الحديث الضعيف
تعريف الضعيف لغة: الضعيف من الضَّعف بفتح الضاد في لغة تميم، وبضم الضاد من الضُّعف في لغة قريش: خلاف القوة والصحة، وكما يكون الضعف في المحسوسات يكون في المعنويات. يقال: فلان ضعيف البدن، كما يقال: فلان ضعيف الرأي.
تعريف الحديث الضعيف اصطلاحًا: هو ما فَقد شرطًا أو أكثر من شروط الحديث المقبول.
أولًا: شروط الحديث المقبول:
شرط العلماء في الحديث المقبول شروطًا، لا بد من تحققها في الحديث ليكون مقبولًا معمولًا به، وإذا فقد الحديث شرطًا من هذه الشروط أو أكثر، صار الحديث ضعيفًا، وهذه الشروط هي:
الشرط الأول: اتصال الإسناد.
الشرط الثاني: عدالة الرواة.
الشرط الثالث: ضبط الرواة.
الشرط الرابع: السلامة من الشذوذ.
الشرط الخامس: السلامة من العلة القادحة.
الشرط السادس: العاضد أو المتابِع عند الاحتياج إليه.
وسبق الحديث عن كل شرط من هذه الشروط في باب الحديث المقبول، وسوف نتحدث هنا -إن شاء الله تعالى- على ما يترتب على فقدان كل شرط من هذه الشروط بشيء من التفصيل.
ملحوظات:
قبل الحديث عن كل نوع من أنواع الحديث الضعيف لا بد من معرفة هذه الحقائق:
الحقيقة الأولى: إذا قال العلماء: هذا حديث ضعيف، فالمراد أنه فقد شرطًا أو أكثر من شروط القبول، أو من شروط الحديث المقبول. وليس معنى ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقله، فهذا أمر لا يستطيع أحد أن يجزم به؛ لاحتمال إصابة كثير الخطأ، فإن الراوي وإن كثر خطؤه فإن خطأه لا يصل إلى درجة مائة في المائة، بل في كلامه وفيما يروي نسبة من الصواب ولو كانت قليلة.
قال الحافظ السخاوي: “فإذا قال العلماء: هذا حديث ضعيف، فمعناه أنه فقد شرطًا أو أكثر من شروط القبول؛ لجواز الضبط والإتقان، وكذا الصدق على غير الثقة”.
الحقيقة الثانية: الضعيف ليس كله في مرتبة واحدة من الضعف، وسنرى في العرض التفصيلي -إن شاء الله تعالى- أن الحديث الضعيف ليس نوعًا واحدًا، بل هو أنواع متعددة، أوصلها الحافظ ابن حبان إلى تسع وأربعين نوعًا، وأوصلها غيره إلى أكثر من ذلك، وأنها ليست في مرتبة واحدة من الضعف، فالحديث الضعيف بسبب سوء حفظ الراوي، ليس كالحديث الضعيف بسبب كذب الراوي، وما دام أن الأمر كذلك فلا يصح أن يُنظر إلى الحديث الضعيف على أنه كله في مرتبة واحدة، أو أنه نوع واحد، بل هو في مراتب متعددة كما سنرى ذلك -إن شاء الله تعالى.
وسنرى أن العلماء منهم من احتج ببعض أنواع الحديث الضعيف، كالحديث المرسل، ومنهم من يحتج بالحديث الضعيف ويقدمه على القياس، كالإمام أحمد، ومنهم من يعمل به في فضائل الأعمال، إلا أنهم جميعًا أجمعوا على رد أنواع منه، كالحديث الموضوع والمتروك والمنكر، كما سنرى -إن شاء الله تعالى.
الحقيقة الثالثة: الضعيف الذي يتقوى، ليس كل حديث ضعيف يتقوى وينجبر ما فيه من ضعف، ليرتقي إلى الحديث الحسن لغيره، بل من الضعيف أنواع لا ينجبر ضعفها، ولا ترتقي إلى الحسن لغيره بحال من الأحوال.
أنواع الحديث الضعيف الذي ينجبر ضعفه ويرتقي من الضعيف إلى الحسن لغيره:
- ما كان من رواية سيء الحفظ.
- ما كان من رواية المختلط، الذي لم يتميز حديثه القديم الذي حدث به قبل الاختلاط، من حديثه الذي حدث به بعد اختلاطه.
- ما كان من رواية المجهول.
- ما كان من رواية المدلس.
- الحديث المرسل.
فكل هذه الأنواع السابقة إذا وردت من طريق آخر أعلى منها أو مثلها، أو عدة طرق أقل منها، انجبر ما فيها من ضعف وارتقت من الضعيف إلى الحسن لغيره، وسبق بيان ذلك بالتفصيل.
أنواع الحديث الضعيف الذي لا ينجبر ضعفه ولا يتقوى بمجيئه من طريق آخر:
- الحديث الموضوع: وهو الحديث المنسوب كذبًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: وذلك بأن يكون في إسناده راو كذاب، ثبت عليه الكذب في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يُعرف هذا الحديث عن غيره ممن ليس بكذاب، فالكذاب لا يُقوِّي ولا يَتقوى بحال من الأحوال.
- الحديث المتروك: وهو الحديث الذي في إسناده راوٍ ثبت عليه الكذب في حديث الناس، ولم يثبت عليه الكذب في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يُعرف هذا الحديث عن غيره ممن ليس بكذاب.
- الحديث الشاذ: وهو ما رواه الثقة أو الصدوق مخالفًا لرواية من هو أولى منه، سواء كان ذلك بالحفظ أو بالعدد، ولم يمكن الجمع بين الروايتين بوجه من وجوه الجمع.
- إذا كان الحديث شديد الضعف لسبب آخر.
فهذه الأنواع من الضعيف لا تنجبر ولا تتقوى أبدًا بمجيئها من طريق آخر، إذا كان هذا الطريق الآخر مثله في شدة الضعف، وسبق بيان ذلك بالتفصيل.
الحقيقة الرابعة: لا تلازم بين الإسناد والمتن، المراد بالتلازم الترابط، بمعنى أنه لا يلزم من صحة الإسناد أن يكون المتن صحيحًا، ولا يلزم من ضعف الإسناد أن يكون المتن ضعيفًا، فقد يصح الإسناد لاتصاله وثقة رجاله، ولا يصح المتن لوجود علة أو شذوذ به، وقد يكون الإسناد ضعيفًا ويصح المتن لمجيئه من طريق آخر صحيح، لذلك لا يصح أن نبادر إلى الحكم على الحديث بالضعف لمجرد وجود راوٍ ضعيف في إسناده، أو لأن الإسناد به انقطاع، فقد يكون له إسناد آخر صحيح، ولكن يجوز أن نحكم على الإسناد الذي وُجد به انقطاع أو راوٍ ضعيف بالضعف، فنقول: هذا إسناد ضعيف، أو هذا الحديث بهذا الإسناد ضعيف، ولا يطلَق الحكم بالضعف على المتن؛ لاحتمال أن يكون لهذا المتن إسناد آخر صحيح.
الحقيقة الخامسة: الحكم على الحديث بالوضع، إذا كان العلماء قد منعوا أن يُحكم على الحديث بالضعف لضعف إسناده، فإنهم قد منعوا أن يُحكم على الحديث بالوضع لمجرد وجود راوٍ كذاب في إسناده، فقد يصح بإسناد آخر ليس فيه هذا الوضاع.
الحقيقة السادسة: الحكم على الإسناد إنما هو بأضعف الرواة، فلو كان في الإسناد راوٍ واحد ضعيف وبقية رجال الإسناد ثقات فالحكم على الإسناد أنه ضعيف.
كيف تُروى الأحاديث الضعيفة أو كيف تنقل؟
راوي الحديث الضعيف أو ناقل الحديث الضعيف إما أن يرويه أو ينقله بإسناده، أو لا، فإن رواه بإسناده أو نقله بإسناده فلا يجب عليه أن يبين ما فيه من ضعف؛ لأن من يروي الحديث بإسناده يحيل القارئ على البحث عن رجاله وصحته، بناءً على القاعدة التي تقول: “من أسند فقد أحالك، ومن أرسل فقد تكفل لك”.
والمراد أن من يَذكر الحديث بإسناده، أو يروي الحديث بإسناده فليس مسئولًا عن صحته، أما من يَذكر الحديث بلا إسناد، فإنه المسئول عن صحته، وإن كان الأفضل أن ينص على ضعفه، خاصة إذا كان الحديث موضوعًا، أو كان الحديث شديد الضعف.
أما إذا لم يَذكر الإسناد فعليه أن يبين أنه ضعيف، أو يذكر الحديث بصيغة من صيغ التمريض، كـ: قيل، ويُروى، ويُحكى، فهذه الصيغ تدل على أن الحديث ضعيف. ولا يجوز له أن يذكره بصيغة من صيغ الجزم، كـ: قال، وفعل، وروى… ونحو ذلك، مما هو مبني للمعلوم، أما إذا نَقل حديثًا صحيحًا بغير إسناد، فعليه أن يذكره بصيغة من صيغ الجزم، كـ: قال، وروى… وغير ذلك من الصيغ التي تدل على أن الحديث صحيح، ولا يجوز له أن يذكره بصيغة التمريض الدالة على ضعف الحديث.