الحديث المؤنن: تعريفه، وحكمه
تعريف الحديث المؤنن: هو الحديث الذي في إسناده راوٍ أو أكثر يروي عمن فوقه بـ”أن” كأن يقول الراوي: حدثني فلان، أن فلانًا قال كذا.
حكم الحديث المؤنن:
اختلف العلماء في الحديث الذي في إسناده راوٍ يروي عمن فوقه بـ”أن”: هل حكمه حكم الحديث الذي في إسناده راوٍ يروي عمن فوقه بـ”عن” أم لا؟
وهذه مذاهبهم:
أولًا: مذهب الجمهور:
ذهب جمهور العلماء إلى أن لفظة “أن” كلفظة “عن” وكذا لفظة “قال” وكذا لفظة “ذَكر” وكذا لفظة “فَعل” و”حَدَّث” وما جانسها كلها سواء. فإذا قال الراوي: أن فلانًا قال كذا، فهذا يُحمل على السماع والاتصال، بشرط أن يكون اللقاء بين الراوي ومن روى عنه ممكنًا، وسَلِمَ الراوي من التدليس، وهذا هو الصحيح، وممن ذهب هذا المذهب الإمام مالك بن أنس، ونقله ابن عبد البر عن جمهور العلماء، وانتصر له وتابعه عليه ابن الصلاح، كما نقله النووي عن جمهور العلماء وصححه.
قال الحافظ السخاوي: ويتأيد التسوية بين “أن” و”عن” بأن لغة بني تميم إبدال العين من الهمزة.
ثانيًا: المذهب الثاني:
ذهب بعض العلماء إلى أن الإسناد الذي فيه راوٍ يروي عمن فوقه بـ”أن” لا يُحمل على الاتصال حتى يتبين الوصل بالتصريح بالسماع ونحوه لذلك الخبر بعينه في رواية أخرى، وإن كان الإسناد الذي فيه راوٍ يروي عمن فوقه بـ”عن” يحمل على الاتصال، وممن نسب إليهم ذلك: الإمام أحمد، ويعقوب بن شيبة، وأبو بكر البرديجي.
قال ابن عبد البر: قال البرديجي: “أن” محمولة على الانقطاع حتى يتبين السماع في ذلك الخبر بعينه من طريق آخر، أو يأتي ما يدل على أنه قد شهده وسمعه.
قال الإمام النووي: إذا قال الراوي: حدثني فلان، أن فلانًا قال، كقوله: حدثني الزهري، أن سعيد بن المسيب قال كذا، أو حدَّث بكذا، أو نحوه، فالجمهور على أن لفظة “أن” كـ”عن” فيحمل على الاتصال بالشرط المتقدم، أي: بشرط إمكان اللقاء بين الراوي وشيخه مع سلامة الراوي المعنعن من التدليس.
قال ابن الصلاح: اختلف في قول الراوي: أن فلانًا قال كذا وكذا، هل هو بمنزلة “عن” في الحمل على الاتصال إذا ثبت التلاقي بينهما حتى يتبين فيه الانقطاع؟ مثاله: مالك، عن الزهري، أن سعيد بن المسيب قال كذا، فروينا عن مالك رضي الله عنه أنه كان يرى “عن فلان” و”أن فلانًا” سواء، وعن أحمد بن حنبل: أنهما ليسا سواء.
ملحوظة:
قال الحافظ ابن حجر في التعقيب على ابن الصلاح في جعله “أن” و”عن” سواء: وكأن ابن الصلاح أخذ ذلك من عموم قولهم: إن حكم “عن” و”أن” و”قال” و”ذكر” واحدٌ، وهذا على تقدير تسليمه لا يستلزم التسوية بينهما من كل جهة، كيف وقد نَقل ابن الصلاح عن الخطيب أن كثيرًا من أهل الحديث لا يسوُّون بين “قال” و”عن” في الحكم. أما ما قاله ابن الصلاح من أن الإمام أحمد يُفرِّق بين “عن” و”أن” وأنهما ليسا سواء، فقول الإمام أحمد ليس بخصوص “عن” و”أن”، وأنه يفرق بينهما، وأن “عن” تفيد الاتصال، وأنَّ “أن” لا تفيد الاتصال، وإنما هو عن أمر آخر لا مدخل لـ”عن” و”أن” فيه، وهو أن رواية عروة: “أن عائشة قالت: يا رسول الله” هذه مرسَلة؛ وذلك لأن عروة لم يُسند ذلك إلى عائشة، ولا أدرك القصة، فالقصة مرسَلة، أما رواية: “عن عروة، عن عائشة” فأسند عروةُ القصة إلى عائشة، فكانت متصلة.
قال العراقي: وأما كلام أحمد، فإن الخطيب رواه في (الكفاية) بإسناده إلى أبي داود، قال: سمعت أحمد قيل له: إن رجلًا قال: “عروة، أن عائشة قالت: يا رسول الله. وعن عروة، عن عائشة سواء؟” قال: كيف هذا سواء؟! ليس هذا بسواء، فإنما فرّق أحمد بين اللفظين؛ لأن عروة في اللفظ الأول لم يُسند ذلك إلى عائشة ولا أدرك القصة فكانت مرسَلة، وأما اللفظ الثاني، فأسند ذلك إليها ذلك بالعنعنة فكانت متصلة.
ثانيًا: أنواع الحديث الضعيف المترتبة على فقدان عدالة الراوي:
سبق أن ذكرنا، أن مِن شروط الحديث المقبول: أن يكون كل راو في إسناده عدلًا في دينه، وقلنا: المراد بالعدالة عند المحدِّثين: أن يكون الراوي مسلمًا، بالغًا، عاقلًا، سالمًا من أسباب الفسق، سالمًا من خوارم المروءة، فإذا لم يتحقق هذا الشرط في كل راوٍ من رواة الإسناد صار الحديث ضعيفًا.
ويتعدد أنواع الضعيف بسبب فقدان هذا الشرط إلى الأنواع الآتية:
النوع الأول: الحديث الموضوع.
النوع الثاني: الحديث المتروك.
النوع الثالث: الحديث الضعيف بسبب ابتداع الراوي.
النوع الرابع: الحديث الضعيف بسبب جَهالة الراوي.
النوع الخامس: الحديث الضعيف بسبب إبهام الراوي.
النوع السادس: الحديث الضعيف بسبب فسق الراوي.
أولًا: الحديث الموضوع:
تعريف الموضوع لغة:
الموضوع، اسم مفعول، فعله: وضع، تقول: وضعه الله، ووضع الشيء وضعًا: اختلقه، وتواضع القوم على الشيء: اتفقوا عليه، ووضع الرجل الحديث: افتراه وكذبه، فالحديث الموضوع والأحاديث الموضوعة: المختلقة.
تعريف الموضوع اصطلاحًا:
هو الحديث المختلق المنسوب كَذِبًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بأن يكون في إسناد الحديث راوٍ ثبت عليه الكذب في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يُعرف هذا الحديث إلا من جهة هذا الراوي الكذّاب، ويكون الحديث مع ذلك مخالفًا للقواعد المعلومة من الشريعة الإسلامية.