الحكم الشرعي لزرع الأعضاء أو نقلها من الحيوان إلى الإنسان
ليس هناك مانعٌ شرعًا من زرع ونقل أي عضو من حيوانٍ طاهر إلى الإنسان؛ لأن جميع الكائنات مسخرةٌ للإنسان المستخلف لعمارة الأرض، فما دام الحيوان طاهرًا كالأنعام -أي: الإبل والبقر والغنم- فليس هناك ما يمنع شرعًا من استخدام أعضائها لما في ذلك صيانة الإنسان المكرم من الهلاك، أو العجز عن المنفعة بحياته، وقد أكد الله عز وجل في قوله عز من قائل: {مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا} وهذا هو الشاهد: {فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32].
وبما أن الله عز وجل أباحها -أي: الأنعام- طعامًا للإنسان ليحفظ حياته ونفسه، فكذلك تباح هذه الأنعام وأعضاؤها لما هو أعظم وأهم للحياة نفسها، وهو جزء الإنسان، ومنافع هذا الجزء هذا عن الحيوان الطاهر كالأنعام لا مانع شرعًا من زرع أعضائه، أو نقلها إلى أماكن في الإنسان حتى نحافظ على حياة ذلك الإنسان، أو ننتفع بأعضائه انتفاعًا كاملًا، أو قريبًا من الكمال؛ لأن ذلك الإنسان مستخلف لعمارة الأرض، وجميع الكائنات مسخرة لخدمته والحفاظ عليه.
أما الحيوان النجس؛ كالكلب، والخنزير، والسباع الحيوانات المتوحشة؛ فلا تباح أعضاؤها إلا للضرورة، والضرورة حين لا يوجد البديل الطاهر، حيث يقال: إن قلب الخنزير أو كبده أو رئته أقرب الأعضاء إلى التماثل مع أعضاء الإنسان؛ فهنا يجوز ذلك؛ إعمالًا لقاعدة الضرورات تبيح المحظورات، وهي متفرعة عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الضرر يزال)) الضرر الأكبر يزال بضرر أصغر، وأي ضرورة أهم من حياة الإنسان وفوائد أعضائه؟
وقد جاء هذا الحكم في البيان الختامي والتوصيات للندوة الفقهية الطبية الخامسة المنعقدة بالتعاون بين مجمع الفقه الإسلامي، والمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية في الفترة من 23 إلى 26 من ربيع الأول سنة 1410 الموافق 23 إلى 26 من أكتوبر سنة 1989 بالكويت، كانت هذه الندوة عن زرع خلايا المخ، والجهاز العصبي، وقد علمنا منذ قليل أن الخلايا والأنسجة العصبية هي من الأعضاء كما قال الشيخ عبد الله بن بية: جاء في البيان الختامي ما نصه هناك طرق للحصول على هذه الخلايا:
الطريقة الأولى: أخذها من جنين حيواني، وقد نجحت هذه الطريقة بين فصائل مختلفة من الحيوان، ومن المأمول نجاحها باتخاذ الاحتياطات الطبية اللازمة لتفادي الرفض المناعي، أي: أن الجسم يقوم برفضها ويرفض زراعتها والإفادة منها، وترى الندوة أنه لا مانع شرعًا من هذه الطريقة، أي: أخذ الأعضاء، أو الخلايا، أو الأنسجة من جنين حيواني إن أمكن نجاحها.
الطريقة الثانية: أخذها -أي: الخلايا والأنسجة- مباشرة من الجنين الإنساني في بطن أمه، ويتم ذلك بفتح الرحم جراحيًّا، وتستتبع هذه الطريقة إماتة الجنين بمجرد أخذ الخلايا من مخه، وترى الندوة أن ذلك حرام شرعًا؛ أي: يحرم أخذ الخلايا من الجنين الحي في رحم أمه بعملية جراحية؛ لأن أخذ هذه الخلايا من مخه يجعله ميتًا ويعرضه للموت وليست حياة الإنسان الآخر أولى من حياة ذلك الجنين؛ لذلك رأت الندوة أن ذلك محرم شرعًا؛ لما فيه من قتل نفس محرمة. وقد قال الله تعالى {وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ} [الأنعام: 151] أما أخذ هذه الخلايا بعد إجهاض تلقائي، وليس متعمدًا لهذا الجنين أو إجهاض مشروع لإنقاذ حياة الأم، فلا مانع من أخذ هذه الخلايا؛ خلايا المخ والجهاز العصبي من هذا الجنين الذي أجهض تلقائيًّا، أو أجهض لإنقاذ حياة الأم، فكلا هذين النوعين مشروع، وأخذ الخلايا منه؛ لأنه ميت مشروع، ولكن بشروط ستأتي فيما بعد.