الحديث القدسي: تعريفه، وكيفية روايته
تقسيم الحديث باعتبار مَنْ أُضيف إليه، أو باعتبار قائله.
ينقسم الحديث باعتبار مَنْ أُضيف إليه إلى أربعة أقسام:
القسم الأول: الحديث القدسي.
القسم الثاني: الحديث المرفوع.
القسم الثالث: الحديث الموقوف.
القسم الرابع: الحديث المقطوع.
أولًا: الحديث القدسي:
تعريفُ الحديث القدسي اصطلاحًا:
هو ما أضافه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الله تعالى من غير القرآن الكريم؛ وذلك لأن المضاف إلى الله تعالى إما أن يكون قرآنًا بين دفّتي المصحف الشريف أو لا، فإن لم يكن قرآنًا فهو الحديث القدسي، وسُمّي الحديث القدسي حديثًا قدسيًّا لنسبته إلى الذّات المقدسة، وهو الله تعالى.
هل لفظ الحديث القدسي من عند الله تعالى؟ أم عند الرسول صلى الله عليه وسلم ؟
اتفق العلماء على أن معنى الحديث القدسي من عند الله، ولكنهم اختلفوا في لفظه: هل هو من عند الله؟ أم من عند الرسول صلى الله عليه وسلم ؟
- ذهبتْ طائفة من العلماء إلى أن الحديث القدسي لفظه من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم ومعناه من عند الله تعالى.
- ذهب جماعة من العلماء إلى أن لفظ الحديث القدسي من كلام الله عز وجل وليس للنبي صلى الله عليه وسلم دخل فيه إلا روايته عن الله عز وجل واستدلّوا على ذلك بما يأتي:
- الحديث القدسي يُضاف إلى الله تعالى، فيقال فيه: حديث قدسي، وحديث إلهي، وحديث ربّاني. ويقال فيه: قال الله تعالى، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربّه.
- الأحاديث القدسية اشتملت على ضمائر المتكلّم الخاصّة بالله تعالى، فتكون من كلام الله تعالى، وإن لم تكنْ ألفاظها للإعجاز، ولا تعبّدن الله بتلاوتها.
مثال ذلك: عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى عن الله -تبارك وتعالى- أنه قال: «يا عبادي، إني حرّمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرّمًا. فلا تظّالموا، يا عبادي، كلكم ضالّ إلا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي، كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم. يا عبادي، كلكم عارٍ إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم. يا عبادي، إنكم تُخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعًا، فاستغفروني أغفر لكم. يا عبادي، إنكم لن تبلغوا ضرّي فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني. يا عبادي، لو أن أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئًا. يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نَقَصَ ذلك من ملكي شيئًا. يا عبادي، لو أن أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المِخْيَطُ إذا أُدخل البحر. يا عبادي، إنما هي أعمالكم أُحصيها لكم ثم أوفيكم إيّاها، فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يَلُومَنّ إلا نفسه» الحديث أخرجه الإمام مسلم.
- قالوا: الأحاديث القدسية تُروى عن الله تعالى متجاوزًا بها النبي صلى الله عليه وسلم فلو كان لفظها من النبي صلى الله عليه وسلم لانتهى بالرواية إليه كما هو الحال في الأحاديث النبوية. فيقال في الحديث القدسي: قال الله تعالى فيما رواه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم أو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربّه.
والذي أَرَاه: أن لفظ الحديث القدسي من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وأن معناه من عند اللهعز وجل ولا أدلّ على ذلك من الآتي:
- ليس للحديث القدسي من الحرمة والقداسة ما للقرآن الكريم، وسنذكر رأي العلماء -إن شاء الله تعالى- في حكم مسّ القرآن الكريم وقراءته للجُنُب والحائض، وحكم مسّه للمحدث حدثًا أصغر.
- لو كان لفظ الحديث القدسي من عند الله عز وجل ما جاز أن يُرْوَى بالمعنى اتفاقًا؛ لأن من لوازم كون لفظه من عند الله أن يحافظ على اللفظ، فلا يروى بالمعنى.
- لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بكتابته كما أمر بكتابة القرآن الكريم، وإلا فلماذا فرّق النبي بين القرآن الكريم والحديث القدسي، فأمر بكتابة القرآن الكريم ولم يأمرْ بكتابة الحديث القدسي، فلو كان لفظ الحديث القدسي من عند الله عز وجل ما كان لهذه التّفرقة معنًى، كيف يفرّق بينهما ولفظهما من عند الله عز وجل؟
- إذا كان الله عز وجل قد أنزل القرآن الكريم لهداية البشرية، فإن القرآن الكريم في نفس الوقت هو معجزة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم الذي تحدّى به الإنس والجن، فعجزوا عن الإتيان بمثله، أو مثل أقصر سورة منه. فكان من لوازم هذا التحدّي أن يكون لفظه من عند الله عز وجل بخلاف الحديث القدسي، فليس المراد منه إلا العمل بما فيه، وليس المراد منه الإعجاز أو التحدّي.
- لو كان لفظ الحديث القدسي من عند الله عز وجل ما كان هناك فرق بين القرآن الكريم والحديث القدسي، كيف والفرق بينهما كبير؛ فإذا كان الحديث القدسي يُضاف إلى الله عز وجل فيقال فيه: قال الله تعالى -كما سبق- فإن المراد نسبة مضمون الحديث لا نسبة ألفاظه، وقد ذكر الله قصص الأنبياء السابقين مع أُمَمِهِمْ، وما قالوا لهم، وما ردّوا به عليهم، وهذا لم يكن للغة العربية؛ فحكى الله مضمون كلامهم وما دار بينهم، ونسب ذلك إليهم، والله أعلم.
كيف تلقّى الرسول صلى الله عليه وسلم الأحاديث القدسية؟
لا ينحصر تلقي الرسول صلى الله عليه وسلم للأحاديث القدسية في كيفيّة من كيفيات الوحي، بل يجوز أن تنزل بأي كيفية من كيفيّاته كرؤيا النوم، والإلقاء في القلب، وعلى لسان الملك.
كيف تُروى الأحاديث القدسية؟
لرواية الأحاديث القدسية أكثر من صيغة:
- أن يقول الراوي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربّه، وهذه هي عبارة السّلف، ومن ثَمّ آثرها الإمام النووي.
- أن يقول الراوي: قال الله تعالى فيما رواه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنى الصيغتين واحد.
- أن يقول الراوي: سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله قال، أو إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله تعالى.
- أن يقول الصحابي: عن النبي صلى الله عليه وسلم يرفعه وهو في حكم قوله: عن الله عز وجل.
صِوَر الحديث القدسي:
- قد يأتي الحديث القدسي مستقلًّا مثل حديث أبي ذرّ السابق.
- قد يأتي الحديث القدسي ضمن حديث نبوي -أي: جزء من حديث نبوي- مثال ذلك عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال الله تعالى: «كل عمل ابن آدم له إلا الصّيام، فإنه لي، وأنا أجزي به، والصيام جُنّة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يَرْفُث ولا يَصْخَبْ، فإن سابّه أحدٌ، أو قاتله فليقلْ: إني امرؤ صائم، والذي نفسُ محمّد بيده لخَلُوفُ فَمِ الصائم أطيب عند الله من ريحِ المسك، للصائم فرحتان يفرحهما؛ إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربّه فرح بصومه».
- قد يأتي الحديث القدسي ضمن حديث نبوي، ولا يُنصّ على أنه من كلام الله، ولكن يُفهم ذلك من سياق الكلام، مثال ذلك: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الصيام جنّة، فلا يرفثْ، ولا يجهلْ، وإن امرؤٌ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم مرتين. والذي نفسي بيده، لخلوف فم الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك، يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، والصيام لي وأنا أجزي به، والحسنة بعشر أمثالها»، فمن قوله: «يترك طعامه وشرابه…» إلى آخر الحديث، هو إخبار من الرسولصلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل وهو حديث قدسي جاء ضمن حديث نبويّ، وليس في الحديث نصّ على أن هذه الفقرة من كلام الله تعالى، بل فُهِم ذلك من سياق الكلام؛ لأن قوله: «يترك طعامه وشرابه…» إلى آخر الحديث- يستحيل أن يكون من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ لأن المسلم لا يعمل، ولا يترك إلا لله تعالى، وليس لأحد سواه.
- وإن كان قد جاء في الرواية التي قبلها نصّ على أنه من كلام الله تعالى؛ حيث بدأت بقوله: ((قال الله تعالى)).