Top
Image Alt

الحديث الضعيف الذي ينجبر ضعفه والذي لا ينجبر

  /  الحديث الضعيف الذي ينجبر ضعفه والذي لا ينجبر

الحديث الضعيف الذي ينجبر ضعفه والذي لا ينجبر

أنواع الحديث الضعيف الذي ينجبر ضعفه ويرتقي من الضعيف إلى الحسن لغيره:

  • ما كان من رواية سيِّئ الحفظ.
  • ما كان من رواية المختلط، الذي لم يتميز حديثه الذي حدث به قبل الاختلاط من حديثه الذي حدث به بعد اختلاطه.
  • ما كان من رواية المجهول.
  • ما كان من رواية المدلس.
  • الحديث المرسل.

فكل هذه الأنواع السابقة إذا وردت من طريق آخر أعلى منها، أو مثلها، أو عدة طرق أقل منها؛ انجبر ما فيها من ضعف، وارتقت من الضعيف إلى الحسن لغيره.

قال الحافظ ابن حجر: ومتى توبع السيئ الحفظ بمعتبرٍ كأن يكون فوقه، أو مثله لا دونه، وكذا المختلط الذي لم يتميز، والمستور، والإسناد المرسل، وكذا المدلس إذا لم يعرف المحذوف منه- صار حديثهم حسنًا لا لذاته، بل وصفه بذلك باعتبار المجموع من المتابع والمتابع؛ لأن مع كل واحد منهم احتمال كون روايته صوابًا، أو غير صواب، على حد سواء.

فإذا جاءت من المعتبرين رواية موافقة لأحدهم رجح أحد الجانبين من الاحتمالين المذكورين، ودل ذلك على أن الحديث محفوظ، فارتقى من درجة التوقف إلى درجة القبول، والله أعلم.

ومع ارتقائه إلى درجة القبول فهو منحط عن رتبة الحسن لذاته، وربما توقف بعضهم عن إطلاق اسم الحسن عليه. قال الحافظ السيوطي: إذا روي الحديث من وجوهٍ ضعيفة لا يلزم أن يحصل من مجموعها أنه حسن، بل ما كان ضعفه لضعف حفظ راويه الصدوق الأمين زال بمجيئه من وجهٍ آخر، وعرفنا بذلك أنه قد حفظه ولم يختل فيه ضبطه، وصار الحديث حسنًا بذلك، كما رواه الترمذي، وحسنه من طريق شعبة عن عاصم بن عبد الله، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه «أن امرأة من بني فزارة تزوجت على نعلين. فقال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : أرضيت من نفسك، ومالك بنعلين؟ قالت: نعم. قال: فأجازه» الحديث أخرجه الترمذي، وقال: حديث عامر بن ربيعة حديث حسن صحيح، وأخرجه أيضا ابن ماجه. قال الترمذي: وفي الباب عن عمر، وأبي هريرة، وعائشة، وأبي حدرج؛ فعاصم ضعيف لسوء حفظه، وقد حسن له الترمذي هذا الحديث لمجيئه من غير وجه.

وكذا إذا كان ضعفها لإرسالٍ، أو تدليس، أو جهالة رجال -كما زاده شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر- زال بمجيئه من وجهٍ آخر، وكان دون الحسن لذاته. مثال ما كان ضعفه بسبب التدليس ثم توبع، ما رواه الترمذي وحسنه من طريق هشيم، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : «حقٌّ على المسلمين أن يغتسلوا يوم الجمعة، وليمس أحدهم من طيب أهله، فإن لم يجد فالماء له طيب» الحديث أخرجه الإمام الترمذي، وقال: حديث حسن. فهشيم موصوف بالتدليس، لكن لما تابعه عند الترمذي أبو يحيى التيمي، وكان للمتن شواهد من حديث أبي سعيد الخدري وغيره- حسنه، والله أعلم.

أنواع الحديث الضعيف الذي لا ينجبر ضعفه، ولا يتقوى بمجيئه من طريق آخر:

أ. الحديث الموضوع: وهو الحديث المنسوب كذبًا إلى رسول الله  صلى الله عليه وسلم ، وذلك بأن يكون في إسناده راوٍ كذاب، ثبت عليه الكذب في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعرف هذا الحديث عن غيره ممن ليس بكذاب؛ فالكذاب لا يُقَوَّي ولا يَتَقَوّى بحالٍ من الأحوال.

ب. الحديث المتروك: وهو الحديث الذي في إسناده راوٍ ثبت عليه الكذب في حديث الناس، ولم يثبت عليه الكذب في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعرف هذا الحديث عن غيره ممن ليس بكذاب.

جـ. الحديث الشاذ: وهو ما رواه الثقة أو الصدوق مخالفًا لرواية من هو أولى منه؛ سواء كان ذلك بالحفظ أو بالعدد، ولم يمكن الجمع بين الروايتين بوجهٍ من وجوه الجمع.

د. إذا كان الحديث شديد الضعف لسببٍ آخر.

فهذه الأنواع من الضعيف لا تنجبر، ولا تَتَقَوَّى أبدًا بمجيئها من طريق آخر، إذا كان هذا الطريق الآخر مثله في شدة الضعف.

قال ابن الصلاح: لعل الباحث الفَهِِمَ يقول: إنا نجد أحاديث محكومًا بضعفها، مع كونها قد رويت بأسانيد كثيرة من وجوهٍ عديدةٍٍ مثل: حديث «الأذنان من الرأس»، ونحوه. فهلا جعلتم ذلك وأمثاله من نوع الحسن؛ لأن بعض ذلك عضد بعضًا، كما قلتم في نوع الحسن على ما سبق آنفًا؟

وجواب ذلك: أنه ليس كل ضعف في الحديث يزول بمجيئه من وجوه، بل ذلك يتفاوت؛ فمنه ضعف يزيله ذلك بأن يكون ضعفه ناشئًا من ضعف حفظ راويه، مع كونه من أهل الصدق والديانة، فإذا رأينا ما رواه قد جاء من وجهٍ آخر عرفنا أنه مما قد حفظه، ولم يختل فيه ضبطه له، وكذلك إذا كان ضعفه من حيث الإرسال زال بنحو ذلك، كما في المرسل الذي يرسله إمام حافظ؛ إذ فيه ضعف قليل يزول بروايته من وجهٍ آخر، ومن ذلك ضعف لا يزول بنحو ذلك بقوة الضعف، وتقاعد هذا الجابر عن جبره، ومقاومته، وذلك كالضعف الذي ينشأ من كون الراوي متهمًا بالكذب، أو كون الحديث شاذًّا. وهذه جملة تفاصيلها تدرك بالمباشرة والبحث. فاعلم ذلك، فإنه من النفائس العزيزة.

الحقيقة الرابعة: لا تلازم بين الإسناد والمتن:

المراد بالتلازم الترابط، بمعنى أنه لا يلزم من صحة الإسناد أن يكون المتن صحيحًا، ولا يلزم من ضعف الإسناد أن يكون المتن ضعيفًا؛ فقد يصح الإسناد لاتصاله، وثقة رجاله، ولا يصح المتن لوجود علة، أو شذوذ به. وقد يكون الإسناد ضعيفًا، ويصح المتن لمجيئه من طريق آخر صحيح؛ لذلك لا يصح أن نبادر إلى الحكم على الحديث بالضعف لمجرد وجود راوٍ ضعيف في إسناده، أو لأن الإسناد به انقطاع؛ فقد يكون له إسناد آخر صحيح، ولكن يجوز أن نحكم على الإسناد الذي وجد به انقطاع، أو راوٍ ضعيف بالضعف، فنقول: هذا إسناد ضعيف، أو هذا الحديث بهذا الإسناد ضعيف، ولا يطلق الحكم بالضعف على المتن؛ لاحتمال أن يكون لهذا المتن إسناد آخر صحيح.

فإذا حكم إمام معتبر من أئمة الحديث على الحديث بالضعف، وقال: إن هذا الحديث لم يروَ إلا من هذا الوجه الضعيف، أو بهذا الإسناد الضعيف، أو لم يروَ بإسنادٍ صحيح، أو حكم عليه بالضعف، وذكر سبب الضعف- عند ذلك يجوز أن يطلق الحكم بالضعف على المتن، والله أعلم.

الحقيقة الخامسة: الحكم على الحديث بالوضع:

إذا كان العلماء قد منعوا أن يحكم على الحديث بالضعف لضعف إسناده فإنهم قد منعوا أن يحكم على الحديث بالوضع لمجرد وجود راوٍ كذاب في إسناده؛ فقد يصح بإسنادٍ آخر ليس فيه هذا الوضَّاع.

الحقيقة السادسة: الحكم على المتن

والحكم على المتن إنما هو بأعلى الأسانيد: فلو روي حديث من طريقين، أو بإسنادين، أحد الإسنادين صحيح، والآخر ضعيف- فالحكم على المتن يكون بالصحة؛ لأنه لو لم يأتِ المتن إلا بإسناد واحد صحيح لكفى ذلك في صحته، كيف وقد جاء بإسنادين أحدهما صحيح، والآخر ضعيف؛ بل إنه يكون أصح مما لو جاء بإسناد واحد صحيح؛ لأن كثرة الطرق تقوي الحديث.

الحقيقة السابعة: الحكم على الإسناد:

والحكم على الإسناد إنما هو بأضعف الرواة، فلو كان في الإسناد راوٍ واحد ضعيف، وبقية رجال الإسناد ثقات- فالحكم على الإسناد أنه ضعيف.

error: النص محمي !!