Top
Image Alt

الحديث عما قدمه ابن سعد عن مرحلة المدينة المنورة، والإشارة إلى مصادر للسيرة النبوية

  /  الحديث عما قدمه ابن سعد عن مرحلة المدينة المنورة، والإشارة إلى مصادر للسيرة النبوية

الحديث عما قدمه ابن سعد عن مرحلة المدينة المنورة، والإشارة إلى مصادر للسيرة النبوية

بسم الله الرحمن  الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف النبيين وإمام المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن استنّ سنته وتبع هديه إلى يوم يبعث الناس لربّ العالمين.

أ. ما قدمه ابن سعد عن مرحلة المدينة المنورة:

تحدث ابن سعد عن مرحلة الجهاد في المدينة المنورة، وتحدث عن غزوات النبي صلى الله عليه  وسلم وعن سراياه ضد المشركين وضد اليهود، ثم عرض حِجَّةَ الوداع، وأخيرًا تحدث عن مرضه، وعن تمريضه، وعن موته، ودفنه ورثائه صلى الله عليه  وسلم، ويتبع ذلك كله بذكر ما كان يُفتى في المدينة ويقتضى به في عهد النبي صلى الله عليه  وسلم، وبعد ذلك يذكر ما يتعلق بجمع القرآن الكريم، ثم يذكر المفتين في المدينة المنورة بعد أصحاب النبي صلى الله عليه  وسلم من أبناء المهاجرين والأنصار وغيرهم، ومن ذلك كله نعرف أن ابن سعد أول من جمع علامات النبوة، واعتبر ذلك أساسًا سارت عليه الكتب المتأخرة التي عالجت موضوع دلائل النبوة، ويعتبر الفصل الذي كتبه عن صفة أخلاق النبي صلى الله عليه  وسلم سببًا في كتب الشمائل التي أُلِّفت بعد ذلك.

أما تراجم الصحابة والتابعين، فقد جعلها ابن سعد طبقات، بادئًا بالطبقة الكبرى، مراعيًا سبق الصحابي إلى الإسلام، ونصرته له، والجهاد من أجله؛ لذلك كان البدريون هم الطبقة الأولى عنده، ثم الطبقة الثانية وهم المهاجرون والأنصار الذين لم يشهدوا بدرًا، ثم الصحابة الذين أسلموا قبل فتح مكة، وهو بذلك راعى العنصر الزمني، فقد بدأ الطبقة الأولى برسول اللهصلى الله عليه  وسلم ثم الأقرب إليه من حيث النسب، أما الطبقة الثانية: فهم الذين أسلموا قديمًا ولم يشهدوا بدرًا، وكان عامتهم قد هاجر إلى الحبشة، ثم من شهد أحدًا وما بعدها. والطبقة الثالثة: من شهد غزوة الخندق وما بعدها. والطبقة الرابعة: من أسلم عند فتح مكة وما بعد ذلك. أما الطبقة الخامسة: فخاصة بمن قبض رسول الله صلى الله عليه  وسلم وهم حديثو السن، ولم يغزُ أحد منهم معه صلى الله عليه  وسلم.

ثم تناول ابن سعد طبقات التابعين ومن تلاهم، لكنه هنا راعى العامل الجغرافي، فترجم أولًا للصحابة والتابعين على أساس المدن التي نزلوها، فبدأ بالمدينة المنورة، وقسّم مَن ترجم لهم إلى طبقات، ثم مَن نزل بمكة منهم وقسمهم أيضًا إلى طبقات، ثم من كان في الطائف، ثم اليمن، ثم اليمامة، والبحرين، والكوفة، والبصرة، وواسط، والمدائن، وبغداد وخراسان، والشام، والجزيرة، ومصر، وأيلة، وإفريقية، والأندلس، وفي كل الأمصار ماعدا المدينة المنورة.

يستهل ابن سعد حديثه بمن نزل هذا المصر من الأمصار الأخرى، ثم يثني بأهل العلم الذين أخذوا عن الصحابة، ثم يذكر الطبقة التي تلي هؤلاء، ويستمر على هذا النهج حتى عصره. وفي قسم النساء يبدأ بأم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله  عنها، ثم يثني ببنات الرسول صلى الله عليه  وسلم، ثم يذكر عماته وبنات عمومته وأزواجه، ثم النساء المسلمات المُبايعات من قريش وحلفائهم ومواليهم، ثم غرائب نساء العرب المسلمات المهاجرات المبايعات، ثم نساء الأنصار، ثم من لم ترو عن رسول الله صلى الله عليه  وسلم من النساء وروين عن أزواجهن وغيرهن.

وللتراجم عند ابن سعد مستويات، فكان يتحدّث باستفاضة عند ترجمته لكبار الصحابة وكبار التابعين من المتقدمين، ويوجز كلما ابتعدنا عن الطبقة الأولى وتأخر الدخول في الإسلام.

ويحرص ابن سعد على ذكر الصفات التي تتسق مع الشخصية المترجم لها، فيبدأ بتحقيق نسبها من حيث الأب والأم، ثم يتحدث عن الأولاد وعن أمهاتهم وعن نسب هؤلاء، ويبين هل بقيت ذرية الصحابي المترجم له في المدينة المنورة أم رحلت عنها، كما يبين وقت دخوله إلى الإسلام، وترتيبه بين الداخلين، وهل اشترك الصحابي في الهجرة الأولى أو الثانية إلى الحبشة، وأخيرًا يصف كيف توفي الصحابي وزمن هذه الوفاة، وما يتعلق بالجثمان والصلاة عليه ودفنه، ويحرص على وصف المظهر الخارجي للصحابي من حيث الثياب والخاتم والعمامة، ولا ينسى الحديث عن وصية الصحابي والإشهاد عليها، ولا يقل القسم الخاص بالنساء عن غيره من حيث بيان ما قامت به المُتَرْجَم لها من مجهودات، كل ذلك يؤكّد لنا أنهنّ كنّ مصدرًا خصبًا وشاهدات على الحديث النبوي الشريف.

ويلاحظ العلماء على هذا الكتاب الهام لابن سعد عدّة ملاحظات:

الأولى: أن شخصيته تكاد تتوارى، أو هي بالفعل تتوارى إزاء كثرة الروايات التي يذكرها، فلا ترى له تعليقًا إلا فيما ندر، وإذا ما وجد فإنه يعبّر عن مقدرة نقدية ممتازة لدى ابن سعد.

الثانية: ظهور بعض الإسرائيليات في الطبقات أخذًا مما أشاعه اليهود الذين أسلموا في الصدر الأول من أمثال: وهب بن منبه، وكعب الأحبار، وغير هؤلاء.

الثالثة: التزام ابن سعد بالطريقة الحولية، واعتماده عنصري الزمان والمكان، وكان ذلك سببًا في تمزيق الحوادث، وتفتيت الموضوعات؛ فلم تجمعها وحدة واحدة.

الرابعة: قطع الروايات قبل أن تكتمل، وجمع أسانيد متعددة لمتن واحد، وقد تقتصر الترجمة على سطر أو على عدة أسطر إذا كان المترجم له قريبًا من عصر المؤلف.

الخامسة: أنه لا يذكر المصادر التي نقل عنها، واعتمد على ذكره للسند الذي يصل بالخبر إلى قائله وبالوقائع إلى مؤلفي الكتب.

السادسة: أتى في مصادر رواته ببعض من يضعفهم علماء الجرح والتعديل، مثل: هشام بن السائب، وأبي معشر، وغير هؤلاء، وبالرغم من هذا فإن للكتاب قيمة علمية لا ينكرها منصف.

ب. مصادر للسيرة النبوية ( سيرة ابن هشام):

وممن يُؤخذ بروايتهم لأحداث السيرة النبوية المباركة ابن هشام صاحب الفضل الأول في الاحتفاظ لنا بـ(سيرة ابن إسحاق)، برواية أستاذه البكائي.

من الثقات الذين كتبوا في السيرة النبوية:

الحافظ ابن حجر، والحافظ ابن عساكر، والحافظ النسوي، والحافظ الذهبي، ومحمد يوسف الصالحي الشامي صاحب (سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد)، وقد نشر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالقاهرة منها أكثر من أحد عشر مجلدًا كبيرًا، وقد جمعها صاحبها من نحو ثلاثمائة كتاب، وجاءت في نحو سبعمائة باب.

error: النص محمي !!