الشبهة الأولى والرد عليها
وهذه الشبهة مثارة من المعتزلة، ومن الروافض، ومن المستشرقين ومن العلمانيين حديثًا.
يقولون: كيف يكون أبو هريرة أكثر الصحابة رواية، مع أنه من المتأخرين في هجرته للنبي صلى الله عليه وسلم؟
الجواب: يقول الذهبي -رحمه الله- في (السير): وكان حفظ أبي هريرة الخارق من معجزات النبوة، فهذا تعبير الذهبي -رحمه الله- في (السير)، وهو يترجم للصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه.
ما دلالة كلمة الذهبي؟
يعد حفظ أبي هريرة حفظًا خارقًا للعادة، ويعد ذلك من معجزات النبوة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له بقوة الحفظ، فلم يستودع قلبه شيئًا ونسيه بعد هذه الدعوة أبدًا.
وأيضًا لأن النبي صلى الله عليه وسلم شهد له باهتمامه الشديد، والحرص الزائد على معرفة الحديث النبوي، والعبارات في هذا كثيرة.
ونحن نقلنا عن كثير من العلماء شهاداتهم المتعددة في حقّ أبي هريرة رضي الله عنه؛ من الصحابة، ومن التابعين، ومن علماء الأمة على مرِّ القرون.
وقد اختبره مروان بن الحكم، وهذه القصة ذكرتها كل المصادر التي ترجمت لأبي هريرة، وهي: أن كاتب مروان بن الحكم أمير المدينة، قال: “إن مروان دعا أبا هريرة، فأقعدني خلف السرير وجعل يسأله، وجعلت أكتب حتى إذا كان عند رأس الحول دعا به فأقعده وراء الحجاب، فجعل يسأله عن ذلك؛ فما زاد ولا نقص، ولا قدم ولا أخر”.
ويعلق الذهبي على ذلك أيضًا فيقول: “هكذا فليكن الحفظ”، أي: على هذا المنوال، وتلك الشاكلة.
وشهد له طلحة بن عبيد الله، وهو من العشرة المبشرين، وذكرنا شهادته.
يعني: إذًا قوة حفظه لا جدال فيها أبدًا، إذ الكل مجمع عليها، ومؤكد أن هذا الحفظ إنما هو من فضل الله -تبارك وتعالى- عليه، ثم بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم له، وهذا ما جعل الذهبي وغيره يعد هذا الحفظ من معجزات النبوة.