الحديث المرفوع بيان حده وتعريفه
قال ابن الصلاح: إن “المرفوع” هو” ما أضيف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصّة، ولا يقع مُطلقُه على غير ذلك، نحو “الموقوف” على الصّحابة وغيرهم.
ويدخل في “المرفوع”: المتّصل، والمُنقطع، والمُرسَل، ونحوها…
فهو و”المُرسَل” عند قوم سواء، كابن عبد البَرّ. والانقطاع والاتصال يدخلان عليهما جميعًا.
وعند قوم يفترقان في أنّ الانقطاع والاتّصال يدخلان على “المرفوع”، ولا يقع “المُسنَد” إلاّ على المتّصل المضاف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قول الحاكم وغيره.
قال الخطيب البغدادي: “المرفوع”: ما أخبر فيه الصحابيّ عن قول الرسول صلى الله عليه وسلم أو فعْلِه؛ فخصّصه بالصحابة.
وعلى هذا؛ لا يدخل فيه: ما أرسله التابعون ومَن بَعْدهم؛ فيخرج عنه مُرسَل التّابعيّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن بهادر: “وفيه قصور؛ بل يخرج عنه: ما لم يُذكَر فيه الصحابي، مُرسَلًا كان أو غيره”.
قال الحافظ ابن الصلاح: “ومَن جعَل مِن أهل الحديث “المرفوع” في مقابلة “المُرسَل” -أي: حيث يقولون مثلًا: “رفَعَه فلان”، و”أرسلَه فلان”- فقد عَنَى بـ”المرفوع”: المُتّصل”.
وقال الحافظ ابن حَجر: “الظاهر: أنّ الخطيب لم يشترط ذلك؛ فقد يكون أورده على سبيل المثال لا على سبيل التقييد، وأنّ كلامه خرَج مخرج الغالب؛ لأن غالب ما يضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم إنما يضيفه الصحابي، فلا يخرج عنه شيء.
وعلى تقدير أن يكون أراد جعْل ذلك قيدًا، فالذي يخرج عنه أعمّ من مُرسَل التابعي، بل يكون كلّ ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم لا يُسمَّى “مرفوعًا” إلاّ إذا ذُكِر فيه الصّحابي”.
والحقّ خلاف ذلك، بل الرّفع -كما قرّرناه- إنّما ينظر فيه إلى المتن دون الإسناد.
فهذه المسمّيات الثلاث: “المسنَد”، و”المتّصل”، و”المرفوع”، يُنظر فيها إلى ما يُشعر به أسماؤها:
– فـ”المرفوع”: يُنظر فيه إلى الإضافة الشريفة خاصّة، وسُمِّي بذلك لارتفاع رُتْبته بإضافته للنبي صلى الله عليه وسلم.
– و”المتّصل”: يُنظر فيه إلى الإسناد خاصّة.
– و”المُسنَد”: ينظر فيه إليهما معًا.
ومِن أمثلة “الرّفع القولي” الذي هو إسناد القول الوارد في المتن إلى النبي صلى الله عليه وسلم: قول الراوي: “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم”، أو “حدّثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم”، أو “أخبرنا” أو نحو ذلك.
ومن أمثلة “الرّفع الفعْلي” الذي هو إسناد الفعل الوارد في الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم: قول علي: ((كنّا في جنازة ببقيع الغرقد، فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقعد، وقعدنا حوله، وبيده مخصرة ينكت بها الأرض…)) الحديث.
ومن أمثلة “الّرفع الوصفيّ”: قول عليّ: ((لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطّويل الممغّط، ولا القصير المُتردِّد؛ كان رَبْعة من القوم…)) الحديث.
ومن أمثلة “الرّفع التّقريريّ” الذي هو حكاية إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لِما فُعل أمامه، كأكْل العنب مثلًا بين يديْه صلى الله عليه وسلم وإقراره صلى الله عليه وسلم ذلك.
أنواع الرّفع:
أمّا عن أنواع “الرّفع”، فهو: إمّا “صريح”، أو “حُكميّ”.
“الرّفع الصريح” هو: أن يضيف القائل الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم صراحة، قولًا كان أو فعلًا أو تقريرًا… إلخ.
و”الرّفع الحُكميّ” أنواع كثيرة، ومن ذلك: قول الصحابيّ: “أُمِرْنَا”، أو “نُهِينا”، أو “أُوجِبَ علينا”، أو “حُرِّم علينا”؛ فجميع هذا من أنواع “المرفوع”، للعلْم بأنّ فاعل ذلك كلّه هو النبي صلى الله عليه وسلم.