Top
Image Alt

الحديث الشاذ، تعريفه

  /  الحديث الشاذ، تعريفه

الحديث الشاذ، تعريفه

الحديث الشاذ:

من شروط الحديث المقبول المعمول به: أن يكون سالمًا من الشذوذ؛ فإذا لم يتحقق هذا الشرط في الحديث صار الحديث ضعيفًا.

تعريف الشاذ لغة:

الشاذ لغة: المنفرد عن الجمهور بقول أو عمل، بغض النظر عن كونه صوابًا أو خطأ.

تعريف الشاذ اصطلاحًا: مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه سواء كان ذلك بالعدد أو بالحفظ؛ بحيث لا يمكن الجمع بينهما بوجه من وجوه الجمع المعروفة. وكما يكون الشذوذ في المتن يكون الشذوذ في الإسناد.

تعريف الحديث الشاذ اصطلاحًا: سبق أن عرفنا الشاذ لغة واصطلاحًا، ونأتي الآن للحديث عن تعريف الحديث الشاذ اصطلاحًا.

عرف العلماء الحديث الشاذ بعدة تعريفات، نذكرها ونناقشها، ثم نذكر التعريف المعتمد في حد الشاذ -إن شاء الله تعالى-:

أولًا: تعريف الإمام الشافعي للحديث الشاذ:

قال الشافعي -رحمه الله تعالى-: ليس الشاذ من الحديث: أن يروي الثقة ما لا يروي غيره؛ إنما الشاذ أن يروي الثقة حديثًا يخالف ما روى الناس.

ونسب الخليلي هذا التعريف إلى الإمام الشافعي وجماعة من أهل الحجاز؛ فأنت ترى أن الإمام الشافعي يقسم التفرد إلى قسمين: القسم الأول: التفرد غير المخالف، القسم الثاني: التفرد المخالف، ويحكم الإمام الشافعي على تفرد الثقة المخالف بالشذوذ؛ أما تفرد الثقة غير المخالف فلا يدخل عنده في باب الحديث الشاذ المردود؛ بل يدخل في باب الحديث المقبول المعمول به.

ثانيًا: تعريف الخليلي للحديث الشاذ:

قال الخليلي الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد يشذ بذلك شيخ ثقة كان أو غير ثقة؛ فما كان من غير ثقة فمتروك لا يقبل؛ وما كان عن ثقة يتوقف فيه ولا يحتج به.

ونسب الخليلي ذلك إلى حفاظ الحديث؛ حيث قال: والذي عليه حفاظ الحديث الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد… إلى آخر التعريف؛ فأنت ترى أن الشاذ عند الخليلي هو مطلق التفرد سواء خالف أم لم يخالف؛ حيث سوى بينهما في عدم العمل بهما.

ثالثًا: تعريف الحاكم للحديث الشاذ:

قال الحاكم أبو عبد الله النيسابوري: فأما الشاذ: فإنه حديث يتفرد به ثقة من الثقات وليس للحديث أصل بمتابع لذلك الثقة؛ فجعل الحاكم الشاذ مطلق التفرد؛ سواء خالف أم لم يخالف.

مناقشة هؤلاء الأئمة:

قال الحافظ ابن حجر: فالخليلي يسوي بين الشاذ والفرد المطلق؛ فيلزم -على قوله- أن يكون للشاذ الصحيح وغير الصحيح؛ فكلامه أعم، وأخص منه كلام الحاكم لأنه يقول: إنه تفرد الثقة… فيخرج تفرد غير الثقة؛ فيلزم -على قوله- أن يكون في الصحيح الشاذ وغير الشاذ، وهو ما لا يكون فردًا، وأخص منه كلام الإمام الشافعي لأنه يقول: إنه تفرد الثقة بمخالفة من هو أرجح منه، ويلزم عليه ما يلزم على قول الحاكم؛ لكن الشافعي صرح بأنه مرجوح وأن الرواية الراجحة أولى.

نقد تعريف الخليلي والحاكم:

يرد على تعريف الخليلي والحاكم أن الثقة إذا انفرد برواية حديث وليس لهذا الحديث معارض أقوى منه لا يكون شاذًّا مردودًا؛ بل يدخل في باب الحديث الصحيح المعمول به عند جماهير العلماء من المحدثين والفقهاء والأصوليين وغيرهم، ثم إن التطبيق العملي يدل على خلاف ما ذهب إليه الخليلي والحاكم، ولا أدل على ذلك من أن الأئمة رضي الله عنهم قد خرجوا في مصنفاتهم أحاديث غرائب لا تعرف إلا من جهة راوٍ واحد، واحتجوا بها حتى الذين صنفوا في الصحيح المجرد؛ كالإمامين الجليلين البخاري ومسلم؛ فلقد خرج البخاري ومسلم في صحيحيهما أحاديث غرائب لا تعرف إلا من جهة راوٍ واحد، وهي كثيرة في الصحيحين.

فمن ذلك: حديث: ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)) والحديث أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما؛ حيث تفرد برواية هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وتفرد به عن عمر علقمة بن وقاص الليثي، وتفرد به عن علقمة محمد بن إبراهيم التيمي، وتفرد به عن محمد بن إبراهيم التيمي، يحيى بن سعيد الأنصاري، ومنه انتشر؛ حتى رواه عن يحيى بن سعيد أكثر من مائة راوٍ؛ فهو حديث آحاد غريب مطلق أو فرد مطلق.

ومع أنه حديث آحاد غريب مطلق إلا أنه أحد الأحاديث الأربعة التي عليها مدار الإسلام؛ بل إن الحاكم نفسه خرج في (المستدرك) أحاديث غرائب لا تعرف إلا من جهة راوٍ واحد، وحكم عليها بالصحة وهي كثيرة؛ قال ابن الصلاح بعد أن ذكر مذاهب العلماء في حد الحديث الشاذ: فهذا الذي ذكرناه وغيره من مذاهب أئمة الحديث يبين لك أنه ليس الأمر في ذلك على الإطلاق الذي أتى به الخليلي والحاكم؛ بل الأمر في ذلك على تفصيل نبينه.

الشاذ عند ابن الصلاح:

فصل ابن الصلاح القول في الحديث الشاذ؛ فقسمه إلى قسمين:

القسم الأول: التفرد المخالف.

القسم الثاني: التفرد غير المخالف.

أما عن القسم الأول: وهو التفرد المخالف؛ فقال: إذا انفرد الراوي برواية حديث، وخالف من هو أولى منه في الحفظ والإتقان؛ كان ما انفرد به شاذًّا مردودًا.

وأما القسم الثاني: وهو التفرد غير المخالف؛ فقد قسمه إلى ثلاثة أنواع:

النوع الأول: إذا انفرد الثقة برواية حديث قبل ما انفرد به ولم يقدح انفراده في حديثه.

النوع الثاني: إن كان الراوي المنفرد برواية الحديث لم يبعد عن درجة الحافظ الضابط المقبول تفرده؛ استحسنَّا حديثه ذلك، ولم نحطُّه إلى قبيل الحديث الضعيف.

النوع الثالث: إن كان الراوي المنفرد برواية الحديث بعيدًا عن درجة الحافظ الضابط -أي: كان ضعيفًا- رددنا ما انفرد به وكان من قبيل الشاذ المنكر.

وعلى ذلك؛ فالحديث الشاذ المردود عند ابن الصلاح له صورتان:

الصورة الأولى: ما خالف راويه الثقة من هو أوثق منه؛ سواء كان ذلك بالحفظ أو بالعدد؛ بحيث لا يمكن الجمع بين النصين المتعارضين بدون تكلف أو تعسف.

الصورة الثانية: ما انفرد بروايته الضعيف؛ قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح -رحمه الله تعالى-: فهذا الذي ذكرناه وغيره من مذاهب أئمة الحديث يبين لك أنه ليس الأمر في ذلك على الإطلاق الذي أتى به الخليلي والحاكم؛ بل الأمر في ذلك على تفصيل نبينه؛ فنقول: إذا انفرد الراوي بشيء نظر فيه؛ فإن كان ما انفرد به مخالفًا لما رواه من هو أولى منه بالحفظ لذلك وأضبط؛ كان من انفرد به شاذًّا مردودًا؛ وإن لم تكن فيه مخالفة لما رواه غيره؛ وإنما هو أمر رواه هو ولم يروه غيره؛ فينظر في هذا الراوي المنفرد؛ فإن كان عدلًا حافظًا موثوقًا بإتقانه وضبطه قبِل ما انفرد به ولم يقدح الانفراد فيه -كما فيما سبق من الأمثلة- وإن لم يكن ممن يوثق بحفظه وإتقانه لذلك الذي انفرد به؛ كان انفراده خارمًا له مزحزحًا له عن حيز الصحيح.

ثم هو -بعد ذلك- دائر بين مراتب متفاوتة بحسب الحال؛ فإن كان المنفرد به غير بعيد عن درجة الحافظ الضابط المقبول تفرده؛ استحسنَّا حديثه ذلك ولم نحطُّه إلى قبيل الحديث الضعيف؛ وإن كان بعيدًا من ذلك؛ رددنا ما انفرد به وكان من قبيل الشاذ المنكر.

فخرج من ذلك أن الشاذ المردود قسمان: أحدهما: الحديث الفرد المخالف، والثاني: الفرد الذي ليس في راويه من الثقة والضبط ما يقع جابرًا لما يوجب التفرد والشذوذ من النكارة والضعف. والله أعلم.

تعريف الشذوذ اصطلاحًا:

مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه؛ سواء كان ذلك بالحفظ أو بالعدد؛ بحيث لا يمكن الجمع بينهما بوجه من وجوه الجمع المعروفة.

تعريف الحديث الشاذ اصطلاحًا:

هو الحديث الذي خالف راويه الثقة أو الصدوق رواية من هو أولى منه؛ سواء كان ذلك بالحفظ أو بالعدد، ولم يمكن الجمع بين الحديثين بوجه من وجوه الجمع المعروفة، وهذا هو التعريف الصحيح للحديث الشاذ الذي لا يرد عليه أدنى اعتراض.

قال الحافظ ابن حجر: الشاذ: ما رواه المقبول مخالفًا لمن هو أولى منه، وهذا هو المعتمد في تعريف الشاذ بحسب الاصطلاح.

شرح التعريف المعتمد للحديث الشاذ:

يشترط في الراوي المخالف أن يكون ثقة أو صدوقًا؛ فإذا روى الثقة حديثًا خالف به رواية من هو أوثق منه، ولم يمكن الجمع بين الحديثين المتعارضين بوجه من وجوه الجمع المعروفة؛ كان حديث الثقة شاذًّا مردودًا، وحديث الأوثق هو المحفوظ المعمول به، وكذا إذا روى الصدوق حديثًا خالف به رواية من هو أولى منه؛ كأن يكون ثقة ولم يمكن الجمع بين الحديثين المتعارضين بوجه من وجوه الجمع المعروفة؛ كان حديث الصدوق شاذًّا مردودًا، وحديث الثقة هو المحفوظ المعمول به.

أما إذا روى الضعيف حديثًا خالف به رواية ثقة أو صدوق، ولم يمكن الجمع بين الحديثين المتعارضين بوجه من وجوه الجمع المعروفة؛ فإن حديث الضعيف يكون منكرًا، وبعض العلماء لم يفرق بين الحديث الشاذ والحديث المنكر؛ ولكن الصواب التفرقة بينهما.

قال الحافظ ابن حجر: فإن خولف -أي: الراوي- بأرجح منه بمزيد من ضبط أو كثرة عدد أو غير ذلك من وجوه الترجيحات؛ فالراجح يقال له المحفوظ، ومقابله وهو المرجوح يقال له الشاذ، وإن وقعت المخالفة له مع الضعف؛ فالراجح يقال له المعروف، ومقابله يقال له المنكر، وعُرف بهذا أن بين الشاذ والمنكر عمومًا وخصوصًا من وجه؛ لأن بينهما اجتماعًا في اشتراط المخالفة، وافتراقًا في أن الشاذ رواية ثقة أو صدوق، والمنكر رواية ضعيف، وقد غفل من سوى بينهما. والله أعلم.

مما سبق يتبين أن الحديث لا يكون شاذًّا مردودًا إلا إذا خالف راويه الثقة أو الصدوق من هو أولى منه؛ سواء كان ذلك بالحفظ أو بالعدد ولم يمكن الجمع بين النصين المتعارضين بوجه من وجوه الجمع، وليس مطلق التفرد يرد به الحديث، وهذا هو الذي عليه عمل الأئمة في مصنفاتهم -كما سبق.

قال الإمام مسلم: للزهري نحو تسعين حديثًا يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يشاركه فيه أحد بأسانيد جياد، قال ابن الصلاح: الغريب: ينقسم إلى صحيح؛ كالأفراد المخرجة في الصحيح، وإلى غير صحيح، وذلك هو الغالب على الغرائب.

قال الإمام النووي: إذا روى العدل الضابط المتقن حديثًا انفرد به؛ فمقبول بلا خلاف، نقل الخطيب البغدادي اتفاق العلماء عليه، قال ابن الصلاح: إذا انفرد الراوي بشيء نظر فيه؛ فإن لم تكن فيه مخالفة لما رواه غيره وإنما هو أمر رواه هو ولم يروه غيره؛ فينظر في هذا الراوي المنفرد؛ فإن كان عدلًا حافظًا موثوقًا بإتقانه وضبطه قبل ما انفرد به ولم يقدح الانفراد فيه.

error: النص محمي !!