الحديث الضعيف الذي ينجبر ضعفه بمجيئه من طريق آخر
- ما كان من رواية سيئ الحفظ الذي خطؤه أكثر من صوابه.
- ما كان من رواية المختلط، الذي لم يتميز حديثه القديم الذي حدث به قبل الاختلاط، من حديثه الذي حدث به بعد الاختلاط.
- ما كان من رواية المستور، وهو الحديث الذي في إسناده راوٍ روى عنه اثنان، ولم يوثق، والمستور هو ومجهول الحال سواء -كما ستعرف ذلك إن شاء الله.
- ما كان من رواية مجهول العين، وهو الحديث الذي في إسناده راوٍ روى عنه راوٍ واحد ولم يوثق.
- ما كان من رواية المدلس، وهو الحديث الذي في إسناده راوٍ يروي عمن سمع منه ما لم يسمع منه؛ موهمًا سماعه منه.
- الذي يتقوى بمجيئه من وجه آخر الحديث المرسل، وهو الحديث الذي رواه التابعي، عن النبي صلى الله عليه وسلم .
فكل هذه الأنواع إذا جاءت من طريق آخر مثلها أو أعلى منها، أو من عدة طرق أقل منها في المرتبة، ارتقت من الضعيف إلى الحسن لغيره.
قال الحافظ ابن حجر: ومتى توبع السيئ الحفظ بمعتبر؛ كأن يكون فوقه أو مثله، لا دونه، وكذا المختلط الذي لم يتميز والمستور والإسناد المرسل، وكذا المدلس إذا لم يعرف المحذوف منه، صار حديثهم حسنًا لا لذاته، بل وصفه بذلك باعتبار المجموع من المتابع، والمتابع؛ لأن مع كل واحد منهم احتمال كون روايته صوابًا، أو غير صواب على حد سواء.
قال الحافظ السيوطي: إذا روي الحديث من وجوه ضعيفة، لا يلزم أن يحصل من مجموعها أنه حسن، بل ما كان ضعفه لضعف حفظ راويه الصدوق الأمين، زال بمجيئه من وجه آخر، وعرفنا بذلك أنه قد حفظه ولم يختل فيه ضبطه، وصار الحديث حسن بذلك، مثال ذلك: ما رواه الترمذي وحسنه من طريق شعبة، عن عاصم بن عبيد الله، قال: سمعت عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه: «أَنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي فَزَارَةَ تَزَوَّجَتْ عَلَى نَعْلَيْنِ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أَرَضِيتِ مِنْ نَفْسِكِ، وَمَالِكِ بِنَعْلَيْنِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَجَازَهُ» الحديث أخرجه الترمذي كتاب: النكاح. باب: ما جاء في مهور النساء. قال أبو عيسى: حديث عامر بن ربيعة حديث حسن صحيح، والحديث أخرجه أيضًا ابن ماجه كتاب: النكاح. باب: الصداق.
قال السيوطي: قال الترمذي، عقب هذا الحديث: وفي الباب عن عمر، وأبي هريرة، وسهل بن سعد، وأبي سعيد، وأنس، وجابر، وأبي حدرد الأسلمي؛ فعاصم ضعيف لسوء حفظه، وقد حسن له الترمذي هذا الحديث لمجيئه من غير وجه، وكذا إذا كان ضعفها لإرسال، أو تدليس، أو جهالة رجال، كما زاده شيخ الإسلام ابن حجر، زال بمجيئه من وجه آخر، وكان دون الحسن لذاته.
مثال ما كان ضعفه بسبب التدليس ثم توبع: ما رواه الترمذي وحسنه من طريق هشيم، عن يزيد ابن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «حق على المسلمين أن يغتسلوا يوم الجمعة، وليمس أحدهم من طيب أهله؛ فإن لم يجد فالماء له طيب» فهشيم موصوف بالتدليس، لكن لما تابعه عند الترمذي أبو يحيى التيمي، وكان للمتن شواهد من حديث أبي سعيد الخدري وغيره حسنه الترمذي. وهذا الحديث السابق أخرجه الترمذي في كتاب: الجمعة. باب: ما جاء في السواك والطيب يوم الجمعة. قال أبو عيسى الترمذي: حديث البراء حديث حسن. فكل هذه الأنواع السابقة إذا وردت من طريق آخر أعلى منها أو مثلها أو عدة طرق أقل منها أنجبر ما فيها من ضعف وارتقت من الضعيف إلى الحسن لغيره.