Top
Image Alt

الحكم على متن الحديث

  /  الحكم على متن الحديث

الحكم على متن الحديث

الحكم على متن الحديث إنما هو بأعلى الأسانيد:

إذا روي حديث من طريقين أو بإسنادين: أحدهما صحيح والآخر ضعيف، فالحكم على المتن يكون بالصحة؛ لأن المتن لو لم يأت إلا بإسناد واحد صحيح لكفى ذلك في صحته.

كيف وقد جاء بإسنادين أحدهما صحيح والآخر ضعيف، بل إن الحديث المروي بإسنادين أحدهما صحيح والآخر ضعيف، يكون أقوى من حديث ليس له إلا إسناد واحد صحيح؛ لأن كثرة الطرق يقوي بعضها بعضًا، والله أعلم.

قد يُحكم على الحديث المقبول بغير صحيح أو حسن:

هناك ألفاظ استعمالها المحدِّثون في الحكم على الأحاديث المقبولة: غير صحيح وحسن، ينبغي أن نقف عليها وأن نعرف مدلولها.

من الألفاظ المستعملة عند أهل الحديث في المقبول منها: الجيد، القوي، الصالح، المعروف، المحفوظ، المُجَوَّد، الثابت، المُشبَّه.

أولًا: الجيد: يرى ابن الصلاح التسوية بين الجيد والصحيح، فما يقال فيه جيد مثل ما يقال فيه صحيح.

قال البلقيني بعد أن ذكر كلام ابن الصلاح: “من ذلك يُعلم أن الجودة يعبر بها عن الصحة، وفي (جامع الترمذي) في كتاب الطب قال عقب حديث: هذا حديث حسن جيد، حيث جعل جيد حسن مرادف لحسن صحيح، وكذا قال غيره، لا مغايرة بين جيد وصحيح عندهم”.

ولكن في هذا الكلام نظر؛ لأن الإمام الحافظ لا يعدِل عن قوله صحيح إلى قوله جيد، إلا لسبب، كأن يرتقي الحديث عنده عن الحسن لذاته، ويتردد في بلوغه الصحيح، فالوصف بجيد أنزل رتبة من الوصف بصحيح.

ثانيًا: القوي: القوي مرادف لجيد.

ثالثًا: الصالح: يشمل الحديث الصحيح بقسميه والحديث الحسن بقسميه؛ لصلاحيتهما للاحتجاج بهما، ويستعمل أيضًا في ضعيف يصلح للاعتبار.

رابعًا: المعروف: هو الحديث المقبول المعمول به، الذي خالف راويه الثقة أو الصدوق رواية الضعيف، والمعروف يقابل المنكر المردود.

خامسًا: المحفوظ: هو الحديث المقبول المعمول به، الذي خالف راويه الثقة أو الصدوق رواية من هو أدنى منه مرتبة، ولم يمكن الجمع بينهما بوجه من وجوه الجمع، والمحفوظ يقابل الشاذ المردود.

سادسًا: المجود: مرادف للصحيح.

سابعًا: الثابت: مرادف للصحيح .

ثامنًا: المشبه: يطلق على الحديث الحسن وما يقاربه، فهو بالنسبة إليه كنسبة الجيد إلى الصحيح.

زيادة الثقات:

بعد أن تحدثنا عن التفرد نتكلم عن زيادة الثقات:

أ. إذا روى الثقة حديثًا إلا أنه زاد فيه كلمة أو جملة أو أكثر، انفرد بهذه الزيادة عن بقية الرواة الراوين لأصل الحديث، أي الرواة الراويين للحديث بدون هذه الزيادة التي زادها الثقة، فينظر إلى هذه الزيادة التي زادها الثقة، إن كانت هذه الزيادة لا يوجد تعارض بينها وبين أصل الحديث، أي: الحديث بدون هذه الزيادة، فتكون هذه الزيادة كالحديث المستقل، الذي ينفرد بروايته ثقة، فتكون مقبولة عند جمهور العلماء، كما سبق في التفرد، وسيأتي لذلك مزيد بيان.

ب. إن كانت هذه الزيادة منافية لأصل الحديث، أي بينها وبين الحديث بدون هذه الزيادة تعارض، فللعلماء في ذلك كلام، وألحق الحافظ ابن حجر بزيادة الثقة زيادةَ راوي الحديث الحسن، وهو الراوي الصدوق، وعلى ذلك يكون البحث في حكم زيادة الراوي الثقة أو الصدوق. وقبل أن نتحدث عن حكم زيادة الراوي الثقة أو الراوي الصدوق، يجب أن نعلم أن الزيادة تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول: زيادة الصحابي.

القسم الثاني: زيادة غير الصحابي من الثقات.

أولًا: زيادة الصحابي:

اتفق العلماء على قبول زيادة الصحابي إذا صح إسناد الحديث إلى هذا الصحابي.

ثانيًا: زيادة غير الصحابي:

اختلف العلماء في قبول زيادة غير الصحابي من التابعين الثقات فمَن بعدهم وهذه مذاهبهم.

أولًا: مذهب الجمهور، ذهب جمهور العلماء من المحدِّثين والفقهاء إلى قبول زيادة الثقة مطلقًا، سواء وقعت ممن رواه أولًا ناقصًا أو من غيره، وسواء تعلق بها حكم شرعي أم لا، وسواء غَيرت الحكم الثابت أم لا، وسواء أوجبت نقض أحكام ثبتت بخبر ليست هي فيه أم لا. وقد ادعى ابن طاهر الاتفاق على هذا القول.

ثانيًا: قيل: لا تقبل زيادة الثقة مطلقًا، لا ممن رواه ناقصًا ولا من غيره.

ثالثًا: قيل: تقبل إن زادها غير من رواه ناقصًا، ولا تقبل ممن رواه مرة ناقصًا.

رابعًا: قال ابن الصباغ فيه: “إن ذكر أنه سمع كل واحد من الخبرين في مجلسين قُبلت الزيادة، وكانا خبرين ويُعمل بهما، وإن عزى ذلك إلى مجلس واحد وقال: كنت أنسيت هذه الزيادة، قُبل منه، وإلا وجب التوقف فيها. قال ابن الصباغ أيضًا: إن زادها واحد وكان مَن رواه ناقصًا جماعة لا يجوز عليهم الوهم -سقطت”. وقال الصيرفي والخطيب: “يشترط في قبول الزيادة كون من رواها حافظًا”.

مناقشة هذه الأقوال:

انتقد الحافظ ابن حجر من قَبل الزيادة مطلقًا بدون قيد ولا شرط، وهم أصحاب الرأي الأول، فقال -رحمه الله تعالى-: “واشتهر عن جمع من العلماء القول بقبول الزيادة مطلقًا من غير تفصيل، ولا يتأتى ذلك على طريق المحدِّثين الذين يشترطون في الصحيح ألا يكون شاذًّا، ثم يفسرون الشذوذ بمخالفة الثقة من هو أوثق منه.

والعجب ممن أغفل ذلك منهم، مع اعترافه باشتراط انتفاء الشذوذ في حد الحديث الصحيح، وكذا الحديث الحسن، والمنقول عن أئمة الحديث المتقدمين -كعبد الرحمن بن مهدي ويحيى القطان وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وعلي بن المديني والبخاري وأبي زرعة وأبي حاتم والنسائي والدارقطني وغيرهم- اعتبار الترجيح فيما يتعلق بالزيادة.

ولا يعرف عن أحد منهم إطلاق قبول الزيادة، وأعجب من ذلك إطلاق كثير من الشافعية القول بقبول زيادة الثقة، مع أن نص الشافعي يدل على غير ذلك، فإنه قال في أثناء كلامه على ما يعتبر به حال الراوي في الضبط ما نصه: ويكون إذا شَرَك أحدًا من الحفاظ لم يخالفه، فإن خالفه فوجد حديثه أنقص، كان في ذلك دليل على صحة مخرج حديثه، ومتى خالف ما وصفتُ أضر ذلك بحديثه. ومقتضى كلام الشافعي أنه إذا خالف، فوجد حديثه أزيد، أضر ذلك بحديثه، فدل على أن زيادة العدل عنده لا يلزم قبولها مطلقًا، وإنما تقبل من الحفاظ، فإنه اعتبر أن يكون حديث هذا المخالف أنقص من حديث من خالفه من الحفاظ، وجعل نقصان هذا الراوي من الحديث دليلًا على صحته؛ لأنه يدل على تحريه، وجعَل ما عدا ذلك مضرًا بحديثه، فدخلت فيه الزيادة، فلو كانت عنده مقبولة مطلقًا لم تكن مضرة بصاحبها”.

وقد تنبه ابن الصلاح والنووي لما تنبه له الحافظ ابن حجر؛ ولذلك قسموا زيادة الثقة إلى ثلاثة أقسام:

أولًا: الزيادة غير المخالفة ولا المنافية لما رواه غيره، كأن ينفرد ثقة بجملة حديث لا تَعَرُّض فيها لما رواه غيره بمخالفة أصلًا، فهذه الزيادة مقبولة باتفاق العلماء، كما قال الخطيب؛ لأن هذه الزيادة في حكم الحديث المستقل، الذي ينفرد به الثقة ولا يرويه غيره.

ثانيًا: زيادة مخالفة منافية لما رواه سائر الثقات، فتُرد هذه الزيادة التي خالف بها الثقة من هم أوثق منه بالحفظ أو العدد؛ لأنها داخلة في حكم الحديث الشاذ المردود.

ثالثًا: زيادة لفظة في الحديث لم يذكرها سائر رواة تلك الحديث، الذي وقعت فيه الزيادة، فتخصص هذه الزيادة العام وتقيد المطلق، فهذه الزيادة بينها وبين النوعين السابقين وجه شبه.

فهي تشبه الزيادة المقبولة، من حيث أنه لا منافاة بينها وبين أصل الحديث الذي زيدت فيه، وتشبه الزيادة المردودة من حيث أن ما رواه الجماعة عام، وما رواه المنفرد بالزيادة مخصوص، وفي ذلك مغايرة في الصفة، ونوع من المخالفة يختلف به الحكم.

قال الإمام النووي: “والصحيح قبول هذه الزيادة”. مثال ذلك: حديث حذيفة رضي الله عنه: ((جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا)) انفرد أبو مالك سعد بن طارق الأشجعي فقال: “جعلت تربتها لنا طهورًا” وسائر الرواة لم يذكروا ذلك، فهذا يشبه الأول المردود، من حيث أن ما رواه الجماعة عام، وما رواه المنفرد بالزيادة مخصوص.

وفي ذلك مغايرة في الصفة، ونوع من المخالفة يختلف به الحكم، ويشبه الثاني المقبول من حيث أنه لا منافاة بينهما.

قال الحافظ السيوطي: “قيل: وزيادة التربة في الحديث السابق، يُحتمل أن يراد بها الأرض، من حيث هي أرض لا التراب، فلا يبقى فيه زيادة ولا مخالفة لمن أطلق، وأُجيب بأن في بعض طرقه التصريح بالتراب، ثم إنَّ عدها زيادة بالنسبة إلى حديث حذيفة، وإلا فقد وردت في حديث علي، رواه أحمد والبيهقي بسند حسن، ثم ذكر السيوطي أمثلة لما وقع فيه زيادة لفظة في الحديث، فقال -رحمه الله تعالى: من أمثلة هذا الباب: حديث الشيخين عن ابن مسعود قال: ((سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ قال: الصلاة لوقتها)) الحديث أخرجه البخاري ومسلم.

زاد الحسين بن مكرم وبِندار في روايتهما لهذا الحديث: ((في أول وقتها)) والحديث بهذه الزيادة أخرجه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، وأخرجه الحاكم في (المستدرك) ثم قال: هو صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وهذه الزيادة صححها الحاكم وابن حبان وابن خزيمة”.

error: النص محمي !!