السلم، وحكمه، وأركانه
السلم في لغة العرب: مثل السلف وزنًا ومعنًى، تقول: أسلمتُ إليك بمعنى: أسلفت إليك، وسُمِّي سلمًا؛ لِمَا فيه من تسليم رأس المال في المجلس، كما سمي سلفًا؛ لتسليف رأس المال؛ أي: تقديمه على المسلم فيه.
واصطلاحًا: عَقْد على موصوف في الذمة -إذا كان ينضبط بالوصف- إلى أجل معلوم بثمن مقبوض في مجلس العقد.
مثال: أنا أريد عشرة أرادب من القمح، ولا يوجد في السوق قمح كثير، فمن الممكن أن أتعاقد على عشرة أرادب من القمح، فأدفع ثمنها لتاجر أو لمزارع، الآن في مجلس العقد، على أن يسلمني في شهر كذا، القمح بعشرة أرادب في المكان كذا؛ فهذا اسمه سلم أو سلف.
وهو جائز بالإجماع، وقيل: متفق عليه، يعني: ليس هناك إجماع وإنما فيه اتفاق، إلا ما روي عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه أنه كان لا يرى العمل به؛ لأنه بيع شيء غير موجود، أو بيع معدوم، كما فهم ذلك بعض الفقهاء فيما بعد، وقالوا: إن السلم بهذه الصفة مخالف للقياس، وسعيد بن المسيب، في رفضه هذا محجوج بالآية الواردة في حِله، ومحجوج بالأدلة الأخرى الثابتة من السنة.
ودليل مشروعيته من الكتاب قولُه تعالى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوَاْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىَ أَجَلٍ مّسَمّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282] قال أبو بكر الجصاص -أحد علماء الحنفية-: “فهذا جائز في ديْن السلم وفي الصرف، إلا أن ذلك مقصور على المجلس، ولا يمتنع أن يكون ذلك -يعني: السلم- مرادًا بالآية.
يعني: يريد أن يقول: إن السلم نوع من أنواع الدَّين؛ لأن طرفًا يدفع ثمن السلعة، فيستقر هذا الثمن دَيْنًا في ذمة مَن استلمه، وهو نوع من أنواع الدين، والآية في عموم الدين: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوَاْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ}، أي: بدين ما، ولأن التأجيل في أحد البدلين -وهو المسلم فيه- جعله دينًا، وقد أمر الله تعالى بالإشهاد على عقدِ مداينةٍ موجبٍ لدين مؤجل.
يعني: في سياق الآية، طلب الله تعالى الإشهادَ من باب التوثيق أيضًا، وقد روى قتادة، عن أبي حسان، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “أشهد أن السلم المؤجل في كتاب الله: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوَاْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىَ أَجَلٍ مّسَمّى فَاكْتُبُوهُ}”. فابن عباس، أخبر أن السلم المؤجل مما انضوى تحت عموم الآية، يعني: يدخل تحت العموم الوارد في قوله: {إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ}.
ومن السنة: ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((قدِمَ النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنةَ والسنتين، فقال: مَن أسلفَ فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم)) رواه الجماعة.
ووجه الدلالة: أن ابن عباس رضي الله عنهما يحكي لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لَمَّا قدم المدينة المنورة، وجد أهلَها يتعاملون بالسلم، فيسلفون في الثمار، يعني: يدفع الواحد ثمن الثمار قبل أوان جذاذها، ثم بعد ذلك يختلفون، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من أسلف فليسلف في كيل معلوم…))، إلى آخر الحديث، يعني: بين لهم كيف يكون السلم الصحيح، ولم ينههم عن مطلق السلم، بل نظمه وضبطه، فقال: ((فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم))؛ لأن القدر، والأجل، والثمنَ، هو الذي يثير النزاع.
حكمة مشروعية السلم:
هي الرفق بالمتعاقدين: البائع والمشتري، المسلم والمسلم إليه؛ لأن أصحاب الحرف قد يحتاجون للإنفاق على حرفهم من الغلال ونحوها ولا مالَ عندهم، يعني: فلاح عندما يزرع الأرض يحتاج أثناء زراعتها إلى مال ينفقه عليها، كذلك أرباب الحرف الصناعية، يحتاجون إلى مالٍ أثناءَ إنتاجهم لهذه الحرف، وأرباب الأموال إذا اشتروا هذه الأشياء عن طريق السلم قبل إنتاجها، فإنهم يشترونها رخيصة الثمن، فيستفيد المنتج، ويستفيد التاجر أيضًا، ويجوز ذلك؛ رفقًا بالجميع، وتحقيقًا لمصالحهم، ورفعًا للحرج عنهم.
وأركان السلم خمسة:
– المسلِم: وهو المشتري الذي يسلم الثمن؛ لأنه يسلم الثمن في مجلس العقد.
– والمسلم إليه: أي: البائع وسمي بذلك؛ لأنه يتسلم الثمنَ وتصبح السلعة في ذمته، يَعِد بتسليمها بأوصافها ومقاديرها المحددة.
– والمسلَم: وهو رأس المال، أي: الذي دفعه المسلم، إلى المسلم إليه، أي: الثمن المدفوع مقدمًا لشراء السلعة الموصوفة في الذمة.
– والمسلم فيه: وهو السلعة ذات المواصفات المحددة، والشروط المعينة، الخالية من أيِّ جَهالة تؤدي إلى النزاع.
– والصيغة: التي يتم بها العقد سواء أكانت لفظيةً أم إشارية أم كتابية، أم بأية وسيله أخرى مفهمة عرفًا، كالوسائل الحديثة التي انتشرت الآن في كل مكان.