Top
Image Alt

الركن الخامس: الإيمان باليوم الآخر

  /  الركن الخامس: الإيمان باليوم الآخر

الركن الخامس: الإيمان باليوم الآخر

أما الركن الخامس من أركان الإيمان فهو: الإيمان باليوم الآخر:

والمراد باليوم الآخر: يوم القيامة؛ فإن الله -تبارك وتعالى- جعلهما يومين اثنين اليوم وغدًا، اليوم الدنيا وغدًا الآخرة، والإيمان باليوم الآخر ركن من أركان الإيمان، قال الله تعالى: {الَمَ}(1) {ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لّلْمُتّقِينَ}(2) {الّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصّلاةَ وَممّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}(3) {والّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالاَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} [البقرة: 1- 4]، وقال تعالى: {لّيْسَ الْبِرّ أَن تُوَلّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـَكِنّ الْبِرّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنّبِيّينَ} [البقرة: 177].

وفي حديث جبريل المشهور لما سأل النبي -صلى الله عليه وسلم ما الإيمان؟ كان جوابه -صلى الله عليه وسلم: ((الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر)) والإيمان باليوم الآخر من أهم أركان الإيمان، ولذلك كثيرًا ما يقرن الله -تبارك وتعالى- بين الإيمان بالله والإيمان باليوم الآخر في مواضع من القرآن الكريم منها هذه الآية التي ذكر الله فيها أركان الإيمان: {وَلَـَكِنّ الْبِرّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنّبِيّينَ }فقدم الإيمان باليوم الآخر على الإيمان بالملائكة والكتاب والنبيين، وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [المائدة: 69]، وقال سبحانه: {وَالْمُطَلّقَاتُ يَتَرَبّصْنَ بِأَنْفُسِهِنّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ وَلاَ يَحِلّ لَهُنّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِيَ أَرْحَامِهِنّ إِن كُنّ يُؤْمِنّ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ} [البقرة: 228].

فالإيمان باليوم الآخر من أهم أركان الإيمان، وإنكاره والكفر به، والتكذيب به كفرٌ بالله -عز وجل- يوجب الخلود في النيران، قال الله تعالى: {وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنّا تُرَاباً أَإِنّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُوْلَـَئِكَ الّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ وَأُوْلَئِكَ الأغْلاَلُ فِيَ أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَـَئِكَ أَصْحَابُ النّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ} [الرعد: 5]، ولقد بعث الله تعالى الرسل إليه داعين وبلقائه منذرين قال تعالى: {وَسِيقَ الّذِينَ كَـفَرُوَاْ إِلَىَ جَهَنّمَ زُمَراً حَتّىَ إِذَا جَآءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَـآءَ يَوْمِكُمْ هَـَذَا قَالُواْ بَلَىَ وَلَـَكِنْ حَقّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [الزمر: 71].

وهذا اعتراف من أصناف الكافرين الداخلين جهنم أن الرسل -عليهم الصلاة والسلام- أنذرتهم لقاء يومهم هذا، ولما كان نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، وكان هو الحاشر الذي يحشر الناس على عقبه حتى قال -صلى الله عليه وسلم: ((بعثتُ أنا والساعة كهاتين؛ وضم السبابة والوسطى)) لما كان كذلك فقد بيَّن -صلى الله عليه وسلم أحوال الآخرة وأهوالها بيانًا لم يسبق له نظير في الكتب السابقة، حتى إن الله تعالى أخبر أن الحِكْمة من الإيحاء إلى محمد -صلى الله عليه وسلم هي إنذار الناس لقاء الله؛ فقال سبحانه: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لّتُنذِرَ أُمّ الْقُرَىَ وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لاَ رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنّةِ وَفَرِيقٌ فِي السّعِيرِ} [الشورى: 7] وقال تعالى: {رَفِيعُ الدّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىَ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التّلاَقِ}(15) {يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لاَ يَخْفَىَ عَلَى اللّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلّهِ الْوَاحِدِ الْقَهّارِ}(16) {الْيَوْمَ تُجْزَىَ كُلّ نَفْسٍ بِمَا كَـسَبَتْ لاَ ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [غافر: 15- 17].

ولما جادل المشركين النبي -صلى الله عليه وسلم فيما أنذرهموه من البعث بعد الموت {وَقَالُوَاْ أَإِذَا كُنّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَإِنّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً} [الإسراء: 49] أمره ربه أن يُقسم لهم على وقوع ما كذبوه فقال تعالى: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبّيَ إِنّهُ لَحَقّ وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ} [يونس: 53]، وقال تعالى: {وَقَالَ الّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَأْتِينَا السّاعَةُ قُلْ بَلَىَ وَرَبّي لَتَأْتِيَنّكُمْ} [سبأ: 3]، وقال تعالى: {زَعَمَ الّذِينَ كَفَرُوَاْ أَن لّن يُبْعَثُواْ قُلْ بَلَىَ وَرَبّي لَتُبْعَثُنّ ثُمّ لَتُنَبّؤُنّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرٌ} [التغابن: 7].

ولم يكتفِ رَبّنا -عز وجل- بقسم نبيه -صلى الله عليه وسلم حتى أقسم هو -سبحانه- على وقوع البعث فقال -عز وجل-: {وَيَقُولُ الإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً}(66) {أَوَلاَ يَذْكُرُ إلإِنْسَانُ أَنّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً}(67) {فَوَرَبّكَ لَنَحْشُرَنّهُمْ وَالشّيَاطِينَ ثُمّ لَنُحْضِرَنّهُمْ حَوْلَ جَهَنّمَ جِثِيّاً}(68) {ثُمّ لَنَنزِعَنّ مِن كُلّ شِيعَةٍ أَيّهُمْ أَشَدّ عَلَى الرّحْمَـَنِ عِتِيّاً}(69) {ثُمّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالّذِينَ هُمْ أَوْلَىَ بِهَا صِلِيّاً} [مريم: 66- 70]، فمن كذب الله ورسوله بعد ذلك فالنار أولى به كما قال تعالى: {بَلْ كَذّبُواْ بِالسّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذّبَ بِالسّاعَةِ سَعِيراً}(11) {إِذَا رَأَتْهُمْ مّن مّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيّظاً وَزَفِيراً}(12) {وَإَذَآ أُلْقُواْ مِنْهَا مَكَاناً ضَيّقاً مّقَرّنِينَ دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً}(13) {لاّ تَدْعُواْ الْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَادْعُواْ ثُبُوراً كَثِيراً} [الفرقان: 11- 14].

ومع ذلك فإن الله سبحانه قد أزاح كل إشكال وأبطل كل شبهة عرضت للذين أنكروا البعث، وكذبوا بلقاء الله؛ ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة، قال الله تعالى: {يَأَيّهَا النّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مّنَ الْبَعْثِ فَإِنّا خَلَقْنَاكُمْ} [الحج: 5] إنا خلقناكم أول مرة؛ فكيف نعجز عن إعادتكم مرة ثانية وأنتم تعلمون دائمًا أن المرة الثانية أهون وأيسر من المرة الأولى، كما قال تعالى: {وَهُوَ الّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الأعْلَىَ فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الروم: 27]، فإن كنتم في ريب من البعث فاعلموا أنا خلقناكم، فلن نعجز عن إعادتكم مرة ثانية كما قال -عز وجل-: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النّشْأَةَ الاُولَىَ فَلَوْلاَ تَذَكّرُونَ} [الواقعة: 62] يعني: فلولا تذكرون فتعلمون أن الذي أنشأكم أول مرة قادر على النشأة الأخرى.

{يَأَيّهَا النّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مّنَ الْبَعْثِ فَإِنّا خَلَقْنَاكُمْ مّن تُرَابٍ ثُمّ مِن نّطْفَةٍ ثُمّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمّ مِن مّضْغَةٍ مّخَلّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلّقَةٍ لّنُبَيّنَ لَكُمْ وَنُقِرّ فِي الأرْحَامِ مَا نَشَآءُ إِلَىَ أَجَلٍ مّسَمّى ثُمّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمّ لِتَبْلُغُوَاْ أَشُدّكُمْ وَمِنكُمْ مّن يُتَوَفّىَ وَمِنكُمْ مّن يُرَدّ إِلَىَ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الأرْضَ هَامِدَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَآءَ اهْتَزّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلّ زَوْجٍ بَهِيجٍ}(5) {ذَلِكَ بِأَنّ اللّهَ هُوَ الْحَقّ وَأَنّهُ يُحْيِـي الْمَوْتَىَ وَأَنّهُ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(6) {وَأَنّ السّاعَةَ آتِيَةٌ لاّ رَيْبَ فِيهَا وَأَنّ اللّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ} [الحج: 5- 7].

وقال سبحانه: {وَقَالُواْ أَإِذَا كُنّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَإِنّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً}(98) {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنّ اللّهَ الّذِي خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ قَادِرٌ عَلَىَ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لاّ رَيْبَ فِيهِ فَأَبَىَ الظّالِمُونَ إَلاّ كُفُوراً}( [الإسراء: 98، 99]، وقال سبحانه: {قَ وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ}(1) {بَلْ عَجِبُوَاْ أَن جَآءَهُمْ مّنذِرٌ مّنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَـَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ}(2) {أَإِذَا مِتْنَا وَكُنّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعُ بَعِيدٌ}(3) {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الأرْضَ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ} [ق: 1- 4]، فلما استبعدوا البعث بعد موتهم وتمزق أجسامهم، واختلاطها بالتراب اختلاطًا يصعب تمييزها في نظرهم، قال تعالى: {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الأرْضَ مِنْهُمْ} أي: من لحومهم وعظائمهم وأشعارهم، وهو على جمعهم إذا يشاء قدير، {أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلّن نّجْمَعَ عِظَامَهُ}(3) {بَلَىَ قَادِرِينَ عَلَىَ أَن نّسَوّيَ بَنَانَهُ} [القيامة: 3، 4].

ولما أقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت، كذبهم الله تعالى وبيَّن لهم الحكمة في البعث بعد الموت فقال -عز وجل-: {وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللّهُ مَن يَمُوتُ بَلَىَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً وَلـَكِنّ أَكْثَرَ الْنّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ}(38) {لِيُبَيّنَ لَهُمُ الّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الّذِينَ كَفَرُواْ أَنّهُمْ كَانُواْ كَاذِبِينَ} [النحل: 38، 39]، وذلك لكمال حكمته -عز وجل- حيث جعل الدنيا دار عمل لا دار جزاء؛ ولقد كان من الناس الصالحون، ومنهم دون ذلك، ومنهم الظالمون ومنهم مظلومون، ومنهم المسلمون ومنهم القاسطون، ومنهم المؤمنون ومنهم الكافرون، والموت يعمّ الجميع {كُلّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ} فلو أهملوا بعد الموت ولم يبعثوا لاستووا، وقد نفى الله تعالى التسوية بينهم فقال: {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاّ يَسْتَوُونَ} [السجدة: 18]، وقال سبحانه: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ}(35) {مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [القلم: 35، 36]، وقال سبحانه: {أَمْ نَجْعَلُ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتّقِينَ كَالْفُجّارِ} [ص: 28].

فحكمة الله إذًا تقتضي أن يرجع الناس إليه ليجزيهم بما كانوا يعملون، ويقضي بينهم فيما كانوا فيه يختلفون، ولذلك قال تعالى: {إِنّكَ مَيّتٌ وَإِنّهُمْ مّيّتُونَ}(30) {ثُمّ إِنّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} [الزمر: 30، 31]، وقال سبحانه: {إِنّ رَبّكَ يَقْضِي بِيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [الجاثية: 17].

هذا وإن للإيمان باليوم الآخر تأثيرًا كبيرًا في سلوك الإنسان وانضباطه، وشتان بين رجلين يؤمن أحدهما بالبعث والحساب والجزاء، ويكفر الآخر بذلك؛ فالثاني ضابطه هواه؛ وقائده شهوته ومركبه لذاته، يفعل ما يشاء من غير خوف من حساب أو جزاء، والأول ضابطه الإيمان وقائده الخوف ومركبه الطاعة، إذا همَّ بسوء تذكر أنه مجزيٌّ به فأقلع عنه، وإذا أقدم على ظلم إنسان تذكر أنه سيقتصّ منه يوم القيامة فرجع عن ظلمه، وقد فرق القرآن الكريم بين الرجلين قال تعالى: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ عَلَىَ أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النّارِ هُمْ خَالِدُونَ}(17) {إِنّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ وَأَقَامَ الصّلاَةَ وَآتَىَ الزّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاّ اللّهَ فَعَسَىَ أُوْلَـَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [التوبة: 17، 18]، وقال سبحانه: {لاَ يَسْتَأْذِنُكَ الّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتّقِينَ}(44) {إِنّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدّدُونَ} [التوبة: 44، 45]، وقال سبحانه: {إِنّ الأبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً}(5) {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللّهِ يُفَجّرُونَهَا تَفْجِيراً}(6) {يُوفُونَ بِالنّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرّهُ مُسْتَطِيراً}(7) {وَيُطْعِمُونَ الطّعَامَ عَلَىَ حُبّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً}(8) {إِنّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً}(9) {إِنّا نَخَافُ مِن رّبّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً}(10) {فَوَقَاهُمُ اللّهُ شَرّ ذَلِكَ الْيَومِ وَلَقّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً} [الإنسان: 5- 11]، وقال تعالى: {كُلّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ}(38) {إِلاّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ}(39) {فِي جَنّاتٍ يَتَسَآءَلُونَ}(40) {عَنِ الْمُجْرِمِينَ}(41) {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ}(42) {قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلّينَ}(43) {وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ}(44) {وَكُنّا نَخُوضُ مَعَ الُخَآئِضِينَ}(45) {وَكُنّا نُكَذّبُ بِيَوْمِ الدّينِ}(46) {حَتّىَ أَتَانَا الْيَقِينُ}(47) {فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشّافِعِينَ}( [المدثر: 38- 47]، وقال تعالى: {أَرَأَيْتَ الّذِي يُكَذّبُ بِالدّينِ}(1) {فَذَلِكَ الّذِي يَدُعّ الْيَتِيمَ}(2) {وَلاَ يَحُضّ عَلَىَ طَعَامِ الْمِسْكِينِ} [الماعون: 1- 3].

فهنيئًا لمن أيقن بلقاء الله واستعد له، والويل كل الويل لمن كذب بلقاء الله ولم يستعد له، قال الله تعالى: {إَنّ الّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدّنْيَا وَاطْمَأَنّواْ بِهَا وَالّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ}(7) {أُوْلَـَئِكَ مَأْوَاهُمُ النّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ}(8) {إِنّ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأنْهَارُ فِي جَنّاتِ النّعِيمِ}(9) {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللّهُمّ وَتَحِيّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ للّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ} [يونس: 7- 10].

error: النص محمي !!