Top
Image Alt

الحكم الشرعي، وقرار مجمع الفقه الإسلامي في الموضوع

  /  الحكم الشرعي، وقرار مجمع الفقه الإسلامي في الموضوع

الحكم الشرعي، وقرار مجمع الفقه الإسلامي في الموضوع

تبين لنا مما سبق أن منع النسل أو تحديده مصادم للفطرة، ومخالف لسنن الله تعالى الذي رغب في الزواج، ودعا إلى التناسل وعمارة الأرض وعبادته، حيث قال الله تعالى: { وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21]، وقال تعالى أيضًا: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].

أيضا استخدام وسائل منع الحمل معاكس لمقاصد الشريعة التي تدعو للمحافظة على النسل، وبيّنت أن ذلك من الضروريات الخمس أو الكليات الخمس؛ حيث يقول الله تبارك وتعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف: 46]، ويقول: { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ} [آل عمران: 14]، ويقول: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً} [النحل: 27]، وبيّن لنا أن التناسل هبة منه -تبارك وتعالى- كيف نرفضها ولا نقبلها؟! يقول الله تعالى: { لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} [الشورى: 50، 51]، فالإنجاب بيد الله والعقم أيضا بيده.

أيضا حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ((تناكحوا، تناسلوا، تكاثروا؛ فإني مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة))، وقوله -عليه الصلاة والسلام: ((الزواج من سنتي، فمن رغب عن سنتي فليس مني)).

إذًا: فكل المؤشرات الشرعية تدعو إلى الزواج وإلى التناسل وإلى التكاثر، ومن هذا نعلم أن منع النسل أو تحديده مصادم للفطرة ومخالف لسنن الله تعالى وأوامره، وأوامر النبي صلى الله عليه وسلم فمنع الحمل أو تحديده لغير ضرورة شرعية، والضرورة كأن يكون فيه خطورة على صحة المرأة وحياتها؛ فالمنع بدون هذا السبب وحده حرام، أما عند الضرورة وعند وجود هذا السبب فيكون جائزًا بحكم الضرورة.

وقد جاء تفصيل ذلك في كتاب (فقه النوازل)، الذي أعدته لجنة إعداد المناهج بالجامعة الأمريكية، وجاء فيه:

تبين مما تقدم أن ما ذكره الدعاة إلى تحديد النسل أو منع الحمل، من البواعث التي اعتمدوا عليها في ترويج ذلك والدعاية له -لا تصلح مبررًا له -أي للمنع أو التحديد- بل هي غير صحيحة؛ لمناقضتها للواقع ومنافاتها مقتضى الفطرة السليمة والإسلام.

وتبين أيضًا أن لتحديد النسل أو منع الحمل بأي وسيلة من الوسائل مضار كثيرة، دينية واقتصادية وسياسية واجتماعية ونفسية وجسمية؛ وعلى هذا يكون تحديد النسل محرمًا مطلقًا، ويكون منع الحمل محرمًا كذلك إلا في حالات فردية نادرة لا عموم لها، كما في الحالة التي تدعو الحامل إلى ولادة غير عادية، ويضطر معها الطبيب إلى إخراج الولد بعملية جراحية؛ هذه حالة. وفي حالة ما إذا كان على المرأة خطر من الحمل؛ بسبب مرض أو نحوه من الضعف العام، فيستثنى مثل هذا منعًا للضرر وإبقاءً على النفس؛ فإن الشريعة الإسلامية جاءت لجلب المصالح ودرء المفاسد، وتقديم أقوى المصلحتين، وارتكاب أخف الضررين عند التعارض، وتلك من مقاصد الشريعة الأساسية وكلياتها الخمس المعروفة.

ويؤكد ذلك قرار مجلس الفقه الإسلامي بدورة مؤتمره الخامس بالكويت، من 1 إلى 6 جمادى الأولى سنة 1409 من الهجرة، الموافق من العاشر إلى الخامس عشر من ديسمبر سنة ألف وتسعمائة وثمانٍ وثمانين؛ واتخذ مجمع الفقه الإسلام هذا القرار، وجاء فيه ما يلي:

بعد الاطلاع على البحوث المقدمة من الأعضاء والخبراء في موضوع تنظيم النسل، واستماع الأعضاء للمناقشات التي دارت حوله؛ فالمجمع طالب بإعداد بحوث علمية شرعية لبيان الحكم الشرعي في موضوع تحديد النسل أو منعه أو تنظيمه، وقام مجمع الفقه الإسلامي في تلك الدورة بالاطلاع على هذه البحوث والاستماع إليها ومناقشتها، كذلك بناء على أن من مقاصد الزواج في الشريعة الإسلامية الإنجاب؛ فأهداف الزواج ثلاثة عامة: الهدف الأول: إشباع الغريزة، الهدف الثاني: الإنجاب والتناسل، الهدف الثالث: تحقيق الحياة الآمنة المطمئنة. هذه الأهداف لا يجوز إهدارها ولا إهدار أحدها.

إذًا: بناء على أن من مقاصد الزواج في الشريعة الإسلامية: الإنجاب، والمحافظة على النوع الإنساني -فإنه لا يجوز إهدار هذا المقصد؛ لأن إهداره يتنافى مع نصوص الشريعة وتوجيهاتها الداعية إلى تكثير النسل والحفاظ عليه، والعناية به باعتبار حفظ النسل أحد الكليات الخمس التي جاءت الشريعة برعايتها.

وبناء على هذه المقدمات قرر مجمع الفقه الإسلامي ما يلي:

أولًا: لا يجوز إصدار قانون عام يحد من حرية الزوجين في الإنجاب؛ أي: لا يجوز لأي دولة إسلامية أو عربية أن تصدر قانونًا عامًّا يقول أو يمنع التناسل أو يحد من حرية الزوجين في الإنجاب، سواء مطلقًا أو لعدد -من الأعداد.

ثانيًا: يحرم استئصال القدرة على الإنجاب؛ أي: لا يجوز لرجل أن يذهب إلى جراحة لقطع الخصيتين؛ حتى لا يقدر على الإنجاب، ولا يجوز للمرأة أيضًا أن تستأصل المبيضين؛ لأن هذا يعني التعقيم، فيحرم استئصال القدرة على الإنجاب في الرجل أو المرأة، وهو ما يعرف بالإعقام أو التعقيم، ما لم تدعُ إلى ذلك الضرورة بمعاييرها الشرعية -والضرورة تقدر بقدرها كما هو معلوم- إذا كان في الحمل خطورة على حياة الأم، وهي الحالة الوحيدة التي يجوز فيها الإجهاض أو يجوز فيها منع الحمل.ثالثًا: يجوز التحكم المؤقت في الإنجاب؛ أي: التنظيم الذي أشرنا إليه، أو تحقيق التباعد بين الحمل والولادة على فترات؛ ثلاث سنوات، أربع سنوات، فيجوز التحكم المؤقت في الإنجاب بقصد المباعدة بين فترات الحمل أو إيقافه لمدة معينة من الزمن؛ إذا دعت إليه حاجة معتبرة شرعًا بحسب تقدير الزوجين، من تشاور بينهما وتراضٍ على ذلك، بشرط ألا يترتب على ذلك ضرر؛ لأن القاعدة الشرعية تقول: “لا ضرر ولا ضرار”، وأن تكون الوسيلة التي يتحقق بها ذلك مشروعة، وألا يكون فيها عدوان على حمل قائم -والله أعلم.

error: النص محمي !!