الحديث الصحيح لغيره
الحديث الصحيح لغيره اصطلاحًا:
هو في أصله حديث حسن لذاته، غير أنه توبع بمثله أو بأقوى منه أو بأقل منه مع التعدد؛ فارتقى من الحسن لذاته إلى الصحيح لغيره وسُمِّي صحيحًا لغيره؛ لأن صحته ليست من ذات إسناده، وإنما جاءت من وروده من طريق آخر أو من طرق أخرى.
سبق أن تحدثنا عن الحديث الصحيح لذاته وذكرنا شروطه؛ أما الحديث الصحيح لغيره فهو في أصله حديث حسن لذاته؛ غير أنه توبع فجاء من طريق آخر مساوٍ له في قوته -أي: حسن لذاته- أو من طريق أرجح منه -أي: صحيح- أو جاء من عدة طرق كل طريق منها لا يصل إلى مرتبة الحسن لذاته؛ فتقوَّى الحديث وارتقى من الحسن لذاته إلى الصحيح لغيره.
قال الحافظ السيوطي: إذا كان راوي الحديث متأخرًا عن درجة الحافظ الضابط مع كونه مشغولًا بالصدق والستر، وقد علم أن من هذا حاله فحديثه حسن، فروي هذا الحديث من غير وجه ولو وجه واحد -كما يشير إليه تعليل ابن الصلاح- قوي بالمتابعة، وزال ما كنا نخشاه عليه من جهة سوء الحفظ وانجبر بها ذلك النقص اليسير، وارتفع حديثه من درجة الحسن -أي: لذاته- إلى درجة الصحيح -أي: لغيره.
قال الحافظ ابن حجر: وإنما يحكم للحديث الحسن لذاته بالصحة عند تعدد الطرق؛ لأن للصورة المجموعة قوة تجبر القدر الذي قصر به ضبط راوي الحسن عن راوي الصحيح، ومن ثم تطلق الصحة على الإسناد الذي يكون حسنًا لذاته لو تفرد إذا تعدد.
مثال للحديث الصحيح لغيره:
قال ابن الصلاح: مثاله: حديث محمد بن عمرو بن أبي سلمه، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة» هذا الحديث سنتكلم عن تخريجه بعد إكمال كلام ابن الصلاح.
قال ابن الصلاح: فمحمد بن عمرو بن علقمة من المشهورين بالصدق والصيانة؛ لكن لم يكن من أهل الإتقان حتى ضعفه بعضهم من جهة سوء حفظه، ووثقه بعضهم لصدقه وجلالته، فحديثه من هذه الجهة حسن، فلما انضم إلى ذلك أنه روي من أوجه أُخر؛ زال بذلك ما كنا نخشاه عليه من جهة سوء حفظه، وانجبر به ذلك النقص اليسير؛ فصح هذا الإسناد والتحق بدرجة الصحيح.
قلت: والقول الفصل في محمد بن عمرو بن علقمة: أنه من المرتبة الرابعة من مراتب التعديل؛ فحديثه حسن لذاته ما لم يتابع، غير أنه هنا توبع؛ ونأتي الآن إلى تخريج الحديث لنرى أنه روي من غير وجه كما أنه روي من أوجه صحيحه في غير (سنن الإمام الترمذي).
حديث: «لولا أن اشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة» أخرجه الإمام البخاري في صحيحه من طريق مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة. كتاب الجمعة، باب: السواك يوم الجمعة، إلا أنه قال: «أو على الناس».
وأخرجه البخاري من طريق الليث، عن جعفر بن ربيعة عبد الرحمن، قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه فذكر الحديث. كتاب التمني، باب: ما يجوز من اللهو بدون قوله: «عند كل صلاة».
وأخرجه مسلم عند طريق سفيان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة. كتاب الطهارة، باب السواك (صحيح مسلم، بشرح النووي).
وأخرجه الترمذي من طريق عبدة بن سليمان، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، وهذا هو الطريق الذي ذكره ابن الصلاح.
وأخرجه الترمذي أيضًا من طريق محمد بن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن زيد بن خالد الجهني، قال أبو عيسى الترمذي: وحديث أبي سلمه عن أبي هريرة، وزيد بن خالد عن النبي صلى الله عليه وسلم كلاهما عندي صحيح؛ لأنه قد رُوي من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث، وحديث أبي هريرة إنما صح؛ لأنه قد روي من غير وجه، وأما محمد بن إسماعيل -يعني: البخاري- فزعم أن حديث أبي سلمه عن زيد بن خالد أصح، وقال الترمذي عقب حديث زيد بن خالد الجهني: هذا حديث حسن صحيح.
ويلاحظ أن المتابعة هنا وقعت بمن هو أقوى من محمد بن عمرو كما هو واضح في التخريج.