Top
Image Alt

الخطابة الأمويّة: موضوعاتها، وخصائصها الفنية

  /  الخطابة الأمويّة: موضوعاتها، وخصائصها الفنية

الخطابة الأمويّة: موضوعاتها، وخصائصها الفنية

النثر نوعان: الخطابة، والكتابة:

أما الخطابة:

فقد ازدهرت ازدهارًا عظيمًا في العصر الأموي، وتنوعت اتجاهاتها؛ فنجد الخطابة السياسية، وفيها تبارت الأحزاب السياسية المختلفة، كلٌّ يريد بالخطابة أن ينشر مذهبه، وأن يقنع الناس بمبادئه، وكان يغلب على هذا النوع من الخطابة ضخامة الألفاظ وفخامتها، وشدة الأسر، ومتانة الأسلوب، والعنف في الوعيد والتهديد، وكان فيها كذلك إسراف في السب والشتم.

وهذا التنازع السياسي قضى على كل حزب أن يكون له خطباؤه البارزون المفوهون، القادرون على دحض حجج خصومه، وإظهار حجج حزبه الذي يتحدث باسمه، ويدعو الناس إليه، وكان على هؤلاء الخطباء أن يجيدوا استنباط الحجج، وأن يحسنوا التفكير فيما يقولونه؛ ليستطيعوا أن يقنعوا به غيرهم، وكان عليهم كذلك أن يكونوا قادرين على التأثير في غيرهم بما يقولون، واشتهر في هذا المجال كثيرون؛ منهم: زياد بن أبيه، والحجاج بن يوسف، وغيرهما ممن ينتمون إلى الحزب الأموي، وغيرهما من خطباء الأحزاب الأخرى.

ومن أنماط الخطابة التي ازدهرت في هذا العصر كذلك:

الخطابة الدينية:

وكانت هذه الخطابة الدينية تتأثر بالسياسة في كثير من الأحيان، وكان الخطباء الدينيون يستشهدون بآي القرآن الكريم، وبالحديث النبوي الشريف، وكانوا يدعون الناس إلى الزهد في الدنيا، ويحذرونهم من غرورها ومفاتنها، ويوجهونهم إلى العمل للآخرة ونعيمها، والعمل بما يقيم الحق والعدل في المجتمع، وكان الخطباء يلتزمون الحمد في أول الخطبة، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه  وسلم ويكثرون من الاستشهاد بالقرآن الكريم، ويقتبسون منه بعض الآيات أو جزءًا من الآيات، وفي هذا المجال أسهم كثير من خطباء الخوارج وخطباء العلويين والزبيريين.

ومن الاتجاهات التي ازدهرت فيها الخطابة كذلك: الخطابة الاجتماعية، ومنها أيضًا: خطب المحافل والوفود.

ولقد حرص الخطباء جميعًا على العناية بتهذيب ألفاظهم، واختيار موضوعاتهم، وتنميق وتنسيق أفكارهم، وصوغ العبارات بما يناسب المعاني، وحرصوا كذلك على الانتفاع بالقرآن وأحاديث الرسول صلى الله عليه  وسلم والاقتباس منهما، وكان للتهذيب النفسي والذوقي أكبر أثر في بناء الخطب، وسوقها على نحو من البلاغة المؤثرة في عقول المخاطبين ونفوسهم، وكان الخطباء حراصًا على ترك الحوشي من الكلام والغريب منه، وكانوا كذلك حراصًا على جزالة الألفاظ واستقامة الأسلوب، والبعد عن العامي الساقط، وكانت عباراتهم متأثرة تأثرًا واضحًا بالقرآن الكريم والحديث النبوي الشريف كما أسلفت.

ولا بد لنا أن نعرض نماذج من هذه الخطب، تدلنا على أهمية الخطابة، وبلاغة الخطباء، من هذه النماذج: خطبة معاوية بن أبي سفيان بالمدينة، سنة واحد وأربعين من الهجرة، وهو عام الجماعة، حَمِدَ اللهَ وأثنى عليه، ثم قال:

“أما بعد: فإِني واللّه ما وَليتُها بمحبة منكم، ولا مَسَرَة بولايتي، ولكني جالدتُكم بسيفي هذا مُجالدة، ولقد رُضْتُ لكم نفسي على عمل ابن أبي قُحَافة -والمقصود بابن أبي قحافة أبي بكر، رضي الله  عنه   وأردتُها على عمل عُمر، فنفرتْ من ذلك نِفَارًا شديدًا، وأردتُها على سُنِيَّات عثمان -والمراد بسنيات عثمان سنواته- فأبت عليَ فسلكتُ بها طريقًا لي ولكم فيه منفعةً: مؤاكلة حَسنة، ومُشاربة جميلة؛ فإن لم تَجدوني خيركم، فإني خيرٌ لكم ولايةً. واللّه لا أحمل السيفَ على من لا سيف له، وإن لم يكن منكم إلا ما يَسْتَشفي به القائلُ بلسانه، فقد جعلتُ له ذلك دَبْرَ أُذني وتحت قدمي، وإن لم تجدوني أقوم بحقّكم كُلَّه فاقبلوا منّي بعضَه، فإنْ أتاكم منّي خيرٌ فاقبلوه؛ فإن السيل إذا جاد يُثري، وإن قلّ أَغنى، وإياكم والفتنةَ، فإنها تُفسد المَعيشة، وتكدّر النّعمة”، انتهت خطبته.

هذه من الخطب السياسية، وواضح فيها أسلوب الإغراء والتحذير والتهديد والوعيد، وواضح أنها ترمي إلى هدف بيّن يريد معاوية أن يخضع الناس لسلطانه؛ فيبين لهم أنه ما ولي الخلافة على حبّ منهم، ولا بمسرة منهم، وهو يوجه كلامه إلى أهل المدينة، وكانت المدينة لا تريد معاوية، ويبيّن لهم أنه حمل نفسه على أن يسير فيهم على طريقة أبي بكر؛ فلم يستطع، وأنه لم يستطع كذلك أن يحمل نفسه على أن تسير على عمل عمر، ويبيّن لهم كذلك أنه لم يستطع أن يحمل نفسه على طريقة عثمان؛ فله إذًا طريقته الخاصة التي يدعوهم إلى الرضا بها والاستجابة لها، ويحذرهم من الخروج عليها، يحذرهم من الفتنة، ويطلب منهم أن يرضوا بما يأتيهم من خيره، ويبيّن لهم أن الفتنة تُفسد المعيشة وتكدر النعمة.

ومن الخطابة السياسية كذلك: خطبة زياد بن أبيه، بالبصرة سنة خمس وأربعين من الهجرة، وتُسمى هذه الخطبة بالخطبة البتراء؛ لأن ابن زياد لم يبدأها بالحمد، قال فيها:

“فإن الجهالة الجَهْلاء، والضلالة العَمْياء، والغي المُوفي بأَهله على النَار، ما فيه سُفهاؤكم، ويَشتمل عليه حُلماؤكم، من الأمُور العِظام؛ يَنبُت فيها الصغير، ولا يَتحاشى عنها الكبير، كأنكم لم تَقْرءوا كِتاب الله، ولم تَسمعوا بما أَعدَّ الله من الثواب الكريم لأهل طاعته، والعذَاب العَظيم لأهل مَعْصيته، في الزَمن السرمديّ الذي لا يزول. أتكونون كمَن طَرفَتْ عَيْنَيه الدنيا، وسدت مسامَعه الشهوات، واختار الفانيةَ على الباقية، ولا تَذْكُرون أنكم أَحدثتم في الإسلام الحَدَث الذي لم تُسبقوا إليه، مَن تَرككم الضعيف يقهر ويؤخذ ماله، ما هذه المَواخير المنصوبة، والضعيفة المَسْلوبة في النّهار المُبصر، والعدَدُ غيرُ قليل. ألم يكن منكم نُهاة تَمنع الغُواة عن دَلجَ الليل وغارة النهار؟! قَربتم القرابة، وباعدتم الدين، تَعتذرون بغير العُذر، وتَغُضّون على المُخّتَلس كُلّ امرئ منكم يَذُب عن سَفِيهه، صَنِيعَ مَن لا يخاف عقابًا ولا يرجو مَعادًا”.

ثم قال: “حرامٌ عليّ الطعامُ والشّراب حتى أُسويها بالأرض هَدْمًا وإحراقًا، إني رأيتُ هذا الأمر لا يَصْلح إلّا بما صَلَح به أولُه؛ لِينٌ في غير ضَعْف، وشِدّة في غير عُنْف، وإني أُقسم باللّه لآخُذنَ الوليّ بالمولى، والمُقيم بالظّاعن، والمُقْبل بالمُدبر، والمطيع بالعاصي، والصحيحَ منكم بالسَّقيم، حتى يَلْقى الرحلُ منكم أخاه فيقول: انْجُ سَعْد فَقد هلك سُعيد، أو تَسْتقيم لي قَناتُكم”.

ثم يقول: “إن كِذْبَة المنبر بَلقاء مشهورة؛ فإذا تعلقتم عليّ بكذْبة، فقد حَلَّت لكم مَعْصيتي، وقد أحْدثتم أحداثًا لم تكن، وقد أَحدثنا لكُلّ ذَنب عُقوبةً، فمَن أغرق قومًا أغرقناه، ومَن أَحرق قومًا أحرقناه، ومَن نَقَبَ بيتًا نَقَبنا عن قَلْبه، ومَن نَبَش قَبْرًا دفنّاه حيًّا فيه، فكُفُّوا عني أيدَيكم وألسنَتكم أكفف عنكم يدي ولساني، ولا تَظهر من أحد منكم ريبةٌ بخلاف ما عليه عامَّتكم إلّا ضربتُ عُنقه”.

ثم ختم خطبته بقوله: “وايم اللّه، إن لي فيكم لصَرْعى كثيرين، فَلْيحذر كل امرئ منكم أن يكون مِنْ صَرعاي”.

وواضح أن هذه الخطبة أيضًا تتسم بالعنف في وعيدها وتهديدها، وقد كانت البصرة والعراق عمومًا مائجة بالثورة والاضطرابات على بني أمية؛ ولذلك كان خطب ولاتهم وأمرائهم تتسم بهذا العنف الشديد في مخاطبة الناس، وتحذيرهم وتخويفهم.

وعلى هذا النحو أيضًا تمضي خطب الحجاج بن يوسف، ومن هذه الخطب خطبته في مسجد البصرة؛ إذ قال:

“أيها الناس، من أعياه داؤه فعندي دواؤه، ومن استطال أجله، فعلي أن أعجله؛ ومن ثقل عليه رأسه وضعت عنه ثقله، ومن استطال ماضي عمره قصرت عليه باقيه. إن للشيطان طيفًا، وللسلطان سيفًا، فمن سقمت سريرته، صحت عقوبته؛ ومن وضعه ذنبه، رفعه صلبه؛ ومن لم تسعه العافية، لم تضق عليه الهلكة؛ ومن سبقته بادرة فمه سبق بدنه بسفك دمه؛ إني أنذر ثم لا أنظر، وأحذر ثم لا أعذر، وأتوعد ثم لا أعفو. إنما أفسدكم ترنيق ولاتكم؛ ومن استرخى لبّه ساء أدبه. إن الحزم والعزم سلباني سوطي وأبدلاني به سيفي: فقائمه في يدي، ونجاده في عنقي، وذبابه قلادة لمن عصاني؛ والله لا آمر أحدكم أن يخرج من باب من أبواب المسجد؛ فيخرج من الباب الذي يليه إلا ضربت عنقه”.

ومن نماذج الخطابات الدينية: خطبة مصعب بن الزبير لما قدم العراق واليًا عليها من قِبَل أخيه عبد الله بن الزبير، قبل أن يهزمه الأمويون، قال:

“بسم الله الرحمن  الرحيم {طسم * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِين * نَتْلُوا عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُون * إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِين} [القصص: 1- 4] وأشار بيده نحو الشام؛ يريد أن هذا الكلام ينطبق على الأمويين.  ثم قال: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِين} [القصص: 5]، وأشار بيده نحو الحجاز مستقر أخيه عبد الله بن الزبير.

ثم قال: {وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُون} [القصص: 6]، وأشار بيده نحو العراق. ثم نزل”.

وواضح أن هذه الخطبة وإن كانت خطبة دينية؛ فإنها تلتحم التحامًا وثيقًا بالسياسة.

أما خطب المحافل فمن نماذجها هذه الخطبة القصيرة لعبد الله بن همام السلولي الكوفي؛ فقد دخل على يزيد بن معاوية حين استخلف بعد موت أبيه، والناس مجموعون على بابه يتهيبون القول، فقال عبد الله هذا:

“يا أمير المؤمنين، آجرك الله على الرزية، وبارك لك في العطية، وأعانك على الرعية؛ فلقد رزئت عظيمًا، وأعطيت جسيمًا، فاشكر الله على ما أعطيت، واصبر له على ما رزيت، فقد فقدت خَليفة الله، ومُنحت خِلافة الله، ففارقت جليلًا ووهبت جزيلًا”.

وقد استطاع هذا الخطيب ببلاغته أن يجمع بين التعزية والتهنئة في وقت واحد، ويلاحظ أنه عمد إلى السجع بين جمل خطبته، والخطبة سهلة الألفاظ، واضحة المعاني، متينة الأسلوب كما ترى.

ومن خطباء المحافل كذلك: الأحنف بن قيس، ومن خطبه هذه الخطبة التي قالها بين يدي معاوية رضي الله  عنه   يشرح له حال أهل البصرة، وما يؤملونه في الخليفة من العون والمساعدة، قال:

“يا أمير المؤمنين، أهلُ البصرة عدد يسير، وعَظْمٌ كسير، مع تتابع من المُحُول، واتصالٍ من الذُحول فالمكْثِرُ فيها قد أطرق، والمُقلُّ قد أمْلَق، وبلغ منه المخنق؛ فإنْ رَأى أميرُ المؤمنين أن ينعشَ الفقيرَ، ويَجْبُرَ الكسير، ويسهل العسير، ويَصْفَح عن الذُحول، ويُدَاوِي المُحول، ويأمر بالعَطَاء؛ ليكشَف البَلاَء، ويُزِيل اللأواء. وإنَ السيدَ من يعم ولا يخص، ومَنْ يدعو الجَفَلَى، ولا يَدْعُو النَقَرَى، وإنْ أُحْسِنَ إليه شكر، وإنْ أسِيءَ إليه غَفَرَ، ثم يكون من وراء ذلك لرعيته عِمَادًا يَدْفعُ عنها المُلّمات، ويكشفُ عنها المعضلات”.

وقد وردت في هذه الخطبة بعض الألفاظ التي نود أن نبين معناها؛ فكلمة “الذحول” معناها: الثارات، جمع ثأر. والمكثر فيها أي: الغني. قد أطرق أي: هزل وضعف، و”المقل قد أملق” أي: افتقر. وكلمة “اللأواء” معناها: الشدة. وقوله: الجفلى: الدعوة العامة، يريد من معاوية أن يعفو عن خصومه، وأن يعامل الناس كلهم معاملة حسنة. والدعوة النقرى أي: الخاصة؛ يطلب منه أن يسوي في الإحسان بين الجميع.

وأما خطب المواعظ والقصص، فأشهر من عُرف بالإجادة فيها: الحسن البصري؛ فقد كان الحسن البصري إمامًا في الزهد والصلاح في عصره، وكان يدعو الناس إلى التخفف من الدنيا، وإلى الإقبال على الله سبحانه وتعالى بالتقوى والعمل الصالح، ومن مواعظه التي رواها له الجاحظ قوله:

“يا ابن آدم، بعْ دنياك بآخرتك تربَحْهما جميعًا، ولا تبع آخرتك بدنياك فتخسَرَهما جميعًا، يا ابن آدم، إذا رأيت النّاس في الخير فنافِسْهم فيه، وإذا رأيتهم في الشّرِّ فلا تغبطهم به؛ الثَّواءُ ها هنا قليل، والبقاء هناك طويل. أمَا إنّه واللَّه لا أمّةَ بعد أمّتكم، ولا نبيَّ بعد نبيِّكم، ولا كتابَ بعد كتابكم، أنتم تسوقون النّاسَ والسّاعةُ تسوقكم، وإنّما يُنْتَظَر بأوّلكم أن يلحق آخَرَكم، مَنْ رأى محمدًا صلى الله عليه  وسلم فقد رآه غاديًا رائحًا لم يضع لَبِنةً على لَبنة، ولا قَصبةً على قصبة {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21].

يا ابنَ آدم، طأ الأرضَ بقدمِك؛ فإنَّها عما قليل قبرُك، واعلم أنَّك لم تَزَلْ في هدم عُمرك مذ سقطتَ من بطن أمِّك، فرحِمَ اللَّهُ رجلًا نَظَرَ فتفكَّر، وتفكَّر فاعتبر، واعتبَرَ فأبصر، وأبصَرَ فصَبَر.

يا ابن آدم، اذكُرْ قوله: {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا * اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الإسراء: 13، 14]، عَدَلَ واللَّهِ عليك مَن جَعَلك حسيبَ نفسك، خذُوا صفاء الدُّنيا وذروا كدَرَها. دَعوا ما يَريبكم إلى ما لا يُرِيبكم.

لقد صحبتُ أقوامًا ما كانت صحبتُهم إلاّ قُرّةَ العين، وجِلاءَ الصدر. ولقد رأيتُ أقوامًا كانوا من حسناتهم أشفَقَ من أن تُرَدّ عليهم منكم من سيئاتكم أن تُعذَّبوا عليها. وكانوا فيما أحلَّ اللَّهُ لهم من الدُّنيا أزهدَ منكم فيما حرّم عليكم منها، لو تكاشفتم ما تدافَنْتم، تهاديتم الأطباقَ ولم تتهادَوا النَّصائح، قال ابن الخطَاب: “رحم اللَّه امرأً أهدى إلينا مساوِيَنا”، أعِدُّوا الجوابَ فإنّكم مسئولون. يا ابن آدم، ليس الإيمانُ بالتحَلِّي ولا بالتمنّي، ولكنه ما وَقَر في القُلوب، وصدَّقته الأعمال”.

error: النص محمي !!