الركن الثاني: الإيمان بالملائكة
أما الركن الثاني من أركان الإيمان فهو: الإيمان بالملائكة:
وقد جاء ذكر الملائكة في القرآن الكريم في مواضع كثيرة منها قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً [البقرة: 30] {وَعَلّمَ آدَمَ الأسْمَآءَ كُلّهَا ثُمّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ} [البقرة: 31] {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنّاسِ أَجْمَعِينَ} [البقرة: 161] إلى غير ذلك. والإيمان بالملائكة ركن من أركان الإيمان كما أخبر رب العالمين سبحانه وتعالى حيث قال: {لّيْسَ الْبِرّ أَن تُوَلّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـَكِنّ الْبِرّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنّبِيّينَ} [البقرة: 177].
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم: ((الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر)) فمن أنكر وجود الملائكة فقد كفر بالله -عز وجل- كما قال سبحانه: {وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ فَقَدْ ضَلّ ضَلاَلاً بَعِيداً} [النساء: 136] ومن عداهم أو أحدهم فقد كفر أيضا قال تعالى: {مَن كَانَ عَدُوّاً للّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنّ اللّهَ عَدُوّ لّلْكَافِرِينَ} [البقرة: 98] عن ابن عباس: “أن اليهود سألوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم: من صاحبك من الملائكة؟ قال: ((جبريل)) قالوا: ذاك الذي ينزل بالحرب والقتال والعذاب عدونا، لو كان ميكائيل الذي ينزل بالرحمة والنبات والقطر؛ لكان. فأنزل الله -عز وجل- الآية: {مَن كَانَ عَدُوّاً للّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنّ اللّهَ عَدُوّ لّلْكَافِرِينَ} [البقرة: 98]”.
وعالم الملائكة من عوالم الغيب التي لا سبيل إلى معرفتها إلا بالوحي، ومن تكلم عن الملائكة بغير ما قال الوحي فيهم، فقد احتمل بهتانًا وإثمًا مبينًا، وقد عرفنا من الوحي أصل خلقتهم وبعض صفاتهم الخلقية والخلقية، وعلاقتهم بالله تعالى وبالكون وعلاقتهم بالإنسان عمومًا وبالمؤمنين خصوصًا. أما عن أصل خلقتهم؛ فإنهم خلقوا من نور، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم: ((خلقت الملائكة من نور وخلق الجان من مارج من نار وخلق آدم مما وصف لكم)) أما صفاتهم الخلقية فهم خلق عظيم، ذوو أجنحة مثنى وثلاث ورباع، وأكثر من ذلك كما قال سبحانه: {الْحَمْدُ للّهِ فَاطِرِ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ جَاعِلِ الْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً أُوْلِيَ أَجْنِحَةٍ مّثْنَىَ وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَآءُ إِنّ اللّهَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فاطر: 1].
عن الشيباني قال: “سألت ذرًّا عن قول الله تعالى: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىَ}(9) {فَأَوْحَىَ إِلَىَ عَبْدِهِ مَآ أَوْحَىَ} [النجم: 9، 10] قال: أخبرنا عبد الله أن محمد -صلى الله عليه وسلم رأى جبريل له ستمائة جناح”، وعن جابر بن عبد الله عن النبي -صلى الله عليه وسلم قال: ((أُذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش؛ إنما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام)) أما صفاتهم الْخَلقية فإن الله -عز وجل- وصفهم بأنهم كرامٌ بررة ومن أخص صفاتهم الحياء كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم وقد دخل عليه عثمان: ((ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة)).
والملائكة لا يوصفون بذكورة ولا أنوثة وقد ضلت العرب إذ جعلت الملائكة إناثًا؛ فكذبهم الله تعالى، وأخبر أنهم سيسألون عن قولهم هذا؛ فقال -عز وجل-: {وَجَعَلُواْ الْمَلاَئِكَةَ الّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرّحْمَـَنِ إِنَاثاً أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ} [الزخرف: 19] أما علاقة الملائكة بالله -عز وجل- فالملائكة خلق من خلق الله، وعباد من عباده مخلقون مملكون مربوبون، لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًّا. قال الله تعالى: {وَقَالُواْ اتّخَذَ الرّحْمَـَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مّكْرَمُونَ}(26) {لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ}(27) {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضَىَ وَهُمْ مّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ}(28) {وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنّيَ إِلَـَهٌ مّن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظّالِمِينَ} [الأنبياء: 26- 29].
وهم مشغلون بعبادة الله بالليل وبالنهار؛ لا يكلون ولا يملون {يُسَبّحُونَ الْلّيْلَ وَالنّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ} [الأنبياء: 20] كما وصفهم من خلقهم -عز وجل-. وأما علاقتهم بالكون؛ فهم يدبرون حركته ويرعون شئونه بتكليف من الله لهم، كما قال سبحانه: {فَالْمُدَبّرَاتِ أَمْراً} [النازعات: 5] وقال: {فَالْمُقَسّمَاتِ أَمْراً} [الذاريات: 4] والمراد الملائكة تدبر أمر المخلوقات بإذن الله طاعة لله، لا ابتداء من أنفسهم؛ فإنهم كما وصفهم الله {لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} [الأنبياء: 27].
وقد وَكّل الله تعالى بالسموات ملائكة وبالجبال ملائكة وبالسحاب ملائكة وبالمطر ملائكة، ووكل بالوحي ملائكة وبالموت ملائكة وبالجنة ملائكة، وبالنار ملائكة وعلاقة الملائكة بالإنسان تبدأ من حين تقع النطفة في الرحم، حتى يخرج بشرًا سويًّا، ثم لا يفارقونه حتى يستقر في القرار الأبدي في الجنة أو النار. عن أنس، عن النبي -صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله -عز وجل- وكل بالرحم ملكًا يقول: يا رب نطفة يا رب علقة يا رب مضغة؛ فإذا أراد أن يقضي خلقه، قال: أذكر أم أنثى، شقي أم سعيد؛ فما الرزق والأجل؟ فيكتب في بطن أمه)).
أما علاقة الملائكة بالمؤمنين؛ فإنها علاقة مودة ومحبة ورحمة، يدل عليها استغفارهم للمؤمنين وسؤالهم الله -عز وجل- أن يدخلهم الجنة كما قال سبحانه: {الّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلّذِينَ آمَنُواْ رَبّنَا وَسِعْتَ كُـلّ شَيْءٍ رّحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلّذِينَ تَابُواْ وَاتّبَعُواْ سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ}(7) {رَبّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنّاتِ عَدْنٍ الّتِي وَعَدْتّهُمْ وَمَن صَـلَحَ مِنْ آبَآئِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرّيّاتِهِمْ إِنّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}(8) {وَقِهِمُ السّيّئَاتِ وَمَن تَقِ السّيّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [غافر: 7- 9].
وللإيمان بالملائكة أثره في حياة المؤمن؛ فإن من لوازم الإيمان بالملائكة تربية النفس على النظام والطاعة، وترتيب الأمور وإخلاص الله سبحانه وتعالى وإفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة كما تفعل الملائكة في تسبيحهم لله، وتعظيمهم له، يمكن للمؤمنين أن يقتدوا بهم ويهتدوا بهديهم، ((كما خرج النبي -صلى الله عليه وسلم يومًا على أصحابه وقد تفرقوا في صفوفهم قال: ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها. قالوا: وكيف تصف الملائكة عند ربها يا رسول الله؟ قال: يتمون الصف الأول فالأول ويتراصون في الصف)).
كما أن إيمان المؤمن بأن الملائكة تستغفر الله له، وتدعو له، يزيد من عزته وكرامته ومعرفته عند الله -عز وجل- حيث سخر له الملائكة الكرام البررة يحفظونه ويستغفرون له، ويطلبون من ربه أن يحفظه من عذاب النار.