الحديث المدرَج
تعريف المدرَج لغةً: اسم مفعول فعله: “أدرج” تقول: “أدرجت الشيء في الشيء”: إذا أدخلته فيه وضمنته إياه.
تعريف الحديث المدرَج اصطلاحًا: هو ما غير سياق إسناده أو أدخل في متنه ما ليس منه، بلا تمييز بين ما أدخل وأصل الحديث.
أقسام المدرج:
ينقسم المدرج إلى قسمين:
- مدرج الإسناد.
- مدرج المتن.
أولًا: مدرج الإسناد:
تعريف مدرج الإسناد: هو ما غير سياق إسناده.
ينقسم مدرج الإسناد إلى أربعة أقسام:
القسم الأول: أن يروي جماعة الحديث بأسانيد مختلفة؛ فيرويه عنهم راوٍ فيجمع الكل على إسناد واحد من تلك الأسانيد ولا يبين الاختلاف.
مثال ذلك: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «قلت: يا رسول الله، أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندًّا وهو خلقك. قال: قلت: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك. قال: قلت: ثم ماذا؟ قال: أن تزني بحليلة جارك».
هذا الحديث أخرجه الإمام البخاري؛ فأخرجه من طريق سفيان عن منصور -وسليمان هو الأعمش- عن أبي وائل -وهو شقيق بن سلمة- عن أبي ميسرة -وهو عمرو بن شرحبيل- عن عبد الله بن مسعود، وأخرجه من طريق سفيان عن واصل -وهو الأحدب- عن أبي وائل، عن عبد الله بن مسعود؛ فلم يذكر في هذا الإسناد أبا ميسرة عمرو بن شرحبيل بين أبي وائل وبين عبد الله بن مسعود.
قال عمرو -وهو ابن علي شيخ البخاري-: فذكرته لعبد الرحمن بن مهدي، وكان حدثنا عن سفيان عن الأعمش ومنصور وواصل الأحدب عن أبي وائل عن أبي ميسرة، قال: دعه دعه.
وأخرج الترمذي من طريق عبد الرحمن، عن سفيان، عن واصل، عن أبي وائل، عن عمرو بن شرحبيل، عن عبد الله. ومن طريق عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن منصور والأعمش، عن أبي وائل، عن عمرو بن شرحبيل، عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن طريق شعبة، عن واصل الأحدب، عن أبي وائل، عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم فأسقط عمرو بن شرحبيل بين أبي وائل وعبد الله.
قال الترمذي -عقب هذا الطريق-: حديث سفيان عن منصور والأعمش أصحُّ من حديث واصل؛ لأنه زاد في إسناده رجلًا، أي: عمرو بن شرحبيل.
قال الترمذي -عقب الطريق: شعبة عن واصل الأحدب-: وهكذا روى شعبة عن واصل عن أبي وائل عن عبد الله، ولم يذكر فيه عمرو بن شرحبيل، والحاصل أن الأعمش ومنصور روياه عن شقيق عن عمرو بن شرحبيل عن ابن مسعود، ورواه واصل الأحدب عن شقيق عن ابن مسعود؛ فأسقط عمرو بن شرحبيل من بين شقيق وابن مسعود؛ فلما رواه سفيان الثوري عن أعمش ومنصور وواصلُ أدرَجَ سندَ واصل في سند الأعمش ومنصور، ولم يبن الاختلاف حيث قال: عن الأعمش ومنصور وواصل عن أبي وائل عن أبي ميسرة.
القسم الثاني: أن يكون المتن عن راوٍ بإسناد إلا طرفًا منه؛ فإنه عنده بإسناد آخر؛ فيرويه عنه راوٍ تامًّا بالإسناد الأول ولا يذكر إسناد هذا الطرف.
القسم الثالث: أن يكون عند الراوي متنان مختلفان بإسنادين مختلفين؛ فيرويهما راوٍ عنه متقصرًا على أحد الإسنادين، أو يروي أحد الحديثين بإسناده الخاص به؛ لكن يزيد فيه من المتن الآخر ما ليس في الأول.
القسم الرابع: أن يسوق الإسنادَ فيعرض له عارض فيقول كلامًا من قِبل نفسه؛ فيظن بعض من سمعه أن ذلك الكلام هو متن ذلك الإسناد فيرويَه عنه كذلك.
مثال ذلك: أن ثابت بن موسى الزاهد دخل على شريك بن عبد الله القاضي والمستملي بين يديه، وشريك يقول: حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يذكر المتن؛ فلما نظر إلى ثابت بن موسى قال: “من كثرت صلاته بالليل حسُن وجهه بالنهار”. الحديث أخرجه ابن ماجه، واتفق أئمة الحديث: ابن علي، والدارقطني، والعقيلي، وابن حبان، وابن الحاكم، على أن هذا المتن من قول شريك لثابت، وقال ابن عدي: سرقه جماعة من ثابت كعبد الله بن شبرمة وعبد الحميد بن بحر وغيرهما، وقال ابن حجر المكي في (الفتاوى): أطبقوا على أنه موضوع مع أنه في (سنن ابن ماجه).
مدرج المتن:
تعريف مدرج المتن: هو ما أدخل في متنه ما ليس منه بلا فصل بين ما أدخل وأصل الحديث؛ بحيث يظن من لا يعرف الحديث أن لا زيادة فيه.
المواضع التي يقع فيها الإدراج في متن الحديث:
يقع الإدراج في متن الحديث في ثلاثة مواضع:
الموضع الأول: أول المتن، وهو قليل لكنه أكثر من وقوعه في وسط المتن.
الموضع الثاني: وسط المتن، وهو أقل من الإدراج في أوله.
الموضع الثالث: آخر المتن، وهو الغالب.
أولًا: الإدراج في أول المتن:
سبب الإدراج في أول المتن: أن الراوي يقول كلامًا يريد أن يستدل بالحديث عليه؛ فيأتي به بلا فصل بين كلامه والحديث؛ فيظن السامع أن كلام الراوي جزء من الحديث.
مثال ذلك: ما رواه الخطيب البغدادي من رواية أبي قطن وشبابة، فَرَوَيَا عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “أسبغوا الوضوء؛ «ويل للأعقاب من النار»” فقوله: “أسبغوا الوضوء”: مدرج في الحديث من قول أبي هريرة؛ كما بُيِّن في رواية البخاري. قال الخطيب: وَهِم أبو قطن وشبابة في روايتهما هذا الحديث عن شعبة، على ما سقناه، وقد رواه الجم الغفير عنه كرواية آدم، أي: رواية البخاري وذلك؛ لأن قوله: “أسبغوا الوضوء” من كلام أبي هريرة، وقوله: «ويل للأعقاب من النار»، من كلام النبي صلى الله عليه وسلم .
ثانيًا: الإدراج في وسط المتن:
ويكون بإدخال الراوي في أثناء المتن كلامًا من عنده تفسيرًا للفظة غريبة في المتن، أو استنباطًا لحكم من المتن قبل أن يتمه، إلا أنه لا يميز ما أدخله بفصله عن أصل الحديث؛ فيظن من لا يعلم أن ذلك الذي أدخله من أصل الحديث.
سبب الإدراج في وسط المتن: تفسير الراوي بعض الألفاظ الغريبة في متن الحديث، ويدخلها في الحديث بدون تمييز بينها وبين أصل الحديث؛ فيتوهم السامع أنها جزء من متن الحديث.
مثال ذلك: عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنهما أنها قالت: “أول ما بدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي: الرؤيا الصالحة في النوم؛ فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حُبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه، وهو التعبد، الليالي ذوات العدد، قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها؛ حتى جاءه الحق وهو في غار حراء…” الحديث.
فقوله: “وهو التعبد”: هذا مدرج في الحديث، وهو من تفسير الزهري كما جزم به الطيبي ولم يذكر دليله، نعم، في رواية المؤلف -أي: الإمام البخاري- من طريق يونس عنه في التفسير ما يدل على الإدراج؛ حيث قال: “فيتحنث فيه” قال: … -والتحنث: التعبد- “الليالي ذوات العدد قبل أن يرجع إلى أهله ويتزود لذلك…” الحديث.
قال الحافظ ابن حجر: فقوله: “قال: والتحنث: التعبد” هذا ظاهر الإدراج؛ إذ لو كان من بقية كلام عائشة لجاء فيه “قالت”، وهو يحتمل أن يكون من كلام عروة أو من دونه.
ثالثًا: الإدراج في آخر المتن:
وهو أكثر المواضع التي يقع فيها الإدراج.
سبب الإدراج في آخر المتن:
تعقيب الراوي على المتن؛ فيظن السامع أن هذا التعقيب من متن الحديث.
مثال ذلك:
عن القاسم بن مخيمرة قال: أخذ علقمة بيدي فحدثني: أن عبد الله بن مسعود أخذ بيده، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيد عبد الله؛ فعلمه التشهد في الصلاة، فذكر مثل دعاء حديث الأعمش: إذا قلت هذا أو قضيت هذا؛ فقد قضيت صلاتك، إن شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد. دعاء حديث الأعمش أخرجه أبو داود وقال: حدثنا مسدد، أخبرنا يحيي عن سليمان الأعمش، حدثني شقيق بن سلمة، عن عبد الله بن مسعود قال: كنا إذا جلسنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا: السلام على الله قبل عباده، السلام على فلان وفلان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا تقولوا: السلام على الله؛ فإن الله هو السلام، ولكن إذا جلس أحدكم، فليقل: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه، فيدعو به» -فإنكم إذا قلتم ذلك؛ أصاب كل عبد صالح في السماء والأرض أو بين السماء والأرض- فقوله: “إذا قلت هذا أو قضيت هذا…” إلى الآخر، من قول عبد الله بن مسعود لا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وأدرج في الحديث. الحديث أخرجه أبو داود في سننه.
قال البيهقي: هذا حديث رواه جماعة عن أبي خيثمة زهير بن معاوية وأدرجوا آخر الحديث، أي: قول ابن مسعود في أوله. وقد أشار يحيى بن يحيى إلى ذهاب بعض الحديث عن زهير في حفظه عن الحسن بن الحُر، ورواه أحمد بن يونس عن زهير، وزعم أن بعض الحديث انمحى من كتابه أو خرق، ورواه شبابة بن سوار عن زهير وفصل آخر الحديث من أوله، وجعله من قول عبد الله بن مسعود وكأنه أخذه عنه قبل ذهابه من حفظه أو من كتابه.
ثم روى البيهقي بإسناده قال: أخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه، أنبأنا علي بن عمر الحافظ، حدثنا إسماعيل بن محمد الصفار، حدثنا الحسن بن مكرم، حدثنا شبابة بن سوار، ثنا أبو خيثمة زهير بن معاوية، ثنا الحسن بن الحر؛ فذكر الحديث بمعنى حديث يحيى بن يحيى إلى قوله: «الصالحين» ثم قال: «أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله»… قال عبد الله: “فإذا قلت ذلك، فقد قضيت ما عليك من الصلاة؛ فإن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد”.
قال علي -وهو الدارقطني، رحمه الله-: شبابة ثقة، وقد فصل آخر الحديث وجعله من قول ابن مسعود، وهو أصح من رواية من أدرج آخره في كلام النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم.
وقد تابعه غسان بن الربيع وغيره؛ فرواه عن ابن ثوبان عن الحسن بن الحر، كذلك أَخَّرَ الحديث من كلام بن مسعود، لم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
أسباب الإدراج في متن الحديث:
اتضح مما سبق أن للإدراج في متن الحديث أسبابًا نجملها فيما يأتي:
- أن يقصد الراوي الاستدلال على ما يقول بحديث؛ فيأتي به بلا فصل بينهما؛ فيظن السامع أن كلام الراوي جزء من الحديث.
- أن يقصد الراوي تفسير الألفاظ الغريبة في متن الحديث؛ فيفسرها بدون أن يفصل بينها وبين متن الحديث بفاصل؛ فيتوهم السامع أنها جزء من متن الحديث.
- استنباط الراوي حُكمًا من الحديث؛ فيذكره قبل أن يتم الحديث؛ فيتوهم مَن يسمعه على هذه الحالة أنه جزء من الحديث.
- تعقيب الراوي على متن الحديث أو استنباط حكمٍ منه؛ فيذكره بلا فاصل فيظن السامع أن هذا التعقيب أو الاستنباط جزء من متن الحديث.
كيف يعرف الإدراج؟:
للإدراج علامات يعرف منها:
- أن يرد الجزء المدرج في الحديث منفصلًا في رواية أخرى.
- أن يصرح الراوي بأن الزيادة من كلامه لا من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم .
- أن ينص إمام ناقد من أئمة الحديث على تعيين ما وقع من الحديث من إدراج.
- أن يكون الكلام مما يستحيل على النبي صلى الله عليه وسلم أن يقوله؛ فيعرف بذلك أنه مدرج من أحد رواة الإسناد.
حكم الإدراج:
أجمع أهل الحديث والفقه على أنَّ تعمد الإدراج بجميع أنواعه حرام، قال ابن السمعاني: من تعمد الإدراج؛ فهو ساقط العدالة وممن يحرف الكلم عن مواضعه، وهو ملحق بالكذابين.
قال الحافظ السيوطي: إن ما أدرج لتفسير غريب لا يمنع؛ ولذلك فعله الزهري وغير واحد من الأئمة.
قلت: ولكن ينبغي أن يفصل بين التفسير وألفاظ الحديث بكلمة، أي: حتى لا يحدث لبس.
قال الحافظ السخاوي: وتعمد الإدراج لكل الأقسام المتعلقة بالمتن والسند حرام؛ لما يتضمن من عزو الشيء لغير قائله، وأسوؤه ما كان في الحديث المرفوع مما لا دخل له في الغريب المتسامح في خلطه أو الاستنباط.
المصنفات في المدرج في الحديث:
المصنف الأول: (الفصل للوصل المدرج في النقل)، للخطيب البغدادي.
المصنف الثاني: (تقريب المنهج بترتيب المدرج)، للحافظ ابن حجر.
قام الحافظ ابن حجر بتلخيص كتاب الخطيب السابق، ورتبه على الأبواب وزاد عليه قدره مرتين أو أكثر.