Top
Image Alt

الزيادة على النص: أقسامها، وآراء العلماء فيها

  /  الزيادة على النص: أقسامها، وآراء العلماء فيها

الزيادة على النص: أقسامها، وآراء العلماء فيها

أقسام الزيادة على النص:

“الزيادة على النص” هل هي نسخ أو لا؟

المراد بالنص إذا أطلق عند الأصوليين الكتاب والسنة. والزيادة أن نزيد شيئًا على هذا النص، فالأصوليون يعنون بعنوان الزيادة على النص، أن يوجد نص شرعي يفيد حكمًا، فالشارع الحكيم قد أنزل نصًّا، وهذا النص يفيد الحكم، ثم يأتي نصٌّ آخر، أو ما في حكمه في إفادة الحكم الشرعي، فيزيد على ما أفاده النص الأول، ويضيف إليه زيادة لم يتضمنها النص الأول.

بمعنى آخر: عندي نص أفاد حكما شرعيًّا، ثم جاء نص آخر، وزاد على النص الأول حكمًا آخر، فهل هذه الزيادة على النص نسخ أو لا؟

ولكن لا بد أن نحدد بعض المصطلحات حتى تفهموا المسألة فهمًا جيدًا، ما تضمنه النص الأول، لنا أن نصطلح على تسميته بالمزيد عليه، وما تضمنه النص الثاني لنا أن نصطلح على تسميته بالمزيد.

فعندي مزيد ومزيد عليه، النص الأول هو المزيد عليه؛ لأنه أفاد حكمًا شرعيًّا. والنص الثاني هو المزيد؛ لأنه أضاف حكمًا آخر على مفاد النص الأول، فهل هذه الزيادة تكون نسخًا أو لا؟ نقول:

الزيادة على النص إما أن تكون زيادة مستقلة بنفسها أو لا تكون، بمعنى أن الشارع يزيد عبادة مستقلة على عبادة أخرى، وبالمثال يتضح المقال: هب أن الشارع الحكيم بعد أن فرض فريضة الصلاة، أوجب بعد ذلك فريضة الزكاة، فالزكاة عبادة مستقلة يعني عن الصلاة، وفي الوقت نفسه هي ليست من جنس الصلاة؛ لذلك العلماء يقولون: الزيادة على النص إما أن تكون مستقلة بنفسها أو لا؟ فإن كانت الزيادة مستقلة بنفسها فلها صور:

إما أن تكون من جنس المزيد عليه، ومثال ذلك: زيادة وجوب الزكاة على الصلاة، فالزكاة -كما قلت لكم- ليست من جنس الصلاة، فهل تكون الزيادة في هذه الحالة نسخًا أو لا تكون؟

وعبارة ابن قدامة -رحمه الله- يقول: والزيادة على النص ليست بنسخ.

مراتب الزيادة على النص:

والحق أن الزيادة على النص -كما قلت لكم- لها مراتب:

المرتبة الأولى:

أن تكون الزيادة من غير جنس المزيد عليه، كما مثلت لكم الآن وجوب الزكاة بعد وجوب الصلاة. وهذه اتفق أهل العلم على أنها لا تكون نسخًا.

فإذا كانت الزيادة مستقلة بنفسها فإما أن تكون من غير جنس المزيد عليه، وذلك كزيادة الزكاة أعني وجوب الزكاة على الصلاة؛ فهذه الزيادة ليست نسخًا بلا خلاف.

قال الرازي -رحمه الله- وهو يحكي هذا الإجماع وعدم الاختلاف: اتفق العلماء على أن زيادة عبادة على العبادات لا يكون نسخًا للعبادات.

وقال الشوكاني: ومعلوم أنه لا يخالف في مثل هذا أحد من أهل الإسلام لعدم التنافي. يعني لعدم تنافي الصلاة مع الزكاة.

فالآن عندي زيادة هي وجوب الزكاة على وجوب الصلاة، والزيادة الآن من غير جنس المزيد عليه، وفي هذه الحالة اتفق أهل العلم على أن هذه الزيادة ليست نسخًا.

قال ابن قدامة -رحمه الله-: لا نعلم فيه خلافًا؛ لأن النسخ رفع الحكم وتبديله، ولم يتغير حكم المزيد عليه، بل بقي وجوبه وإجزاؤه.

ومعنى هذا الكلام: أننا لما أوجبنا الزكاة بعد وجوب الصلاة، النسخ، رفع الحكم أو تبديل الحكم، فهل تغير حكم المزيد عليه، يعني حكم الصلاة لما زدنا عليه حكم الزكاة هل تغير حكم الصلاة لم يتغير حكم الصلاة، بل بقي وجوب الصلاة كما هو، وبقي إجزاء الصلاة كما هو، وعليه فلا تكون الزيادة نسخًا.

وهذه هي الصورة الأولى أو هي المرتبة الأولى كما عبر عنها ابن قدامة -رحمه الله- حيث قال: وهي على ثلاث مراتب؛ إحداها: أن لا تتعلق الزيادة بالمزيد عليه، كما إذا أوجب الصلاة ثم أوجب الصوم.

فمثل ابن قدامة بوجوب الصوم بعد وجوب الصلاة، ومثلت لكم بوجوب الزكاة بعد وجوب الصلاة.

فهذه اتفق أهل العلم على حكمها. لماذا؟ قلت لكم: لأن المزيد عليه لم يرتفع ولم يتغير.

المرتبة الثانية:

وإما أن تكون الزيادة من جنس المزيد عليه -وهذه الصورة الثانية- أن تكون الزيادة يعني زيادة العبادة من جنس المزيد عليه، قال: هات مثالًا. قلنا: المثال: كزيادة الصلاة على الصلوات الخمس، فهب أن الصلوات الخمس زيد عليها صلاة سادسة، فالآن الصلاة السادسة المزيدة هي في الواقع ونفس الأمر من جنس الصلاة، فهل تكون الزيادة في هذه الحالة نسخًا أو لا تكون نسخًا؟

اختلف أهل العلم في ذلك على مذهبين:

الأول: وهو مذهب جمهور العلماء قالوا: إن الزيادة إذا كانت من جنس المزيد عليه، كزيادة الصلاة على الصلوات الخمس، فهذه الزيادة أيضًا ليست نسخًا. هذا مذهب الجمهور.

الثاني: وذهب أهل العراق من الحنفية إلى أن هذه الزيادة تكون نسخًا لحكم المزيد عليه.

فالجمهور يرون أن الزيادة إذا كانت من جنس المزيد عليه لا تكون نسخًا فلو زدنا الصلاة على الصلوات الخمس فهذا ليس معناها النسخ.

أما فقهاء الحنفية العراقيين قالوا: هذه الزيادة يعني زيادة الصلاة السادسة على الصلوات الخمس تكون نسخًا لحكم المزيد عليه.

والزيادة ليست رفعًا؛ يعني زيادة الصلاة السادسة على الصلوات الخمس ليست رفعًا، لم ترفع حكم الصلاة الصلوات الخمس، وإنما هي ضم وإلحاق، فغاية ما حصل أننا ضممنا صلاة إلى الصلوات الخمس، فالنسخ هو رفع وإزالة، أو نقل وتحويل، والزيادة في هذه الصورة هي ضم وإلحاق، والنسخ -عند الفقهاء والأصوليين كما عرفناه-: رفع الحكم الثابت على وجه التراخي، أو رفع مثل الحكم الثابت.

والزيادة ليست رفعًا للحكم، ولا رفعًا لمثل الحكم، فلا تكون نسخًا؛ لانتفاء حقيقة النسخ. تلك وجهة نظر جمهور العلماء في أن الزيادة ليست نسخًا.

أما وجهة نظر المخالف وهم أهل العراق من الحنفية في أن الزيادة يعني زيادة الصلاة على الصلوات الخمس هي نسخ، قالوا: لأن زيادة الصلاة على الصلوات الخمس يغير الصلاة الوسطى، الله تعالى يقول: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] فلو زدنا صلاة على الصلوات الخمس تغيرت الصلاة الوسطى، فيرتفع وجوبها المستفاد من الآية الكريمة: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] وعلى ذلك يتحقق النسخ بتلك الزيادة.

هذه وجهة نظر علماء الحنفية العراقيين في أن الزيادة تعتبر نسخًا؛ لأن هذه الزيادة غيرت الصلاة الوسطى، ورفعت وجوبها المستفاد من الآية الكريمة: { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238].

وقد أبطل الجمهور وجهة نظر المخالف من ثلاثة أوجه:

فالحنفية من العراقيين يرون أن الزيادة في الصورة الثانية إذا كانت من جنس المزيد عليه تكون نسخًا، واحتجوا في ذلك بأن هذه الزيادة تغير الصلاة الوسطى الواردة في قوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238]

والجمهور ناقش هذه الوجهة من ثلاثة أوجه:

الوجه الأول: قالوا: إن هذه الزيادة أعني زيادة الصلاة على الصلوات الخمس إنما رفعت كون الوسطى وسطى فقط، يعني غاية ما أفادته الزيادة أنها رفعت كون الوسطى وسطى، يعني لم تجعل الوسطى في الواقع ونفس الأمر وسطى، وكونها وسطى ليس حكمًا شرعيًّا، والنسخ إنما يكون نسخًا للحكم الشرعي.

وإنما أمر حقيقي يرجع إلى الواقع ونفس الأمر، فلا يكون رفعه نسخًا.

وأما وجوب ما تصدق عليه الوسطى من كونها عصرًا أو غيرها فلم يرتفع؛ لأن الله تعالى لما قال: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] فهناك صلاة وسطى في الواقع ونفس الأمر يعلمها الله -تبارك وتعالى-، فلو زيدت صلاة فهي لا ترفع هذا الحكم الشرعي، وغاية ما تفعله الزيادة أنها رفعت كون الوسطى وسطى، ولذلك الله تبارك وتعالى لما قال: { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] كانت الصلاة الوسطى عند الله تعالى معلومة في الواقع ونفس الأمر، والزيادة رفعت كون الوسطى وسطى، وهذا ليس حكمًا شرعيًّا، ومعلوم ومقرر أن النسخ إنما يكون لرفع الحكم الشرعي.

الوجه الثاني: الذي أجاب به الجمهور على دليل الحنفية العراقيين في أن الزيادة تعتبر نسخًا؛ لأن الزيادة غيرت الصلاة الوسطى، قالوا: إن الوسطى ليس المراد بها المتوسط في العدد. كأن الجمهور يقول للحنفية: أنتم فهمتم أن الوسطى وسطى في العدد، والجمهور يقول: الوسطى ليست الوسطى في العدد، بل المراد بالوسطى الصلاة الفاصلة، ولو سلمنا أن المراد بها المتوسطة في العدد، لم تكن تلك الزيادة مخرجة لها عن كونها مما يحافظ عليه.

يعني: ولو سلمنا أنها الوسطى في العدد والله تعالى قال: { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] فهل رفعنا الأمر بالمحافظة عليها، أبدًا، لم نرفع الأمر بالمحافظة عليه، والمطلوب من الآية هو المحافظة عليه، سواء كانت وسطى في العدد أو الوسطى في الفضل أو في الفصل أو غير ذلك فقد علم توسطها بالآية، وصارت مستحقة لذلك الوصف، وهو كونها وسطى، وإن خرجت عن كونها وسطى يعني في العدد.

الوجه الثالث: فقال الجمهور: لو زيدت عبادة على العبادة الأخيرة، هب أن الصلوات الخمس زدنا عبادة فصارت ستًّا، فزدنا عبادة بعد ذلك، فصارت سبعًا، فزيادة عبادة على العبادة الآخرة تكون مزيدة، أو زيادة للعبادة الأخيرة، وتجعل التي كانت أخيرة غير أخيرة، وهو خلاف الإجماع.

ولهذا نقلوا عن القاضي عبد الجبار قوله: ويلزمهم يعني فقهاء الحنفية العراقيين زيادة عبادة على العبادة الأخيرة؛ لأن هذه المزيدة تصير أخيرة، وتجعل تلك التي كانت أخيرة غير أخيرة، وهو خلاف الإجماع.

وألزم الإمام الرازي الحنفية العراقيين، وألزمهم بأنه لو كان عدد كل الواجبات قبل الزيادة عشرًا، فبعد زيادة لا يبقى ذلك العدد، فيكون نسخًا، وهو خلاف الإجماع، بل العشرة تبقى واجبة.

هذا حاصل ما يقال في المرتبة الثانية، وهي أن تتعلق الزيادة بالمزيد عليه، وتكون من جنس المزيد عليه، كما مثلنا بزيادة الصلاة على الصلوات.

المرتبة الثالثة:

أما إذا كانت الزيادة المستقلة ليست من جنس المزيد عليه فقد عرفنا حكمها في أول الأمر، وإن لم تكن الزيادة مستقلة.

المرتبة التي بعد ذلك: هي إن لم تكن الزيادة مستقلة يعني الزيادة التي سنزيدها الآن زيادة غير مستقلة، وذكروا أنها -أي: الزيادة غير المستقلة- إما أن تكون جزءًا، يعني نزيد جزءًا ولا نزيد عبادة مستقلة، ومثلوا لذلك بزيادة ركعة على ركعتي الفجر، يعني: هب أن الشارع زاد ركعة على ركعتي الفجر. معلوم أن ركعتي الفجر أو أن صلاة الفجر ركعتان، فلو زدنا ركعة فما موقع هذه الركعة؟ هل هي عبادة مستقلة؟ أو هي جزء عبادة؟ فالركعة جزء عبادة، فلو زدنا جزء عبادة كزيادة ركعة على ركعتي الفجر، أو زدنا التغريب على الجلد في حد الزنا لغير المحصن، هو الجلد فزدنا جزءًا وهو التغريب يعني يجلد ويغرب عن بلده عامًا.

ما ذكرناه كان الزيادة أو مثالًا لزيادة الجزء، كما مثلنا بزيادة الركعة على ركعتي الفجر، وزيادة التغريب أي: تغريب الزاني عن بلده وموطنه الذي وقعت منه فيه الفاحشة، زدنا التغريب على الجلد، من المقرر أن الزاني يجلد مائة جلدة { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] فلو زدنا على الجلد جزءًا آخر وهو التغريب يعني يجلد ويغرب، فمن أي أنواع الزيادة هذه؟ زيادة جزئية.

وقد تكون الزيادة شرطًا يعني زيادة تأتي في صورة شرط -وهو ما يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم- وقد بينا ذلك.

مثال ذلك: ما لو زاد الشارع الحكيم الطهارة في الطواف، يعني الطواف عبادة، فلو زاد الشارع الطهارة على الطواف، فهذا جزء مزيد، لكن هذا الجزء في صورة الشرط؛ لذلك العلماء يقولون: الزيادة إما زيادة جزء أو زيادة شرط.

ومثال زيادة الشرط -كما ذكرت- اشتراط الطهارة في الطواف.

مثال آخر: اشتراط قيد الإيمان في عتق الرقبة في كفارة اليمين والظهار. كفارة اليمين وكفارة الظهار عتق الرقبة فيها جاء مطلقًا، يعني غير مقيد بوصف إما كفارة القتل فجاءت الرقبة فيها مقيدة بالإيمان، فهب أننا زدنا شرطًا وهو قيد الإيمان في عتق الرقبة في كفارة اليمين، والظهار، بالقياس على كفارة القتل، أو بزيادة ما يرفع مفهوم المخالفة، هذا مثال آخر للزيادة، وهو زيادة ما يرفع مفهوم المخالفة.

عندي مفهوم موافقة ومفهوم مخالفة، وبالمثال يتضح المقال: لو قال مثلًا: “في المعلوفة زكاة” المعلوفة أي: التي تعلف وتأكل بالعلف وبالأجر فيها زكاة، لو قال هذا بعد قوله: “في السائمة زكاة” معناه: أن الزكاة إنما تجب في السائمة، يعني التي ترعى بدون أجر، تسوم. وقوله: “في المعلوفة زكاة”.

هذا، مفهوم آخر رفع هذه الزيادة أو زيادة ما يرفع مفهوم المخالفة، فما حكم هذه الزيادة؟ هل تكون نسخًا أو لا؟ أعني: زيادة الجزء كزيادة ركعة على ركعتي الفجر، وزيادة التغريب على الجلد في حد الزنا، أو زيادة شرط كاشتراط الطهارة في الطواف، أو زيادة ما يرفع مفهوم المخالفة، كما لو قال في المعلوفة زكاة بعد قوله: في السائمة زكاة، فهل هذه الزيادة تكون نسخًا أو لا تكون نسخًا؟ اختلف أهل العلم في ذلك على مذاهب كثيرة.

وقد ذكر أهل العلم أن الزيادة قد تتعلق بالمزيد عليه، وتكون شرطًا فيه، ومثلوا لذلك بزيادة النية في الطهارة.

وهذه الزيادة ذهب الحنفية وبعض الشافعية إلى أنها نسخ، محتجين بأن حكم المزيد عليه من الإجزاء وحده قد ارتفع.

وذهب الجمهور إلى أنه ليس بنسخ؛ لأن النسخ رفع حكم الخطاب بمجموعه، والخطاب الأول اقتضى الوجوب والإجزاء، والذي ارتفع هنا هو الإجزاء فقط، لكن الوجوب باقٍ بحاله، فليس بنسخ، بل هو كرفع المفهوم، وتخصيص العموم، وكل منهما لا يسمى نسخًا.

error: النص محمي !!