Top
Image Alt

الرد التفصيلي على شُبه نفاة الصفات

  /  الرد التفصيلي على شُبه نفاة الصفات

الرد التفصيلي على شُبه نفاة الصفات

أ. بيان اللبس الذي في المصطلحات التي استخدموها:

قبل أن أتعرض لبعض المصطلحات التي بنى عليها المعطلة نفيهم للصفات، أبيِّن هنا أولًا في هذه النقطة اللبس الذي في المصطلحات التي استخدموها؛ لأن نفاة الصفات زعموا أن إثبات صفات الباري، يلزم منه أن يكون الباري جسمًا، وأن يكون مركبًا، وأن يكون متحيزًا، وأن يكون في جهة، وأن يكون محلًّا للحوادث والأعراض، وأن يكون له أعضاء وأركان وأدوات.

ولا نسلم لنفاة الصفات هذه الإطلاقات في باب الأسماء والصفات، التي نفوا بها ما أثبته الله لنفسه، وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم وقد تنبه الحذاق من علمائنا إلى أن هذه الألفاظ، ألفاظ مجملة مبهمة، يراد بها حق ويراد بها باطل، فوقفوا منها موقف الفاحص المدقق، وطالبوا الذين أطلقوها أن يبيِّنوا مرادهم منها، وحكموا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فيما بينه هؤلاء المطلقون، فإن ذكروا من معانيها حقًّا قبلوه، وإن ذكروا باطلًا ردوه، مع نصحهم لهم بترك هذه الإطلاقات التي لم ترد في الكتاب والسنة، ووجوب الالتزام بألفاظ النصوص.

يقول ابن تيمية -رحمه الله تبارك وتعالى-: “ما تنازع فيه المتأخرون نفيًا وإثباتًا، فليس على أحد، بل ولا له، أن يوافق أحدًا على إثبات لفظه أو نفيه، حتى يعرف مراده، فإن كان حقًّا قُبل، وأن كان باطلًا رُد، وإن اشتمل كلامه على حق وباطل لم يقبل مطلقًا، ولم يرد جميع معناه، بل يوقف ويفسر المعنى، كما تنازع الناس في الجهة والتحيز وغير ذلك”.

ويقول شارح الطحاوية -رحمه الله تبارك وتعالى- في الألفاظ التي أطلقها علماء الكلام نافين بها صفات الباري، قال: “الناس في إطلاق مثل هذه الألفاظ ثلاثة أقوال: طائفة تنفيها، وطائفة تثبتها، وطائفة تفصل” هكذا يقول. وهم المتبعون للسلف، فلا يطلقون نفيها ولا إثباتها إلا إذا تبين، فما أثبت بها فهو ثابت، وما نفي بها فهو منفي، ولهذا كان نفاة الصفات ينفون بهاذ حقًّا وباطلًا، ويذكرون عن مثبتيها ما لا يقولون به، وبعض المثبتين لها يدخلون لها معنى باطلًا مخالفًا لقول السلف ولما دل عليه الكتاب والسنة، ولم يرد نص من الكتاب ولا من السنة بنفيها ولا إثباتها، وليس لنا أن نصف الله تعالى بما لم يصف به نفسه، ولا وصفه به رسوله نفيًا ولا إثباتًا صلى الله عليه وسلم وإنما نحن متبعون لا مبتدعون.

فالواجب أن ينظر في هذا الباب، وأعني به باب الصفات، أن ينظر فيه بدقة، وأن يكون هناك ميزان دقيق نرجع إليه، وهو أن ما أثبته الله ورسوله أثبتناه، وما نفاه الله ورسوله نفيناه، والألفاظ التي ورد بها النص يعتصم بها في الإثبات والنفي، وأما الألفاظ التي لم يرد نفيها ولا إثباتها، فلا تطلق حتى ينظر في مقصود قائلها، فإن كان معنى صحيحًا قُبل، لكن ينبغي التعبير عنه بألفاظ النصوص دون الألفاظ المجملة إلا عند الحاجة.

وقد تعرض أهل العلم لبيان اللبس الذي في المصطلحات الكلامية التي نفوا بها صفات الباري -تبارك وتعالى- وسأذكر هنا أهم هذه المصطلحات، مبينًا اللبس الذي وقع في هذا المصطلح.

 ب. بيان اللبس الذي في اصطلاح التركيب:

يقول شارح الطحاوية: “التركيب له معان:

أحدها: التركيب من متباينين فأكثر ويسمى “تركيب مزج” كتركيب الحيوان من الطبائع الأربع والأعضاء ونحو ذلك، هذا المعنى منفي عن الله سبحانه وتعالى ولا يلزم أيضًا من ثبوت صفاته العليا إثبات هذا التركيب.

والثاني: “تركيب الجوار” كمصراعي الباب ونحو ذلك، ولا يلزم أيضًا من ثبوت صفاته العليا إثبات هذا التركيب.

والثالث: التركيب من الأجزاء المتماثلة وتسمى “الجواهر المفردة”.

الرابع: التركيب من الهيولي والصورة، كالخاتم مثلًا، هيولاه الفضة، وصورته معروفة. وأهل الكلام قالوا: إن الجسم يكون مركبًا من الجواهر المفردة، وليس هذا التركيب لازمًا لثبوت صفاته تعالى وعلوه على خلقه، والحق أن الجسم غير مركب من هذه الأشياء، وإنما قولهم مجرد دعوى.

الخامس: التركيب من الذات والصفات، هم سموه تركيبًا؛ لينفوا به صفات الباري -تبارك وتعالى- وهذا اصطلاح منهم لا يعرف في اللغة، ولا في استعمال الشارع، فلسنا نوافقهم على هذه التسمية، ولئن سموا إثبات الصفات تركيبًا، فنحن نقول لهم: إن العبرة للمعاني لا للألفاظ، سموه ما شئتم، ولا يترتب على التسمية بدون المعنى حكم، فلو اصطلح على تسمية اللبن خمرًا لم يحرم بهذه التسمية.

السادس: التركيب من الماهية ووجودها، هذا يفرضه الذهن أنهما غيران، وأما في الخارج، هل يمكن وجود ذات مجردة عن وجودها ووجودها عنها؟ هذا محال.

 جـ. بيان اللبس الذي في لفظي الجهة والتحيز:

من الألفاظ التي استخدمها المتكلمون “لفظ الجهة والتحيز”، وقد نفوا بهذين اللفظين علو الله على خلقه، وفي ذلك يقول ابن تيمية: “لفظ الجهة قد يراد به شيء موجود غير الله فيكون مخلوقًا، كما إذا أريد بالجهة “العرش أو السموات” وقد يراد به ما ليس بموجود غير الله تعالى، كما إذا أريد بالجهة “ما فوق العالم” ومعلوم أنه ليس في النص إثبات لفظ الجهة ولا نفيه”، كما في النصوص إثبات العلو والاستواء والفوقية والعروج ونحو ذلك، وأعني بالعروج: العروج إلى الله تبارك وتعالى، وقد علم أن ما ثم موجود إلا الخالق والمخلوق، والخالق مباين للمخلوق، والله سبحانه وتعالى ليس في مخلوقاته شيء من ذاته، ولا في ذاته شيء من مخلوقاته.

فيقال لمن نفى الجهة: أتريد بالجهة أنها شيء موجود ومخلوق؟ فالله ليس داخلًا في المخلوقات، أم تريد بالجهة ما وراء العالم؟ فلا ريب أن الله فوق العالم، مباين للمخلوقات، وكذلك يقال لمن قال: الله في جهة: أتريد بذلك أن الله فوق العالم؟ أو تريد أن الله داخل في شيء من المخلوقات؟ فإن أردت الأول فهو حق، وإن أردت الثاني فهو باطل.

وكذلك لفظ التحيز إن أراد به أن الله تحوزه المخلوقات، فإن الله أعظم وأكبر، بل قد وسع كرسيه السموات والأرض، وقد قال الله -تبارك وتعالى-: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67] وقد ثبت في الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((يقبض الله الأرض ويطوي السموات بيمينه، ثم يقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض؟)).

 د. بيان اللبس الذي في حلول الحوادث:

وقد أزاح هذا اللبس وبينه كثير من أهل العلم، ومنهم الإمام ابن أبي العز شارح الطحاوية، حيث يقول: “حلول الحوادث بالرب تعالى المنفي عنه في علم الكلام المذموم، لم يرد نفيه ولا إثباته في الكتاب ولا في السنة، وفيه إجمال، فإن أريد بالنفي أنه لا يحل في ذاته المقدسة شيء من مخلوقاته المحدثة، أو لا يحدث له وصف متجدد لم يكن، فهذا نفي صحيح، وإن أريد به نفي الصفات الاختيارية من أنه لا يفعل ما يريد، ولا يتكلم بما شاء، ولا أنه يغضب ويرضى لا كأحد من الورى، ولا يوصف بما وصف به نفسه من النزول والاستواء، والإتيان كما يليق بجلاله وعظمته، فهذا نفي باطل.

وأهل الكلام المذموم يطلقون نفي حلول الحوادث فيسلم السني للمتكلم ذلك، على أنه نفى عنه سبحانه ما لا يليق بجلاله وكماله، فإذا سلم له هذا النفي ألزمه نفي الصفات الاختيارية وصفات الفعل، وهو غير لازم له، وإنما أُتي هذا السني من تسليم هذا النفي المجمل، وإلا فلو استفسر واستفصل لم ينقطع معه”.

كما رد ابن تيمية -رحمه الله- على من نفى صفات الله الاختيارية بدعوى أن إثباتها يستلزم قيام الحوادث بالله -تبارك وتعالى- كما رد على الذين ينفون صفات الله عز وجل بدعوى أن إثباتها يستلزم قيام الأعراض به فقال: “لفظ الأعراض والحوادث لفظان مجملان، فإن أريد بذلك ما يعقله أهل اللغة من أن هذه الأعراض والحوادث، هي الأمراض والآفات، كما يقال: فلان عرض له مرض شديد، وفلان قد أحدث حدثًا عظيمًا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة)) ويقال: فلان به عارض من الجن، وفلان حدث له مرض، فهذه من النقائص التي ينزه رب العالمين سبحانه وتعالى عنها.

ولا يلزم من إثبات الصفات الاختيارية لله كالإماتة والإحياء، والخلق والتصوير، والغضب والرضا، ونحو ذلك مما وصف الله به نفسه، حلول الحوادث بالله -تبارك وتعالى- لأن الله عز وجل عندما يخلق أو يتكلم أو يغضب أو يرضى، لا يكون الكلام قد حدث له بعد أن كان ممتنعًا عليه، فالله -تبارك وتعالى- كما يقول الإمام الطحاوي -رحمه الله عز وجل: “ما زال بصفاته قديمًا قبل خلقه، لم يزدد بكونهم شيئًا، لم يكن قبلهم من صفته، وكما كان بصفاته أزليًّا، كذلك لا يزال عليهم أبديًّا”. وعليه أقول: إن إثبات الصفات لله لا يلزم منه حلول الحوادث بذاته سبحانه وتعالى بل إثبات الصفات كمال مطلق لرب العباد.

error: النص محمي !!