الحديث الضعيف الذي لا ينجبر ضعفه ولا يتقوى بمجيئه من طريق آخر
النوع الأول: الحديث الموضوع: وهو الحديث الذي في إسناده راوٍ ثبت عليه الكذب في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تابعه كذاب آخر على رواية ذلك الحديث.
النوع الثاني: الحديث المتروك: وهو الحديث الذي في إسناده راوٍ ثبت عليه الكذب في حديث الناس، ولم يثبت عليه الكذب في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تابعه على رواية ذلك الحديث كذاب آخر مثله.
النوع الثالث: الحديث الشاذ، وهو الحديث الذي خالف راويه الثقة أو الصدوق رواية من هو أولى منه، سواء كان ذلك بالحفظ أو بالعدد، ولم يمكن الجمع بينهما بوجه من وجوه الجمع المعروفة.
النوع الرابع: ما كان شديد الضعف بسبب آخر غير هذه الأسباب التي ذكرت.
فهذه الأنواع من الضعيف لا تنجبر، ولا تتقوى أبدًا بمجيئها من طريق آخر، إذا كان هذا الطريق الآخر مثله في شدة الضعف، وسيتضح ذلك إن شاء الله تعالى في باب الحديث الضعيف.
قال ابن الصلاح: لعل الباحث يقول: إنا نجد أحاديث محكومًا بضعفها، مع كونها رويت بأسانيد كثيرة، من وجوه عديدة مثل حديث: “الأذنان من الرأس” ونحوه؛ فهلا جعلتم ذلك وأمثاله من نوع الحسن؛ لأن بعض ذلك عضد بعضًا، كما قلتم في نوع الحسن على ما سبق آنفًا.
وجواب ذلك: أنه ليس كل ضعف في الحديث يزول بمجيئه من وجوه، بل ذلك يتفاوت؛ فمنه ضعف يزيله ذلك بأن يكون ضعفه ناشئًا من ضعف حفظ راويه، مع كونه من أهل الصدق والديانة؛ فإذا رأينا ما رواه قد جاء من وجه آخر، عرفنا أنه مما قد حفظه، ولم يختل فيه ضبطه له، وكذلك إذا كان ضعفه من حيث الإرسال؛ زال بنحو ذلك، كما في المرسل الذي يرسله إمام حافظ إذ فيه ضعف قليل يزول بروايته من وجه آخر.
ومن ذلك ضعف لا يزول بنحو ذلك؛ لقوة الضعف وتقاعد هذا الجابر عن جبره، ومقاومته وذلك كالضعيف الذي ينشأ من كون الراوي متهمًا بالكذب، أو كون الحديث شاذًّا، وهذه جملة تفاصيلها تدرك بالمباشرة والبحث؛ فإنه من النفائس العزيزة، والله أعلم.
قال الحافظ السخاوي: إذا كان ضعف الحديث لكذب في راويه، أو شذوذ في روايته، بأن خالف من هو أحفظ أو أكثر، أو قوي الضعف بغيرهما مما يقتضي الرد؛ فلم يجز الضعيف بواحد من هذه الأسباب، ولو كثرت طرقه كحديث: “من حفظ على أمتي أربعين حديثًا”. فقد نقل النووي اتفاق الحفاظ على ضعفه مع كثرت طرقه، ولكن بكثرة طرقه القاصرة عن درجة الاعتبار، بحيث لا يجبر بعضها ببعض؛ فيرتقي من مرتبة المردود المنكر الذي لا يجوز العمل به بحال إلى رتبة الضعيف الذي يجوز العمل به في الفضائل.
قال الحافظ السيوطي: وأما الضعيف لفسق الراوي، أو كذبه؛ فلا يؤثر فيه موافقة غيره له، إذا كان الآخر مثله؛ لقوة الضعف وتقاعد هذا الجابر، نعم: يرتقي بمجموع طرقه عن كونه منكرًا، أو لا أصل له، صرح به شيخ الإسلام -أي: الحافظ ابن حجر- قال: بل ربما كثرت الطرق، حتى أوصلته إلى درجة المستور والسيئ الحفظ، بحيث إذا وجد له طريق آخر فيه ضعف قريب محتمل؛ ارتقى بمجموع ذلك إلى درجة الحسن.
قد يحكم على الحديث المقبول بغير صحيح أو حسن.
قد يحكم على الحديث المقبول بغير صحيح أو حسن، هناك ألفاظ استعملها المحدثون في الحكم على الأحاديث المقبولة، غير صحيح وحسن، ينبغي أن نقف عليها وأن نعرف مدلولها. من الألفاظ المستعملة عند أهل الحديث في المقبول: منها: الجيد، القوي، الصالح، المعروف، المحفوظ، المجود، الثابت، المشبه.
أولًا: الجيد: يرى ابن الصلاح التسوية بين الجيد والصحيح؛ فما يقال فيه: جيد، مثل ما يقال فيه: صحيح، قال البلقيني بعد أن ذكر كلام ابن الصلاح: من ذلك يعلم أن الجودة يعبر بها عن الصحة.
ولكن في هذا الكلام نظر؛ لأن الإمام الحافظ لا يعدل عن قوله: صحيح، إلى قوله: جيد؛ إلا لسبب كأن يرتقي الحديث عنده عن الحسن لذاته، ويتردد في بلوغه الصحيح، فالوصف بجيد أنزل رتبة من الوصف بصحيح.
ثانيًا: القوي: القوي مرادف لجيد.
ثالثًا: الصالح: يشمل الحديث الصحيح بقسميه، والحديث الحسن بقسميه، لصلاحيتهما للاحتجاج بهما، ويستعمل أيضًا في ضعيف يصلح للاعتبار.
رابعًا: المعروف: هو الحديث المقبول المعمول به، الذي خالف راويه الثقة أو الصدوق رواية الضعيف، والمعروف يقابل المنكر المردود.
خامسًا: المحفوظ: هو الحديث المقبول المعمول به، الذي خالف راويه الثقة أو الصدوق، رواية من هو أدنى منه مرتبة، ولم يمكن الجمع بينهما بوجه من وجه الجمع، والمحفوظ يقابل الشاذ المردود.
سادسًا: المجود: مرادف للصحيح.
سابعًا: الثابت: مرادف للصحيح.
ثامنًا: المشبه يطلق على الحديث الحسن، وما يقاربه؛ فهو بالنسبة إليه كنسبة الجيد إلى الصحيح.
ملحوظة: إذا أطلق الحكم على الحديث بالصحة؛ فقلنا: هذا حديث صحيح، انصرف ذلك إلى الحديث الصحيح لذاته، وإذا أطلق الحكم على الحديث بالحسن؛ فقلنا: هذا حديث حسن، انصرف ذلك إلى الحديث الحسن لذاته. والله أعلم.