(الجامع الصغير من حديث البشير النذير) للإمام السيوطي
المؤلف: هو الإمام الحافظ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، حفظ كثيرًا من الأحاديث حتى بلغ حفظه إلى مائتي ألف حديث، وقال: لو وجدت أكثر لحفظت، له مؤلفات عديدة قيمة في شتى المعارف الإسلامية، عدَّدها بعض تلامذته فزادت على الخمسمائة مؤلف، توفي -رحمه الله- في سنة 911 هجرية.
نظرات في الكتاب: كتاب (الجامع الصغير من حديث البشير النذير) صلى الله عليه وسلم كتاب قيم اختار السيوطي أحاديثه من كتابه الضخم الموسوعي (جمع الجوامع) أو (الجامع الكبير) فلقد اختار السيوطي من قسم الأحاديث القولية مجموعة من الأحاديث تتسم بالصحة في أغلبها، وأضاف عليها بعض الأحاديث التي ليست في (الجامع الكبير)، ثم سمى الكتاب بـ(الجامع الصغير من حديث البشير النذير)، ورتب الإمام السيوطي أحاديث الكتاب ترتيبًا أبجديًّا على حروف المعجم، وراعى في الترتيب الحرف الأول والثاني والثالث من الكلمة، وفي نهاية كل حرف يعقد فصلًا للمحلى بأل من هذا الحرف.
كما أن السيوطي يذكر متن الحديث كاملًا، وهذه ميزة ويرمز في آخر الحديث لمن رواه من أئمة الحديث في كتبهم، كما أنه يرمز إلى الصحة أو الحسن أو الضعف في نهاية الحديث، ويذكر الراوي الأعلى للحديث؛ سواء كان صحابيًّا أو تابعيًّا. فالكتاب قيم إلى أعلى درجة؛ يذكر الحديث، ثم يذكر الكتب التي أخرجته ثم يذكر الراوي الأعلى، ثم يذكر درجة الحديث يعني: يقول صحيح أو حسن أو ضعيف، يرمز إلى ذلك بـ “صح ” للصحيح و”ح” للحسن و”ض” للضعيف. واستخدم رموزًا للكتب التي استاق منها كتابه هذا؛ نظرًا لكثرة التكرار حتى لا يطول الكتاب أكثر مما هو عليه الآن.
الرموز التي استعملها الإمام السيوطي في الكتاب: بالنسبة إلى الحكم على الحديث استعمل الإمام السيوطي ثلاثة رموز يشير كل رمز إلى الحكم المناسب على الحديث، وهذه الرموز هي:
1. (صح) هذا الرمز يعني: الحكم بصحة الحديث.
2. (ح) هذا الرمز يعني: الحكم بأن الحديث حسن.
3. (ض) هذا الرمز يعني: الحكم بضعف الحديث.
وإن كان للإمام السيوطي بعض الأخطاء في الحكم على بعض الأحاديث؛ فهذا عمل كبير وجلَّ من لا يخطأ، فالعصمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. أما بالنسبة لمصدر الحديث أو عزوه إلى الكتاب الذي أخرجه فكانت هذه الرموز كالآتي:
1. خ أي: للبخاري في صحيحه.
2. م أي: مسلم في صحيحه.
3. ق أي: أخرج هذا الحديث البخاري ومسلم في صحيحيهما.
4. د أي: أخرجه أبو داود في سننه.
5. ت أي: أخرجه الترمذي في سننه.
6. ن أي: أخرجه النسائي في سننه.
7. ه أو 5 بالرقم الحسابي، هذه الهاء المربوطة هي لابن ماجه في سننه، فإذا كان الحديث في ابن ماجه كتب هاء مربوطة أي: لابن ماجه.
8. وإذا ذكر رقمًا حسابيًا 4 هذا الرقم معناه أن الحديث موجود في السنن الأربعة، في (سنن أبي داود) و(سنن الترمذي) و(سنن النسائي) و(سنن ابن ماجه).
9. فإذا ذكر 3 فهذا معناه أخرجه أصحاب السنن الثلاثة أبو داود والترمذي والنسائي.
10. ويرمز للإمام أحمد بن حنبل بـ “حم” فإذا وجدت “حم” فمعنى ذلك أن هذا الحديث موجود في مسند الإمام أحمد بن حنبل.
11. “عم” لعبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل في زياداته على المسند؛ لأن مسند الإمام أحمد به زيادات زادها عبد الله بن الإمام راوي المسند.
12. ك أي: أخرجه الحاكم في مستدركه.
13. خ د أخرجه البخاري في كتاب (الأدب المفرد).
14. ت خ أخرجه البخاري في تاريخه.
15. حب أي: أخرجه ابن حبان في صحيحه.
16. طب يعني أخرجه الطبراني في معجمه الكبير.
17. طس أخرجه الطبراني في معجمه الأوسط.
18. طص أخرجه الطبراني في معجمه الصغير.
19. ص أخرجه سعيد بن منصور في سننه.
20. ش أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه.
21. عب أخرجه عبد الرزاق بن همام الصنعاني في مصنفه.
22. ع أي: أخرجه أبو يعلى في مسنده.
23. قط أخرجه الدارقطني في سننه، وإن كان في غير السنن ذكر هذا المؤلف الآخر للدارقطني، فالدارقطني يرمز إليه بـ قط.
24. فر هي للديلمي في مسنده المعروف بـ(الفردوس).
25. حل أي أي أخرجه أبو نعيم في كتاب (حلية الأولياء).
26. هب أي: أخرجه البيهقي في كتاب (شعب الإيمان).
27. هـق أي أخرجه البيهقي في كتابه الكبير (السنن الكبرى).
28. عد أي: أخرجه ابن عدي في كتابه (الكامل في الضعفاء).
29. عق أي: أخرجه العقيلي في كتابه (الضعفاء).
30. خط أي: أبو بكر الخطيب البغدادي في كتابه (تاريخ بغداد)، وإن لم يكن في التاريخ ذكر مصدره الآخر من مؤلفات الخطيب.
نموذج للتدريب على استخدام كتاب (الجامع الصغير):
مثلًا إذا أردنا أن نُخرّج من هذا الكتاب حديثًا، ولنختار حديث ((آية الإيمان حبّ الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار))، نبحث في الكتاب أي: في (الجامع الصغير) في حرف الألف مع الياء والتاء، فنجد الإمام السيوطي كتب يقول: ((آية الإيمان حبّ الأنصار وآية النفاق بغض الأنصار)) يكتب بعد الحديث “حم ق ن” ثم يغلق القوس ويقول: عن أنس ويفتح قوسًا آخر يكتب بداخله “صح”.
معنى هذا أن السيوطي يريد أن يقول: هذا الحديث أخرجه “ح م” أي: الإمام أحمد بن حنبل في مسنده، و”ق” أي: متفق عليه أي: أخرجه البخاري ومسلم كل منهما في صحيحه، و”ن” أي: أخرجه النسائي في سننه، كلهم -يعني: أحمد بن حنبل والبخاري ومسلم والنسائي- أخرجوه عن أنس بن مالك، و”صح” التي بين القوسين هذا حكم الحديث أي: أن الحديث صحيح.
ولكني أقول: هو قال أحمد بن حنبل، قرَّب المسافة بقوله عن أنس فنبحث ونقرأ كل مرويات سيدنا أنس حتى نصل إلى الحديث، وهذا أمر مضنٍ، ولما قال: البخاري ومسلم أطلقها، فالأمر يحتاج إلى قراءة البخاري ومسلم حتى نصل إلى الحديث، وكذلك النسائي؛ فتسهيلًا لهذا قام الشيخ عبد الرءوف المناوي فشرح (الجامع الصغير) هذا في كتاب ضخم في ست مجلدات كبار من أكبر المجلدات، سمى كتابه (فيض القدير في شرح الجامع الصغير) فيأتي عند كل رمز من رموز الإمام السيوطي ويفسر ويوضح، فمثلًا الحديث: ((آية الإيمان حب الأنصار))، يقول: هذا الحديث في أحمد في رواية أنس -كما قال السيوطي- في البخاري في كتاب الإيمان في مسلم في كتاب الإيمان في النسائي كتاب الإيمان مثلًا، وهكذا فقرب المسافة، لكن لم يُبيّن الجزء ولا الصفحة، فهذا يدعونا إلى الرجوع إلى طريقة أخرى سنتعلمها، وهي طريقة (المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي)، فهي الطريقة الوحيدة التي تدل على الجزء والصفحة التي بها الحديث.
مثال آخر نأخذه من كتاب (الجامع الصغير) للسيوطي قال صلى الله عليه وسلم: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان)) قال السيوطي عقبه: “حم ق ت ن” عن ابن عمر بين قوسين “صح” .
تفسيرها “حم” يعني: أحمد بن حنبل “ق” أي: البخاري ومسلم، “ت” يعني: الترمذي، “ن” يعني: النسائي، و”صح” أي صحيح.
وهذا الكتاب كما ذكرت سابقًا يُعتبر مفتاحًا من مفاتيح التخريج، فبالرجوع إلى المصادر التي ذكرها السيوطي في هذا الحديث وجدنا الآتي: أخرجه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده الجزء الثاني ص26 و93 و120 و143 أي: كرره الإمام أحمد أربع مرات، وسبب التكرير أن الحديث جاء مرة عن ابن عمر، ومرة عن غيره، ومعنى “ق” أي: البخاري ومسلم، البخاري في كتاب الإيمان، ذهبنا إلى كتاب الإيمان، وبحثنا في باب دعاؤكم إيمانكم، فوجدنا الحديث في الجزء الأول صفحة 11 طبعة فتح الباري، وجدنا الحديث في البخاري في كتاب التفسير في باب تفسير سورة البقرة الجزء الثالث في ص104، وفي (صحيح مسلم) الحديث في كتاب الإيمان في باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((بني الإسلام على خمس)) الجزء الأول ص34، وفي الترمذي كتاب الإيمان باب ما جاء في بني الإسلام على خمس الجزء الخامس ص7، وفي النسائي في كتاب الإيمان وشرائعه في باب على كم بني الإسلام في الجزء الثامن ص107.
هذا الكتاب له مميزات، مما سبق يظهر لنا أن لكتاب (الجامع الصغير من حديث البشير النذير) صلى الله عليه وسلم للإمام السيوطي كتاب عظيم، قيم مهم في بابه، فهو مرجع كبير من مراجع الحديث، له ميزات كثيرة ذكرها العلماء، وإليك أهمها كما ذكرها الأستاذ الدكتور عبد المهدي عبد القادر في كتابه (طرق تخريج حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم) في ص39 وما بعدها. يقول فضيلة الأستاذ الدكتور عبد المهدي عبد القادر:
1. إن السيوطي أخرج في كتابه هذا من العديد من الكتب، فلم يتقيد بأن يخرج من عدد من الكتب معين، هذا، ولا تظن أنه خرج فقط من الكتب التي تقدم ذكر رموزها، والتي تبلغ الثلاثين فأكثر؛ فإن هذه هي التي أكثر التخريج منها، لكنه أخذ من كثير غيرها يدرك ذلك من اطلع على الكتاب، ثم يقول قلت: ومن أمثلة ذلك من الكتاب مثلًا كتاب ابن شاهين في (الأفراد)، وابن عساكر في تاريخه، وابن النجار في مسنده، وابن السني في (عمل اليوم والليلة)، وكثير غير هذا يدركه من اطلع على هذا الكتاب في مواطن كثيرة.
2. أن الكتاب احتوى على عدد كبير من الأحاديث؛ جاءت أحاديثه في عشرة آلاف وواحد وثلاثين حديثًا.
3. أن الإمام السيوطي -رحمه الله تعالى- رتَّب كتابه هذا ترتيبًا في غاية الدقة ترتيبًا فيه فن.
4. أنه حكم على الأحاديث من حيث درجة كل حديث من صحة أو حسن أو ضعف.
5. أن السيوطي أبعد عن الكتاب الحديث الموضوع والمكذوب كما ذكر ذلك في مقدمة الكتاب.
6. ذكر الراوي الأعلى للحديث أعني: الصحابي أو التابعي إذا كان الحديث مرسلًا، وهذا يسهّل الرجوع إلى المصادر خاصة في كتب المسانيد والمعاجم، فما دام عُرف الراوي الأعلى للحديث -أي: الصحابي أو التابعي إذا كان الحديث مرسلًا- نذهب إلى كتب المسانيد وكتب المعاجم، فنجد الحديث إن شاء الله.
وإليك ما ذكره الإمام السيوطي نفسه عن الكتاب في مقدمته، يقول: “هذا كتاب أودعتُ فيه من الكلم النبوية ألوفًا، ومن الحكم المصطفوية صنوفًا، اقتصرت فيه على الأحاديث الوجيزة، ولخصت فيه من معادن الأثر إبريزًا، وبالغت في تحرير التخريج فتركت القشر وأخذت اللباب، وصنته عما تفرد به وضَّاع أو كذاب، ففاق بذلك الكتب المؤلفة في هذا النوع كالفائق والشهاب، وحوى من نفائس الصناعة الحديثية ما لم يودَع قبله في كتاب،ورتبته على حروف المعجم مراعيًا أول الحديث فما بعده؛ تسهيلًا على الطلاب، وسميته (الجامع الصغير من حديث البشير النذير) صلى الله عليه وسلم؛ لأنه مقتضب -أي: مأخوذ ومختصر- من الكتاب الكبير الذي سميته (جمع الجوامع)، وقصدت فيه جمع الأحاديث النبوية بأسرها.
جهود العلماء حول كتاب (الجامع الصغير):
نظرًا لقيمة هذا الكتاب ومكانته العلمية، وما جاء فيه من آلاف من أحاديث النبي المختار صلى الله عليه وسلم، كثرت جهود العلماء حول هذا الكتاب لخدمته ولبيانه، ولتسهيل الاطلاع عليه، نذكر من هؤلاء العلماء:
1. الإمام شهاب الدين أبو العباس أحمد بن حنبل محمد المتبولي الشافعي، شرح الكتاب في كتاب سماه (الاستدراك النضير على الجامع الصغير).
2. الإمام الثاني الذي تناول هذا الكتاب، الإمام شمس الدين محمد بن العلقمي الشافعي، المتوفى في سنة 929 هجرية، وهو من تلاميذ الإمام السيوطي، شرح الكتاب في كتاب يقع في مجلدين وسماه (الكوكب المنير شرح الجامع الصغير).
3. (صحيح الجامع الصغير وزياداته من الفتح الكبير وضعيف الجامع الصغير وزياداته) للشيخ محمد ناصر الدين الألباني.
4. الإمام شمس الدين عبد الرءوف بن تاج الدين علي المناوي بضم الميم، القاهري الشافعي المتوفى في سنة 1031 هجرية بمصر، ولقد قام -رحمه الله- بتأليف أحسن كتاب حول هذا الكتاب العظيم (الجامع الصغير)، وسمى كتابه (فيض القدير بشرح الجامع الصغير)، وله في الكتاب زيادات في التخريج على السيوطي، وتعقيبات على حكم السيوطي على بعض الأحاديث فيصحح، ويحسن، ويضعف الأحاديث؛ مخالفًا لحكم السيوطي حيثما ظهر له من دراسته الحديث.
ثم إن الإمام المناوي في كتابه (فيض القدير) يحدّد موضع الحديث في الكتاب الذي أشار إليه السيوطي، فيذكر فيه اسم الكتاب واسم الباب الذي به الحديث، فبذلك قرَّب الكتاب لمن يريد أن يستفيد منه.
يقول المناوي في مقدمة كتابه (فيض القدير): ولما مَنَّ الله تعالى عليَّ بإتمام هذا التقريب، وجاء بحمد الله آخذًا من كل مطلب بنصيب نافذًا في الغرض بسهمه المصيب، كامدًا قلوب الحاسدين بمفهومه ومنطوقه، راغمًا أنوف المتصلفين لمَّا استوى على سوقه سميته (فيض القدير بشرح الجامع الصغير)، ويحسن أن يترجم بأن يسمى “بمصابيح التنوير على الجامع الصغير”، ويليق أن يدعى “بالبدر المنير في شرح الجامع الصغير”، ويناسب أن يوسم “بالروض المنير في شرح الجامع الصغير”، هذا، وحيث أقول: القاضي فالمراد البيضاوي، أو العراقي: فجدّنا من قبل الأمهات الحافظ الكبير زين الدين العراقي، أو جدّي: فقاضي القضاة يحيى المناوي، أو ابن حجر: فخاتمة الحفاظ أبو الفضل العسقلاني -رحمهم الله تعالى سبحانه.
ثم يقول المناوي: وأنا أحقر الورى خُويدم الفقراء محمد عبد الرءوف المناوي، حفظه الله بلطف سماوي، وكفاه شر المعادي والمناوي، ونور قبره حين إليه ياوي، وعلى الله الاتكال، وإليه المرجع والمآل، لا ملجأ إلا إيَّاه، ولا قوة إلا بالله، وهأنا أفيض في المقصود مستفيضًا من ولي القول والجود.
وطُبع هذا الكتاب -أي فيض القدير- مرات عديدة، منها طبعة المطبعة التجارية بمصر سنة 1356 هجرية في ست مجلدات، وطبعته دار النهضة الحديثة بلبنان مرتين، ثم أخيرًا طبعة دار المعرفة ببيروت لبنان، وحتى تُدرك قيمة هذا الكتاب أي: كتاب الفيض الذي هو شرح للجامع الصغير- إليك مثالًا واحدًا وهو الحديث الأول من الجامع الصغير.
الحديث رقم 1: قال صلى الله عليه وسلم: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه)). “ق4” عن عمر بن الخطاب، ثم “حل قط” في غرائب مالك عن أبي سعيد، وابن عساكر في أماليه عن أنس، والرشيد العطار في جزء من تخريجه عن أبي هريرة، هذا ما قاله السيوطي في (الجامع الصغير).
معنى هذا: “ق” أي: أخرجه البخاري ومسلم، و4 أي: أخرجه أصحاب السنن الأربعة: أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه في سننهم كلهم عن عمر بن الخطاب، “حل” أي: أبو نعيم في (حلية الأولياء)، و”قط” أي: الدارقطني رواه الاثنان عن أبي سعيد، أما ابن عساكر فرواه في أماليه عن أنس، والرشيد العطار رواه في جزء من تخريجه عن أبي هريرة، ولنرى ماذا يقول الإمام المناوي في كتابه (فيض الباري).
عقَّب المناوي فشرحه شرحًا مستفيضًا، وسنذكر شرحه لإشارات السيوطي فقط في هذا الحديث؛ حتى ندرك أهمية الكتاب في علم التخريج، يقول: “ق 4” أي: رواه البخاري في سبعة مواضع من صحيحه لكنه أسقط أحد وجهي التقسيم، وهو قوله: ((فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله)) في رواية الحميدي، قال ابن العربي: ولا عذر له في إسقاطها، لكن أبدى له ابن حجر اعتذارًا، ومسلم والترمذي في الجهاد، وأبو داود في الطلاق، والنسائي في الإيمان، وابن ماجه في الزهد.
قال ابن حجر: لم يبقَ من أصول أصحاب الكتب المعتبرة من لم يخرّجه إلا (الموطأ) كلهم عن أمير المؤمنين الحاكم العادل أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه العدوي أحد العشرة المبشرين بالجنة، وزير المصطفى صلى الله عليه وسلم ثاني الخلفاء، أسلم بعد أربعين رجلًا، وكان عزًّا للإسلام بدعوة المصطفى صلى الله عليه وسلم، ولي الخلافة بعد الصديق فأقام عشر سنين ونصف، ثم قُتل سنة ثلاث وعشرين عن ثلاث وستين سنة على الأصح.
“حل” و”قط” وكذا ابن عساكر في كتاب غرائب الإمام المشهور صدر الصدور، حجة الله على خلقه مالك بن أنس الأصبحي، ولد سنة ثلاث وتسعين، وحملت به أمه ثلاث سنين، ومات سنة تسع وتسعين ومائة عن أبي سعيد أي: عن أبي سعيد الخدري، وهو سعد بن مالك بن سنان الخدري الأنصاري من علماء الصحابة وأصحاب الشجرة، مات سنة أربع وسبعين هجرية ورواه عنه الخطابي في المعالم -أي (معالم السنن)- وابن عساكر حافظ الشام، وأبو القاسم علي بن الحسن هبة الله الدمشقي الشافعي صاحب (تاريخ دمشق) ولد سنة تسع وتسعين وأربعمائة، ورحل إلى بغداد وغيرها، وسمع من نحو ألف وثلاثمائة شيخ وثمانين امرأة، روى عنه من لا يحصى وأثنى عليه الأئمة بما يطول ذكره، مات سنة إحدى وسبعين وخمسمائة في أماليه أي: رواه ابن عساكر في أماليه الحديثية برواية يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن أبي حمزة أنس بن مالك الأنصاري خادم المصطفى عشر سنين، دعا له بالبركة في المال والولد وطول العمر، فدفن من صلبه أكثر من مائة، وصارت نخله تحمل في العام مرتين وعاش حتى سئم الحياة، مات سنة إحدى أو اثنين أو ثلاث وتسعين. ثم قال ابن عساكر: حديث غريب جدًّا والمحفوظ حديث عمر.
ثم يقول المناوي: الرشيد: أي: ابن العطار أي: الحافظ رشيد الدين أبو الحسن يحيى بن علي الأموي المصري المالكي المنعوت بالرشيد العطار، ولد بمصر سنة أربع وثمانين وخمسمائة، ومات بها سنة اثنين وستين وستمائة، ودرس بالكاملية من القاهرة في جزء من تخريجه، ولعلَّه معجمه فإني لم أرَ في كلام من ترجمه إلا أنه خرّج لنفسه معجمًا، ولم يذكر غيره.
عن أبي هريرة: أي: الدوسي عبد الرحمن بن صخر على الأصح من الثلاثين قولًا، حمل هرة في كمه فسماه النبي صلى الله عليه وسلم بها، يقول المناوي: فسمي بها فلزمه، قال الشافعي رضي الله عنه: هو أحفظ من روى الحديث في الدنيا، مات سنة سبع أو ثمان أو تسع وخمسين بالمدينة، أو بالعقيق. قال الزين العراقي: هذه الرواية وهم. انتهى.
أقول: أيّ باعٍ هذا في علم الحديث وصل إليه المناوي، فالمناوي أشار إلى الأبواب الحديثية في كل كتاب ذكره السيوطي من أسماء الصحابة أو غيرهم من رواة الحديث، ومن أراد المزيد فليراجع ما كتبه المناوي في الكتاب.
وهذا الحديث الذي جاء فيه (الجامع الصغير) وشرحه وبيّن تخريجه الإمام المناوي تناولته بالتخريج بالتفصيل في كتاب لي وهو (قطوف من الهدي النبوي)، فقلت: أخرجه البخاري في صحيحه في المقدمة في باب كيف كان بدء الوحي الجزء الأول ص6، وقلت: أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب ما جاء أن الأعمال بالنية الجزء الأول ص20، البخاري كتاب العتق في باب الخطأ والنسيان في العتاقة والطلاق الجزء الثاني ص80، وفي البخاري في كتاب بدء الخلق في باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة الجزء الثاني ص230، وفي البخاري في كتاب النكاح في باب من هاجر أو عمل خيرًا لتزويج امرأة فله ما نوى الجزء الثالث ص 238، والبخاري في كتاب الحيل في باب في ترك الحيل الجزء الرابع ص202، فالذي زدته أنا على شيخنا المناوي أني ذكرت الكتاب والباب الذي جاء فيه الحديث ورقم الجزء ورقم الصفحة التي جاء بها الحديث، وفعلًا كما ذكر المناوي جاء الحديث في البخاري في سبعة مواطن.
ثم قلت: وأخرجه مسلم في كتاب الإمارة في باب قوله صلى الله عليه وسلم: ((إنما الأعمال بالنية)) الجزء السادس ص48. وأخرجه أبو داود في سننه في أبواب الطلاق في باب فيما عني به الطلاق والنيات الجزء الثاني ص 262. وفي (سنن الترمذي) في كتاب فضائل الجهاد في باب ما جاء فيمن يقاتل رياء وللدنيا الجزء الرابع ص154، وفي (سنن النسائي) جاء مرتين: في كتاب الطهارة في باب النية في الوضوء الجزء الأول ص58، وفي (سنن النسائي) في كتاب الطلاق باب الكلام إذا قصد به فيما يحتمل معناه الجزء السادس 158، وفي (سنن النسائي) في مرة ثالثة في كتاب الأيمان والنذور في باب النية في اليمين في الجزء السابع ص13، وجاء في (سنن ابن ماجه) في كتاب الزهد في باب النية جزء رقم 2 في صفحة 1413، وجاء في مسند الإمام أحمد بن حنبل في الجزء الأول في ص25 وص43.