Top
Image Alt

الجرح والتعديل: تعريفهما، وشرعيتهما

  /  الجرح والتعديل: تعريفهما، وشرعيتهما

الجرح والتعديل: تعريفهما، وشرعيتهما

تعريف الجرح لغة: الطعن، وكما يكون الجرح في المحسوسات يكون في المعنويات، تقول: جرح فلان فلانًا بسيفه: أثّر فيه تأثيرًا ماديًّا، وتقول: جرح فلان فلانًا بلسانه: عابه.

تعريف الجرح اصطلاحًا: وصف الراوي بما يقتضي ردّ روايته، أو هو الطعن في رواة الحديث بما يسلُب عدالتهم أو ضبطهم، أو هما معًا.

تعريف التعديل لغة: التزكية، تقول: عدّل الرجل: زكاه.

تعريف التعديل اصطلاحًا: وصف الراوي بما يقتضي قبول روايته.

شرعية الجرح والتعديل:

الأصل في الجرح أنه من الغيبة المحرمة، التي حذر الإسلام منها، وتوعد مرتكبها بالعذاب الأليم، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيم} [الحجرات: 12].             

عن أبي هريرة   رضي الله عنه   قال: قال رسول  صلى الله عليه وسلم : «أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته» الحديث أخرجه الإمام مسلم. والبهت: الكذب والافتراء.

كما أن الأصل في التعديل أنه من المدح الذي نهى الإسلام عنه أيضًا، فلقد نهى الإسلام المسلمَ أن يزكي نفسه أو أن يزكي غيره؛ لأن الذي يعلم حقيقة الإنسان إنما هو الله تعالى، أما الإنسان فلا يعلم من أخيه الإنسان إلا الظاهر. قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلاَ تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم: 32].

عن تميم الداري، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الدين النصيحة. قلنا: لمن؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم» أخرجه مسلم. وأي نصيحة أنفع في الدين والدنيا من حفظ سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المبينة لكتاب الله تعالى والشارحة له؟ وذلك متوقف على بيان وجه الحق في الرواة جرحًا وتعديلًا، فسلامة الشريعة متوقفة على سلامة المصدر الثاني للتشريع، وهو السنة المطهرة.

ولقد عدّل الرسول صلى الله عليه وسلم وجرّح، وسنّ للمسلمين القول في الناس على سبيل النصيحة، فقال  صلى الله عليه وسلم : ((أرى عبد الله رجلًا صالحًا)) أخرجه مسلم.

وقال: ((نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل)) أخرجه مسلم. يقصد النبي صلى الله عليه وسلم عبدَ الله بن عمر بن الخطاب  رضي الله عنه  .

عن عائشة   رضي الله عنه   قالت: ((استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ائذنوا له، بئس أخو العشيرة، أو ابن العشيرة، فلما دخل ألان له الكلام. قلت: يا رسول الله، قلت الذي قلت، ثم ألنت له الكلام؟! قال: أي عائشة، إن شر الناس من تركه الناس -أو ودِعَهُ الناس- اتقاء فُحشه)) الحديث أخرجه البخاري ومسلم.

فقد استدل الإمام البخاري بهذا الحديث على جواز غيبة أهل الفساد والريب، كما هو واضح في ترجمة الباب، حيث قال: باب ما يجوز من اغتياب أهل الفساد والريب. قال الإمام النووي: اعلم أن الغيبة تباح لغرض صحيح شرعي لا يمكن الوصول إليه إلا بها، وهي بستة أسباب.

وذكر من الأسباب المبيحة للغيبة: تحذير المسلمين من الشر، ونصيحتهم، وذلك من وجوه، منها: جرح المجروحين من الرواة والشهود، وذلك جائز بإجماع المسلمين، بل واجب للحاجة إليه، فأنت ترى أن العلماء قد استثنوا جرح الرواة من الغيبة المحرمة، وأجمعوا على جوازه، بل أجمعوا على وجوبه للحاجة إليه.

متى يجوز القدح في الرواة؟

سبق أن ذكرنا أن جرح الرواة من الغيبة المحرمة التي نهى الإسلام عنها، وحذر أتباعه غاية التحذير من شرها، وتوعد مرتكبها بالعذاب الأليم، غير أن العلماء قد استثنوا من هذه الغيبة المحرمة جرح الرواة والشهود؛ لما يترتب على ذلك من حفظ الدين أو الدنيا، وهذا يعني أن القدح في رواة الحديث ضرورة، فيجب أن نقدر هذه الضرورة بقدرها؛ لذلك وضع العلماء للجرح ضوابط، حتى لا تنطلق ألسنة الناس في بعضهم، من هذه الضوابط:

أولًا: لا يجوز القدح في الراوي إلا إذا احتجنا للرواية عنه، أما إذا لم يحتج الناس إلى الرواية عنه فلا حاجة إلى جرحه، ويصير الجرح مع عدم الحاجة إليه حرامًا، إبقاءً للحكم على أصله؛ لأنه لا بد من صون الراوي وستره.

ثانيًا: إن الجرح إنما جوِّز للضرورة فلتقدر هذه الضرورة بقدرها، فلا يجوز للمجرح أن يذكر سببين من أسباب الجرح إذا أمكن الاكتفاء بأحدهما قياسًا على الشهادة.

error: النص محمي !!