التماثل أو التغاير
من مظاهر التأثر بالسياق أيضًا التماثل، مثلًا في قراءة ابن عامر: “أيهُ الثقلان” الضمة المفروض: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ} [الرحمن: 31]، {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ} [الزخرف: 49]، {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ} [الرحمن: 31] فقراءة ابن عامر: “أيهُ الثقلان” ضم الهاء تأثرًا بضمة الياء.
أيضًا “أيهُ الساحر” حذف الألف وضم الهاء، وهذه لهجة بني أسد. إذن التماثل كقراءة ابن عامر تماثل في الحركات أصلها: {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ}.
أيضًا من التأثر بالسياق الصوتي: التغاير، ونسمي هذا التغاير المخالفة الصوتية أو التغاير، وهو حدوث اختلاف بين الصوتين المتماثلين في الكلمة الواحدة نحو قوله تعالى: {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 10]، {دَسَّاهَا} معناه دسسها، ومثله قوله تعالى: {ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى} [القيامة: 33] أي: يتمطط، فهي هنا بطاءين، قلبنا الطاء الثانية ألفًا {يَتَمَطَّى} هي صحيح مرسومة بالياء، ولكنها ألف إذن، {ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى} قلبنا الطاء ألفًا، وأصلها: {يَتَمَطَّى}، وأيضًا دسسها ثلاثة سينات، دسسها: السين الأولى مشددة بسينين فقلبت إحدى السينات ألفًا مخالفًا بذلك بين الحروف المتماثلة.
أيضًا يقول العجاج على هذا:
إذا الكرامُ ابتدروا الباع بدر | * | تقضي البازيّ إذا البازي كسر |
أراد تقضضا. “إذا الكرام ابتدروا” يعني: تسابقوا إلى فعل الخيرات.
“إذا ابتدروا الباع بدر” تقضي البازي أصلها تقضض بدل تقضي، تقضض البازي إذا البازي كسر.
فهنا أراد “تقضض” فحول الضاد ياء، بدل تقضض، حوّل حرفًا من الحرفين المتماثلين إلى ياء، هذه تسمى مخالفة صوتية أو تغاير صوتي، وهي لهجة موجودة في القبائل البدوية يقولون في “أمَّا”: أيما، بدلًا من الحرفين المتماثلين يقلبون أحد المتماثلين حرفًا مخالفًا مغايرًا، ومثلها قوله تعالى: {لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ} [التوبة: 10] أو في بعض القراءات: “لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًا وَلا ذِمَّةً” بدل “إلًّا” بلامين يقولون: “إلًا ولا ذمة”، هذه تمسى مخالفة صوتية أو تغاير صوتي، وهذا تأثرًا بالسياق الصوتي، القبائل البدوية تقلب هذه الحروف المتماثلة أو تقلب الحرف من الحروف المتماثلة إلى حرف آخر قصدًا للتخفيف، يعني: رغبة في تخفيف الكلام.
يقول الخليل بن أحمد: “وكذلك تفعل العرب إذا اجتمع حرفان من جنس واحد، جعلوا مكانه حرفًا من غير ذلك الجنس”.
وقال الأزهري نقلًا عن الفراء: “إنّ {دَسَّاهَا} من “دسست” بدلت بعض سيناتها ياء -أي: ألفًا- كما قالوا: “تظنيت” من الظن وأصلها: تظننت؛ فقال فيها: تظنيت. هنا أيضًا مغايرة صوتية أو مخالفة صوتية عندما نقول مثلًا: فلان يعزي فلانًا، أصلها: يعزز، يعني: يذهب ليقويه فأصبحت يعزي بدل يعزز، يعزي: بدل الحرفين المثلين؛ قلب أحد المثلين إلى حرف مغاير ليخفف الكلام.