Top
Image Alt

الحديث الموقوف بيان حده وتعريفه

  /  الحديث الموقوف بيان حده وتعريفه

الحديث الموقوف بيان حده وتعريفه

. تعريف الحديث الموقوف:

قال ابن الصلاح: “هو ما يُروى عن الصحابة من أقوالهم وأفعالهم ونحوها، فيوقَف عليهم، ولا يُتجاوز به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم”.

ومراد ابن الصلاح بـ”أقوالهم” هنا أي: ما خلَتْ عن قرينة تدلّ على أنّ حُكم ذلك الرّفع، وأمّا أفعالهم المجرّدة، فهل تكون أحكامًا عند مَن يحتجّ بقول الصحابي أم لا؟ فيه نظر.

2. أقسام الموقوف:

الحديث الموقوف ينقسم إلى: “متّصل” و”منقطع” كالمرفوع.

فمِن “الموقوف” ما يتّصل الإسناد فيه إلى الصحابيّ، فيكون من “الموقوف الموصول”.

ومنه ما لا يتّصل إسناده، فيكون من “الموقوف غير الموصول”، على حسب ما عُرف مثله في المرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وما ذُكر من تخصيص الموقوف بالصحابي، فذلك إذا ذكر الموقوف مُطلقًا؛ ولكن قد يُستعمل مقيّدًا في غير الصحابي، فيقال مثلًا: “حديث كذا وكذا وقَفَه فلان على عطاء، أو على طاوس، أو نحو هذا…”.

وفي اصطلاح الفقهاء الخراسانيِّين: تسمية “الموقوف” بـ”الأثَر”، فيقولون: “الخَبَر” هو: ما يُروى عن النبي، صلى الله عليه وسلم. و”الأثَر” هو: ما يُروى عن الصحابة.

و”الأثر” مأخوذ من: أثَرْت الحديث، أي: روَيْتُه. وهو في الأصل: العلامة، والبقيّة، والرّواية.

ونقل النووي عن أهل الحديث: أنّهم يُطلقون “الأثر” على “المرفوع” و”الموقوف” معًا.

ولذلك يُسمِّي كثير من العلماء الكتاب الجامع لهذا وهذا بـ”السُّنن والآثار”، ككتابَي (السُّنن والآثار) للطحاوي، والبيهقي، وغيرهما… ممّا اشتمل على “المرفوع” و”الموقوف” معًا.

وأمّا حُكم قول الصحابة: “كنّا نفعل كذا، أو نقول كذا”، فإن لم يُضِفْه إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم فهو “موقوف”، ولكن إن أضافه إلى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فالصّحيح الذي عليه الاعتماد والعمل أنه من قبيل “المرفوع”. وبهذا قطَع الحاكم، وجماهير المحدِّثين، وأصحاب الفقه والأصول.

وقال الإمام أبو بكر الإسماعيلي: هو “موقوف”. والصواب الأوّل: أنه “مرفوع”؛ لأنّ ظاهر ذلك مُشعِر بأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم اطّلع عليه وقرّرهم، لتوفّر دواعيهم على سؤالهم عن أمور دِينهم، وتقريره صلى الله عليه وسلم هو أحَد وجوه السُّنن المرفوعة. وهي أنواع، منها: أقواله صلى الله عليه وسلم ومنها أفعاله، ومنها تقريره وسكوته عن الإنكار بعد اطّلاعه؛ فإنه صلى الله عليه وسلم لا يسكت عن مُنكَر يطّلع عليه.

قال الحافظ ابن حجر: وحاصل هذا الكلام: حكاية أمريْن:

الأمر الأول: أنه “موقوف” جزمًا.

الأمر الثاني: التفصيل بين أن يُضيفه إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم فيكون مرفوعًا، وبه صرّح الجمهور.

ويدلّ عليه احتجاج أبي سعيد الخدري, على جواز العزْل بفعْلهم له في زمن نزول الوحي؛ فقال: ((كنّا نعزل والقرآن ينزل، لو كان شيء يُنهى عنه لنَهى عنه القرآن))، وهو استدلال واضح لأن الزّمان كان زمان تشريع.

وإن لم يُضفْه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فموقوف.

وفوق هذا أيضًا مذاهب:

المذهب الأوّل: أنه “مرفوع” مُطلقًا، وهو الذي اعتمده الشيخان: البخاري ومسلم، في “صحيحيْهما”، وأكثر منه الإمام البخاري.

المذهب الثاني: التفصيل بين أن يكون ذلك الفعل ممّا لا يخفى غالبًا فيكون “مرفوعًا”، أو يخفى فيكون “موقوفًا”.

قال ابن السّمعاني: “إذا قال الصحابي: “كانوا يفعلون كذا”، وأضافه إلى عصر النبي صلى الله عليه وسلم وكان ممّا لا يَخفَى مثلُه، فيُحمل على تقرير النبي صلى الله عليه وسلم ويكون شرْعًا. وإن كان مثْلُه يَخفى، فإن تكرّر منهم، حُمل أيضًا على تقريره صلى الله عليه وسلم لأنّ الأغلب فيما يَكثر أنه لا يخفى”.

المذهب الثالث: إن أورده الصحابي في معرض الحجّة، حُمل على الرّفع، وإلا فـ”موقوف”، حكاه القرطبي.

قال الحافظ ابن حَجر: وينقدح: أن يُقال: إن كان قائل: “كنّا نفعَل” مِن أهل الاجتهاد، احتمل أن يكون “موقوفًا”، وإلاّ فهو “مرفوع”.

ولكن مع كونه “موقوفًا”، فهل هو من قبيل نقْل الإجماع، أو لا؟ فيه خلاف مذكور في الأصول. جزم بعضُهم بأنه إن كان في اللفظ ما يُشعر به، مثل: “كان الناس يفعلون كذا” فمِن قبيل نقْل الإجماع، وإلاّ فلا.

ومن قبيل “المرفوع” أيضًا: قول الصحابي: “كنا لا نرى بأسًا بكذا، ورسول اللهصلى الله عليه وسلم فينا، أو بين أظهرنا”، أو “كان يُقال كذا”، أو “كان يُفعَل كذا وكذا على عهده صلى الله عليه وسلم”، أو “كانوا يقولون كذا”، أو “كانوا يفعلون كذا وكذا في حياته صلى الله عليه وسلم”؛ فأقوال الصحابة هذه وأمثالُها يُعَدّ من “المرفوع”.

قال الحافظ بن حَجر: “ولا يختصّ جميعُ ما تقدّم بالإثبات، بل يلتحق به النّفْي أيضًا، كقولهم: “كانوا لا يفعلون كذا”، وكقول عائشة: “كانوا لا يَقْطعون اليد في الشيء التّافِه”.

وأمّا قول الحاكم والخطيب في حديث المغيرة: “كان أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرعون بابه بالأظافير”: هذا يتوهّمه مَن ليس من أهل الصّنعة “مُسندًا” أي: “مرفوعًا لذِكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه”.

قال الحاكم: “وليس بـ”مُسنَد”؛ فإنه “موقوف” على صحابيّ حكى عن أقرانه من الصحابة فعْلًا، ولم يُسندْه واحد منهم”.

قال الحافظ ابن الصلاح: “ليس كما قالاَ -أي: الحاكم والخطيب- بل هو “مرفوع”، وهو بالرّفع أولى، لكوْن هذا الأمر أحرى باطّلاعه صلى الله عليه وسلم عليه”.

ومُراد الحاكم أنه ليس بمرفوع لفْظًا، من حيث إنه قول صحابي؛ فهو بذلك “موقوف”، وإن كان “مرفوعًا” من حيث المعنى.

ومن “المرفوع” أيضًا، اتفاقًا بين العلماء: الأحاديث التي فيها ذكْر صِفة النبيصلى الله عليه وسلم ونحو ذلك.

وأمّا عن حُكم قول الصحابة: “أُمِرْنا بكذا”، أو “نُهينا عن كذا”، أو “مِن المُسنَد كذا”، أو “مِن السُّنّة كذا”، وما أشبه ذلك، سواء أقالَه في حياته صلى الله عليه وسلم أو بَعْده صلى الله عليه وسلم فهذا كلّه “مرفوع” عند أهل الحديث، وهو قول أكثر أهل العلم.

وخالف في هذا فريق، منهم: أبو بكر الإسماعيلي.

ولكن الأوّل هو الصحيح؛ لأنّ مُطلق ذلك ينصرف بظاهره إلى مَن إليه الأمْر والنهي صلى الله عليه وسلم وأنّ قائل هذا لا يُريد بالسُّنّة إلاّ سُنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يجب اتّباعه.

ومثال ذلك: قول أمّ عطيّة: ((أُمِرْنا أن نُخرج في العيديْن العواتقَ وذواتِ الخدور))، وقولها أيضًا: ((نُهينا عن اتّباع الجنائز))، وكلاهما في “الصحيح”.

ومثاله أيضًا: قول أنس: ((أُمِر بلالٌ بأن يَشْفع الأذان ويُوتِر الإقامة)).

ومثاله أيضًا: قول جابر بن عبد الله: ((كنّا نَعزل على عهد رسول اللهصلى الله عليه وسلم)) أخرجه الشيخان، وقوله أيضًا: ((كنّا نأكل لُحوم الخيْل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم)) رواه النسائي وابن ماجه.

ومِن أمثلته أيضًا: قول عليّ: “مِن السُّنَّة: وضْع الكفّ على الكفّ في الصلاة تحت السُّرّة” رواه أبو داود.

وقال آخرون: إن كان ذلك الفعل ممّا لا يخفى غالبًا، كان “مرفوعًا”، وإلاّ كان “موقوفًا”. فإن كان في القصة تصريح باطّلاعه صلى الله عليه وسلم فـ”مرفوع” إجماعًا، كقول ابن عمر: ((كنّا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم حيّ: أفضل هذه الأمّة بعْد نبيِّها: أبو بكر، وعمر، وعثمان، ويسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يُنكِره)).

رواه الطبراني في (الكبير)، والحديث في “الصحيح” بدون التصريح المذكور.

ومن “المرفوع” أيضًا: الأحاديث التي قِيل في أسانيدها عند ذكْر الصحابي: “يرفع الحديث”، أو “يُبلِّغ به”، أو “يَنْمِيه”، أو “رواية”.

ومثال ذلك: حديث الأعرج عن أبي هريرة يُبلغ به: ((النّاسُ تَبَعٌ لِقرَيْش))، وحديثه أيضًا عن أبي هريرة رواية: ((تُقاتِلون قومًا صغارَ الأعْيُن)).

فكلّ هذا وأمثاله: كناية عن رفْع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحُكم ذلك عند أهل العلْم: حُكم “المرفوع” صريحًا.

وإذا قال الراوي عن التابعي: “يرفَع الحديث”، أو “يُبلِّغ به”، فذلك أيضًا “مرفوع”، ولكنه “مرفوع مُرسَل”.

والحِكمة في عدول التابعي عن قول الصحابي,: “سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم” أو نحوها، إلى قوله: “يرْفَعه”، أو “يَنْمِيه”، أو ما شابههما، قال الحافظ المنذري: “يُشْبه أن يكون التابعي -مع تحقّقه بأنّ الصحابي رفَع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشبه أن يكون شَكَّ في الصيغة بِعيْنها؛ فلمّا لم يُمكِنْه الجزْمُ بما قاله له، أتى بِلفظٍ يدلّ على رفْع الحديث”.

قال الحافظ ابن حجر: “وإنما ذُكِر الصحابي  كالمثال، وإلاّ فهو جار في حقّ مَن بَعْده، ولا فَرْق”.

ويحتمل أن يكون مَن صَنَع ذلك، صنَعَه طلبًا للتّخفيف وإيثارًا للاختصار. ويحتمل أيضًا أن يكون شكّ في ثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فلم يَجْزم بلفظ: “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا”، بل كنّى عنه تحرزًا.

وأمّا “الموقوف” على الصحابة، فقلّما يَخفَى على أهل العلْم؛ وهو: أن يُروى الحديث إلى الصحابي من غير إرسال ولا إعضال، فإذا بلغ الراوي إلى الصحابي قال: “إنّ الصحابي كان يقول كذا وكذا، وكان يفعل كذا وكذا، وكان يأمر بكذا وكذا”.

ومثال “الموقوف”: ما رُوي عن أبي هريرة, في قول الله عز وجل: {لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَر} [المدَّثر: 29]، قال أبو هريرة: “تلقاهم جهنّم يوم القيامة فتلفحهم لفحة، فلا تترك لحمًا على عظم إلاّ وضعت على العراقيب”.

فأشباه هذا من “الموقوفات” تُعدّ في تفسير الصحابة.

فأمّا “المُسنَد المرفوع” من تفسير الصحابة، فإنما هو في غير هذا النوع؛ فإنه كما روي عن جابر , أنه قال: ((كانت اليهود تقول: “من أتى امرأتَه من دُبُرها في قُبُلها جاء الولد أحول”، فأنزل الله عز وجل: {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِين} [البقرة: 223])).

قال الحاكم: هذا الحديث وأشباهه مُسندَة عن آخِرها، أي: “مرفوعة” وليست بـ”موقوفة”؛ فإنّ الصحابي الذي شهِد الوحي والتنزيل فأخبر عن آية من القرآن الكريم أنها نزلت في كذا وكذا، فإنه حديث “مرفوع”.

وأمّا سائر تفاسير الصحابة التي لا تشتمل على إضافة شيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمعدودة في “الموقوفات”.

قال الحافظ ابن حجر: “والحق أنّ ضابط ما يفسّره الصحابي: إن كان ممّا لا مجال للاجتهاد فيه، ولا منقولًا عن لسان العرب، فحُكمه الرّفع، وإلاّ فلا.

وذلك كالإخبار عن الأمور الماضية مِن بدْء الخَلْق، وقصص الأنبياء، والملاحم، والفتن، والبعث، وصفة الجنة والنار، والإخبار عن عمل يحصل به ثواب مخصوص أو عقاب مخصوص؛ فهذه الأشياء لا مجال للاجتهاد فيها فيحكم لها بالرّفع.

ومن ذلك: ما رواه أبو صالح السمان، عن أبي هريرة, أنه قال: ((نساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ، مائلاتٌ مُميلاتٌ، لا يَجِدْن عَرْف الجَنّة…)) الحديث. فمِثْل ذلك لا يُقال بالرأي، بل بتوقيف؛ فيكون من جُملة “المرفوع”.

وأمّا إذا فسّر الصحابي آيةً تتعلّق بحُكم شرعي، فيحتمل أن يكون ذلك مُستفادًا عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن القواعد، فحينئذ لا يُجزم برفْعه.

وكذا أيضًا إذا فسّر الصحابي مُفردًا، فهذا نقل عن اللسان خاصّة، فلا يُجزم برفْعه أيضًا، إلاّ أنه يُستثنَى من ذلك: ما إذا كان المفسِّر من الصحابة ممّن عُرف بالنّظر في الإسرائيليات، كمسألة أهل الكتاب، مثل: عبد الله بن سلام وغيره، وكذا عبد الله بن عمرو بن العاص، فقد حصّل كتبًا كثيرة من كُتب أهل الكتاب في وقْعة اليرموك، فكان يُخبر بما فيها من الأمور الغيبيّة، حتى كان بعض أصحابه ربما قال له: “حدِّثْنا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا تُحدِّثْنا عن الصحيفة”؛ فمِثْل هذا ممّا يخبر به على هذا النحو لا يكون له حُكم الرّفع، لقوّة الاحتمال.

قال العلامة الأبناسي: “ذكر ابن الصلاح فيما يتعلّق بالصحابي أربع مسائل:

المسألة الأولى: “كنا نفعل كذا”، أو “كانوا يفعلون كذا”.

المسألة الثانية: “أُمِرْنا بكذا”، ونحوه…

المسألة الثالثة: “مِن السُّنّة كذا”.

المسألة الرابعة: “يرفَعه” و”يُبلَّغ به”، ونحوهما…

ولكن ابن الصلاح لم يذكر حُكم التابعي إذا قال ذلك إلاّ في الرابعة؛ فقول التابعي: “كنّا نفعل” ليس بمرفوع قطعًا، ثم إنه إن لم يُضفْه إلى زمن الصحابة فليس أيضًا بموقوف، بل هو “مقطوع”.

وإن أضافه إلى زمَنهم، فيحتمل أن يقال: إنه “موقوف”؛ لأن الظاهر اطّلاعهم على ذلك وتقريرهم”.

ويحتمل أيضًا أن يقال: ليس بموقوف، لأنّ تقرير الصحابي قد لا يُنسب إليه، بخلاف تقرير النبي صلى الله عليه وسلم فإنّه أحَد وجوه السُّنن.

فأمّا إذا قال التابعي: “كانوا يفعلون كذا”، فقد قال النووي في (شرح مسلم): “إنه لا يدل على فعْل جميع الأمّة، بل على البعض؛ فلا حجّة فيه إلاّ أن يُصرِّح بنقْله عن أهل الإجماع. وفي ثبوت الإجماع بخبر الواحد خلاف.

وإذا قال التابعي: “أُمِرْنا بكذا”، أو “نُهينا عن كذا”، فقد جزم ابن الصّبّاغ بأنه “مرسل”. وحكى وجْهيْن فيما إذا قاله سعيد بن المسيّب، هل هو حجّة أم لا؟

وفي (المستصفى) احتمالان، من غير ترجيح هل هو “موقوف” أو “مرفوع مرسَل”؟

وإذا قال التابعي: “من السُّنّة كذا” كقول عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: “السُّنّة: تكبير الإمام يومَ الفِطر ويوم الأضحى حين يجلس على المنبر قبل الخطبة تِسْع تكبيرات” رواه البيهقي في (سُننه)، هل هو “مرسَل مرفوع” أو “موقوف مُتّصل”؟ فيه وجهان حكاهما في (شرح مسلم)، و(المهذّب)، و(الوسيط)، أصحّهما: أنه “موقوف”.

وحكى الداودي في (شرح مختصر المزيني) قولًا قديمًا: أنّ ذلك يُعَدّ “مرفوعًا” ثم رجع عنه، لأنهم قد يُطلقونه ويريدون به سُنّة البلد.

وأمّا عن حُكم “الموقوف”، فقد قال ابن جماعة: “الموقوف” وإنِ اتّصل سنَده، فليس بحجّة عند الشافعي, وطائفة من العلماء، وهو حجّة عند آخَرين.

وأمّا مَن أفرد الموقوف بالتصنيف، فقد اهتم الصحابة والتابعون ومَن بَعدَهم بنقْل أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وصفاته، وكذا ما قيل أو فُعل بحضرته صلى الله عليه وسلم فأقرّه، فتابعوا ذلك، وردّدوه، وروَوْه، وتناقلوه جيلًا بَعْد جِيل، وطبَقة بَعْد طبَقة، حتى استقرت هذه الروايات في بطون الكتب، وأطلق عليها علماء الاصطلاح: “الأحاديث المرفوعة”. كما حُفظ لنا أيضًا كثير من أخبار الصحابة  من أقوالهم وأفعالهم وتقريراتهم، وصفاتهم الخِلْقية والخُلُقية، وهي ما أطلق عليها: “الأحاديث الموقوفة”.

وإن كان في حفظ الأحاديث “المرفوعة” من السُّنّة المطهّرة تفسير للقرآن الكريم وبيان لأحكام الإسلام وهدْيه، فأيضًا في حفْظ أخبار الصحابة “الموقوفة”، وهم النموذج العملي لهذا الدِّين الحنيف وهدْيه، والجيل القرآني الفريد الذي أنشأه الإسلام بنوره وهداه، لكان لهذا أكبر الفائدة.

ففي الأحاديث “الموقوفة” أقوال وأفعال أتى بها الصّحب الكرام، لا يمكن أن يكونوا أتَوْا بها مِن قِبَل أنفسهم، بل لا بدّ وأنهم قد استندوا فيها إلى هدْي المصطفى صلى الله عليه وسلم فحمَلها الفقهاء محلّ الأحاديث “المرفوعة”، واحتجّوا بها، كاحتجاجهم بالمرفوع، كأن يُخبر أحَد الصّحب الكرام ممّن لم يعرف عنه مجالسة أهل الكتاب والأخذ عنهم، كأن يخبر عن أمور غيبيّة لا يعلمها المرء إلاّ بوحي، كوصْف القبر وأحواله، أو وصْف البعث وأهواله، أو وصْف النار وعذابها، أو وصْف الجنة ونعيمها، أو أن يفعل الصحابي فعْلًا لا يفعله المرء من قِبَل نفسه أو اجتهاده، إلاّ أن يكون مستندًا إلى وحي، كأن يصلِّي بهيئة معيّنة، أو ما شابه ذلك ممّا يُنزله الفقهاء منزلة “المرفوع” من الأخبار النبوية الشريفة. كما أنّ في كثير من “الموقوفات” على الصحابة بيانًا لمذاهبهم المتعدِّدة في كثير من المسائل الفقهية، ممّا تلقّوْه عن خير الأنام صلى الله عليه وسلم.

error: النص محمي !!