فإن هناك بعض المتعلمين يتم اختيارهم أو ترقيتهم أو انتقاؤهم أو إنهاء خدمتهم أو مواصلة عملهم أو عدم مواصلته وهكذا، والبعض من التلاميذ يتم نجاحه أو رسوبه أو فصله أو غير ذلك وبذلك فإن مفهوم التقويم لا يتم النظر إليه من نظرة أحادية الجانب بل إنه يرتبط بعدة محددات ومعايير، ولا يظل إنجاز التلميذ لأعمال ما استجابة لحوافزه واهتماماته بل إنه أحيانا يكون مضطرا لذلك حتى يضمن رضا المدرس واستحسانه، وبذلك يكون نشاط التلميذ موجها نحو إرضاء المدرس وليس نحو التعلم في حد ذاته.
أما التكوين والتحصيل فلا قيمة لهما عنده ويزداد التلميذ بالمواد التي تضمن النقطة الجيدة؛ أي: ذات المعامل المرتفع، ويهمل المواد التي لا تضمن نقاطا جيدة؛ أي درجات جيدة أو مرتفعة بسبب انخفاض درجاتها، ولذلك نجد أن تلاميذ الشعب العلمية قد يهملون المواد الأدبية، والعكس، والتقويم الذي نمارسه في أقسامنا يكون بهدف التصحيح، وبهدف التشخيص، وبهدف معالجة نقاط الضعف والتأكيد على نقاط القوة، وتقديم تغذية راجعة وتعزيز للمتعلم، ويمكن أن نستخدم التقويم بمستويات متعددة ومتنوعة، فعندما نقول: هذا تلميذ حسن، هذا منتبه، أو نقول عن تلميذ آخر: هذا مشاغب أو عن ثالث: هذا خجول، فإن هذا تقويم أيضا؛ لأنه عبارة عن فحص يؤدي إلى الحكم على قيمة ما أو أنه قياس لنشاط تلميذ لمعرفة مدى تحصيله وتقدمه.
وهكذا فقد وردت هناك تفسيرات، وتعريفات لغوية لكلمة التقويم فمن الناحية اللغوية يقال: إنه وزن وتقدير واصطلاح، وتحديد للقيمة بمختلف عناصرها، أو أن التقويم عملية تقديرية للتغيرات السلوكية الفردية أو الجماعية، والبحث في العلاقة بين التغييرات والعوامل المؤثرة فيها.
ونقول: قوَّم الشيء؛ أي: أصلح اعوجاجه، ويقال: ما أقومه؛ أي: ما أكثر اعتداله واستقامته.
أما التقويم من الناحية الاصطلاحية فهو: نوع من الأحكام المعيارية التي تصدر على ناحية من نواحي العملية التعليمية لبيان مدى اقترابها أو ابتعادها عن الأهداف التي حددت مسبقا، وذلك لدعم الجوانب الإيجابية في العملية التعليمية، وأيضًا لعلاج الجوانب السلبية في هذه العملية التعليمية إذا فالتقويم هو معادلة كمعادلة الكيمياء، فتتمثل هذه المعادلة في مدخلات ومخرجات.
فالمدخلات هي الملاحظة والقياس يؤدي ذلك إلى تقدير وحكم، وفي النهاية نحدد قرارا نتبناه لنصل إلى علاج للمشكلة الموجودة لدينا أو لمستوى من مستويات التعلم لدى المتعلمين، وبهذا فإن التقويم ركن جوهري، وأساس متين من أركان وأسس عملية التدريس وإحدى عناصر العملية التربوية؛ لأنه يساعد المعلم على توجيه التقدم الذي يحقهه المتعلم نحو الإتقان، وعلى تحديد جوانب القوة والضعف لدى المتعلم وتقديم المعالجة اللازمة له أي لجوانب الضعف لديه، وتحديد قدرات المتعلمين وتوفير المعلومات للتنبؤ بالسلوك في المستقبل؛ ولذا فإننا نشير إلى أن عناصر التقويم وهي: الملاحظة، والقياس، والتقدير، والحكم، واتخاذ القرار في النهاية لا بد أن يكون لكل منها إجراءات وخطوطات، وماهية حتى يمكن لنا عندما نلم ونفهم طبيعة مكونات التقويم أن نقوم بإجراء عملية تقويم صحيحة، ومناسبة.
فالملاحظة هل نقول أنه التقويم أم التقييم قيم أعطى الشيء قيمة بشيء ما، وفي التربية قد نستعمل التقويم وهو يعني تقويم شيء كان معوجا، وأما التقويم حسب الدراسات في مجال الاجتماع كعلم الامتحانات، والتنقيط يعني كل شيء يرمي إلى تحليل وتأويل نتائج أو علامات آتية من قياس بقصد اتخاذ قرار جيد أي: أن التقويم ينحصر في تثمين الشيء أو إعطاء قيمة معينة بمعنى أنه يشتمل على الملاحظة والقياس، وإصدار القرار وصولا إلى المعالجة، وهو ما يسمى بإصلاح الاعوجاج أو بإصلاح الشيء بعد اعوجاجه ليصبح مستقيما، وهناك تعريفات متعددة للتقويم؛ لذا يمكن أن نأخذ منها تعريفين هامين، وهما يعدان من أفضل التعريفات في هذا المجال:
التعريف الأول: وهو أن التقويم عملية تربوية يقوم بها المربي أو المؤسسة التعليمية باستمرار، وترمي إلى إعطاء نتائج محددة تمكن من إصدار الأحكام، واتخاذ القرارات سواء في شأن المتعلمين أو المنهج الدراسي أو الطرق التدريسية المستخدمة أو الوسائل، وحتى أدوات التقويم نفسها يمكن تقويمها أيضا.
التعريف الثاني: وهو تعريف دكتال عام 1991 ويشير دكتال إلى أن التقويم هو جمع مجموعة من المعلومات تكون صالحة، وكافية لبحث درجة المطابقة بين هذه المجموعة من المعلومات، ومجموعة مقاييس مطابقة لأهداف المحددة في البداية أو معدلة خلال العملية من أجل اتخاذ القرار، وذلك خلال العملية التعليمية، وبذلك يمكننا أيضًا أن نقول تعريفا ونحن نفكر معا بصوت مسموع ويمكن لك أن تكتب الآن بعد توقف عرض التسجيل الصوتي يمكن أن تفكر على نحو ما أفكر معك الآن بصوت مسموع، وأن تكتب تعريفا للتقويم من لديك، فالتربية والمناهج، وطرق التدريس يفضل فيها البعد عن الحفظ والتلقين إنما ينبغي عليك أن تستنبط، وأن تستنتج وأن تستكشف بذاتك فيا ترى عزيزي الدارس بعد أن تم لك عرض تعريفين ألا يمكن أن تفكر معي، وأن تكتب بنفسك تعريفا للتقويم من وجهة نظرك، ولسوف يشتمل بإذن الله على جانب وقدر كبير من الصحة.
فيمكن أن نعرف التقويم بأنه: تقويم كافة عناصر العملية التعليمية من حيث الدارس، والمعلم والإدارة المدرسية، والفصل الدراسي، والقواعد المعمول بها، وكذلك الممارسات التي تتخذ داخل المؤسسة التعليمية، وذلك بهدف الارتقاء والتطوير لمختلف جوانب العملية التعليمية هذا تعريف أقوله معك، وأنا أفكر معك الآن أثناء إعداد هذا الدرس، وإثناء تسجيله وهو ليس مكتوبا في الأوراق المكتوبة، فعليك إذا عزيزي الدارس أن تفكر وأن تستكشف، وأن تطور، وأن تكتب تعريفا من وجهة نظرك للتقويم، وسوف يشتمل على جانب وقدر كبير من الصحة إن شاء الله.
وهناك علاقة بين القياس وبين التقويم، فلا شك أن هناك تلازم وتؤمة، وترابط بينهما إن القياس أضيق في معناه من التقويم، فالقياس هو الذي يكون متاحا وأداة من أدوات التقويم، فلك أن تستخلص من خلال النتائج التي يتم قياسها أمورًا معينة، هي التي تؤدي للتقويم والمعالجة للضعف والتأكيد على القوة في النهاية، فالقياس هو مقارنة فرد في مجموعة ما، وتحديد لمركز في هذه المجموعة، وصفة كذلك أي تحديد صفة ومركز هذا الفرد في المجموعة.
أما التقويم فهو الحكم على تحقق أهداف تربوية في نظام تعليمي معين، وهناك علاقة بين القياس والتقويم، فالقياس هو وسيلة لتقويم، والتقويم الحكم على مدى تحقق الهدف كما أن القياس يهتم بالنتائج الملموسة، أما التقويم فهو يهتم بالنتائج الملموسة وغير الملموسة في الشخصية، وكذلك النمو الفردي ، والتقويم أهم ما يراعي الصورة المبسطة لتحصيل مادة أو المهارة في أرقام وأشكال كمية أما التقويم فهو يراعي التغيير الواسع المدى في الشخصية وطرق الوصول إلى الأهداف المهمة.
كذلك فإن القياس يهتم بالتحصيل إلى حد كبير أو بجزء من التحصيل كما أنه يهتم بالمهارات كما أنه يهتم بالخبرات، فهو يهتم كما سبقت الإشارة بكميات، وأرقام وإحصاءات، أما التقويم فهو يهتم بسلوك المتعلم ومقارنة قدراته وميوله واستعداداته، واتجاهاته ونموه في الجوانب المختلفة.
وظائف التقويم:
للتقويم وظائف متعددة وهذه الوظائف من أهمها ما يلي: الحكم على قيمة الأهداف التعليمية التي تتبناها المدرسة أو المؤسسة التعليمية أو الجامعة، ومدى موافقتها لنمو الفرد أو ما يسمى بحاجات الفرد، وحاجات المجتمع كما أن من وظائف التقويم أيضًا توضيح الأهداف التعليمية، وعرضها وإظهارها بصورة يستطيع الدارس أن يقوم بتبنيها وتنفيذها، أيضًا من وظائف التقويم معرفة نواحي القوة والضعف في العمليات، والتنفيذ، وكذلك من وظائفه مساعدة المعلم على معرفة التلاميذ، ومعرفة قدراتهم، وتصنيفهم وفقا لاستعداداتهم التعليمية و المعرفية ومستوى التفكير والذكاء، وما إلى ذلك ومساعدة المعلم أيضًا على إدراك مدى فعاليته هو في التدريس وقدرته الذاتية أي تقويم ذاته في التدريس وفي تحقيق الأهداف التعليمية المحددة مسبقا للمؤسسة التعليمية، ومعرفة مدى فاعلية التجارب التربوية التي يتم تطبيقها داخل المؤسسة التعليمية، وكذلك تقديم معلومات أساسية عن الظروف التي تحيط بالعملية التربوية، وبعض المؤثرات الخارجية التي تؤثر في النتائج التي يتم الحصول عليها.
وللتقويم الجيد أسس لا بد أن يقوم عليها من هذه الأسس ما يلي:
1. أن يكون التقويم هادف إذ إن تحديد الهدف من التقويم يمنع من الارتجال والعشوائية لذلك فإن التقويم الهادف أو تحديد الهدف من التقويم يعد أمر مهم؛ لأنه على أساسه يتم تحديد أدوات التقويم المناسبة التي تتناسب مع الهدف من التقويم، فعندما أريد أن أعلم أن أعرف كم المعلومات التي حصلها تلميذ بعد دراسته لمقرر معين كمقرر التربية الإسلامية أو اللغة العربية، فإنني يمكن أن أستخدم الاختبارات التحصيلية بحيث أنها تعد من أنسب الأدوات التي تستخدم في تقويم التحصيل؛ لذلك الغرض، وهذا ينبه أو يشير إلى أن التقويم الهادف يكون هادفًا في أدواته وفي عملياته وإجراءاته وكذلك في كافة جوانبه.
2. ينبغي أن يكون التقويم شاملا فينبغي ألا يقتصر التقويم على الجوانب المعرفية للمتعلم فقط بل ينبغي أن يركز على جوانب النمو العقلي، والجسمي، والاجتماعي، والوجداني، والانفعالي بهذا يكون التقويم شاملا فيؤدي إلى التنشئة المتكاملة للمتعلم من كافة الجوانب سابقة الذكر ذلك يكون تقويما شاملا، ومن جوانب الشمول في التقويم أيضًا أن يقوم بتقويم الطالب و المعلم والمؤسسة، والمنهج والإدارة وما إلى ذلك من جوانب وعناصر العملية التعليمية؛ بذلك فإن التقويم يشمل كافة الأمور والجوانب داخل بيئة التعليم.
3. أن يكون التقويم مستمرًّا، فالتقويم هنا يركز على مخرجات المنهج أي: تحصيل المتعلمين وهل أن المنهج يحقق أهدافه أم لا، وللتأكد من ذلك وللوقوف على حقيقة هذا الأمر ينبغي أن يكون التقويم مستمرا، ولا يقتصر على فترة معينة أو جزء معين.
4. أن يكون التقويم علميا، والتقويم العلمي هو الذي يراعي الأسس والمبادئ العلمية السليمة ويتبع أسلوب علمي محض لا يقع تحت تأثير الأهواء الشخصية للقائمين بعملية التقويم، وبالتالي يجب أن يكون التقويم صادقا وموضوعيا، ولا يكون التقويم كذلك إلا إذا كان عمليا، وكان قائما على أسس عملية تربوية سديدة، وكذلك أسس أخلاقية تحض عليها أخلاق المهنة وأخلاق الإسلام.
5. ينبغي أن يراعي التقويم الفروق الفردية بين المتعلمين، فلا يمكن أن تستخدم أداة تقويم واحدة لكل المتعلمين في آن واحد نظرا للفروق الفردية بينهم، فبعض متعلمين تناسبهم الاختبارات التحريرية والبعض الآخر تناسبه الاختبارات الشخصية، ويناسبه الاختبارات الشفهية كذلك فإن بعض المتعلمين يحتاج إلى زمن معين للإجابة على أداة من أدوات التقويم، والبعض الآخر يحتاج إلى زمن أكثر للإجابة عن نفس الآداء وكذلك توقيت تقديم الأداة يختلف بين متعلم وآخر بذلك ينبغي أن يراعي التقويم الفروق الفردية بين المتعلمين.
6. من أسس التقويم الجيد أن يكون تعاوني بين المتعلم وأسرة المتعلم والبيئة المدرسية، فلا ينبغي أن يحتكر المتعلم وحده أداة التقويم ويتخذ لنفسه فقط سلطة وحرية اتخاذ القرار بل لا بد ان يشرك معه أسرة المتعلم، وباقي أعضاء البيئة المدرسة والإدارة.
7. من أسس التقويم الجيد كذلك يجب أن يكون التقويم في ضوء الأهداف التعليمية، فعلينا حين نريد أن نقوم أداء التلاميذ في منهج أو علم معين لا بد أن يكون هذا التقويم مستمدا ومصاغا ومحددا في ضوء الأهداف التعليمية المحددة بحيث يتم صياغة الأسئلة التقويمية من صياغة الأهداف التعليمية التي يرجى تحقيقها لدى المتعلمين بعد دراسة منهج معين.
8. أن يكون التقويم الواقعي يعبر عن المستوى التعليمي الذي يقيمه، فلا يكون أعلى من مستوى مهارات المتعلمين أو أقل من هذا المستوى بحال من الأحوال.