الحديث المعلق
تعريف المعلق لغة: اسم مفعول من علَّق الشيء، إذا جعل طرفه الأخير ملتصقًا بمرتفع، وجعل طرفه الأول غير ملتصق بشيء. وهذا يشبه تعليق المصباح في السقف؛ حيث إنه يثبت من طرفه في السقف، ويبقى طرفه الآخر ليس له أساس يرتكز عليه، أو من قولهم: علقت الشيء بالجدار إذا ثبَّت طرفه الأعلى بالجدار، وتركت الطرف الآخر بدون تثبيت، أو يُشبه الجدار المعلق الذي لا يرتكز على الأرض.
تعريف الحديث المعلق اصطلاحًا: هو الحديث الذي سقط من أول إسناده راوٍ أو أكثر سقوطًا بينًا لا خفاء فيه، ولو تتابع السقوط إلى آخر الإسناد حتى يدخل فيه قول المصنفين المتأخرين: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
شرح التعريف: الحديث لا يكون معلقًا إلا إذا كان السقوط من أول الإسناد، أما إذا كان السقوط من آخر الإسناد أو وسطه دون أوله فلا يُسمى معلقًا، فالحديث الذي سقط من آخر إسناده راوٍ يسمى بالمرسل، والذي سقط من وسط إسناده راو يسمى بالمنقطع. وإنما شرطنا في السقوط أن يكون واضحًا ظاهرًا لا خفاء فيه بحيث يعرفه كل أحد، ليخرج بذلك المرسل الخفي والمدلس، فإن الساقط فيهما خفي، لا يُدركه إلا الأئمة الجهابذة على المطلعون على طرق الحديث وعلل الأسانيد.
وسُمي الحديث الذي سقط من أول إسناده راوٍ أو أكثر بالمعلق لأن هذا النوع من الحديث ليس له أساس يرتكز عليه، فشبَّهوا تعليق الحديث بتعليق المصباح في السقف أو بتعليق الجدار بجامع قطع الاتصال في كل.
والمراد بأول راوٍ في الإسناد هو شيخ المصنف، والمصنف هو صاحب الكتاب أو مؤلف الكتاب، والمراد بآخر الإسناد هو الصحابي في الحديث المرفوع. وعلى الصحابي تطلق كلمة الراوي الأعلى للحديث.
صور الحديث المعلق:
للحديث المعلق صور تتمثل فيما يأتي:
الصورة الأولى: أن يحذف المصنف أو الراوي للحديث جميع الإسناد، ويقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الصورة الثانية: أن يحذف المصنف جميع الإسناد إلا الصحابي، كأن يقول الإمام البخاري رضي الله عنه: قال أبو هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الصورة الثالثة: أن يحذف المصنف جميع الإسناد إلا الصحابي والتابعي، كأن يقول الإمام الترمذي: قال نافع، عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كذا وكذا.
الصورة الرابعة: أن يحذف المصنف من حدَّثه، ويضيف الحديث إلى شيخ شيخه، هذا إذا كان المصنف لم يسمع من شيخ شيخه، فإن كان الراوي قد سمع شيخ شيخه، فإن لم يُعرف هذا الراوي بالتدليس؛ فالحديث يكون معلقًا أيضًا. أما إذا عرف بالنص أو الاستقراء أن هذا الراوي مدلس، فالحديث لا يكون معلقًا، بل يدخل في باب الحديث المدلس، ومما سبق يتضح ما يأتي:
أولًا: يجتمع التعليق مع الإعضال في إسناد حديث واحد، وذلك إذا سقط من أول الإسناد راويان فأكثر على التوالي، بشرط أن يكون السقوط من أول الإسناد.
ثانيًا: يجتمع التعليق مع الإرسال في إسناد حديث واحد، وذلك إذا سقط راوٍ من أول الإسناد والصحابي، أو أسقط المصنف الإسناد كاملًا كأن يقول أحد المصنفين: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا كذا، وفي هذه الحالة يكون الإسناد قد اجتمع فيه التعليق والإعضال والإرسال.
ثالثًا: ينفرد التعليق عن الإعضال والإرسال، وذلك إذا سقط من أول الإسناد راوٍ واحد فقط.
حكم الحديث المعلق: الحديث المعلق حديث ضعيف؛ لأن الساقط من الإسناد مجهول العين والحال معًا، ويشترط فيمن تُقبل روايته أن يكون: عدلًا في دينه، ضابطًا لحفظه، ومن لا تعرف عينه كيف تعرف عدالته وضبطه؟ فكما يحتمل أن يكون هذا الساقط من الإسناد ثقة يُحتمل أن يكون ضعيفًا، بل قد يكون كذابًا، فإذا قال المصنف أو الراوي جميع من أحذفهم من الإسناد ثقات، لا يقبل قوله؛ لأن هذا تعديل على الإبهام، وهو غير مقبول عند جمهور العلماء؛ لأنه يُحتمل أن يكون هذا الراوي ثقة عنده، وليس بثقة عند غيره من العلماء، فإن سمى الراوي من حذفه من الإسناد، وكان ثقة أو جاء الحديث من وجه آخر، وسُمي المحذوف من الإسناد، وكان ثقة صار الحديث صحيحًا إذا كانت صحته تتوقف على معرفة هذا الراوي وأنه ثقة.
ملحوظة: هذا هو الحكم العام على الحديث المعلق، ولكن المعلقات التي في الصحيحين للإمام البخاري ومسلم لها حكم آخر يخصّهم، فلا تدخل في باب الحديث الضعيف لأنها وردت في كتاب شرط صاحبه ألا يخرّج فيه إلا الحديث الصحيح حتى ما كان منها مرويًّا بصيغة التمريض، وهي أدنى مراتب الحديث المعلق في الصحيحين، فلا تصل إلى مرتبة الضعيف الساقط الذي لا يُحتج به؛ لأن إيرادها في كتاب موصوف بالصحة يشعر بصحة أصلها، ويدعو إلى الركون إليها، وسوف تعرف ذلك بالتفصيل إن شاء الله تعالى.