Top
Image Alt

الشرط الخامس، والسادس، الموجب للقطع

  /  الشرط الخامس، والسادس، الموجب للقطع

الشرط الخامس، والسادس، الموجب للقطع

أما الشرط الخامس، الموجب للقطع: فيكمن في أن تكون هناك دعوى، أو خصومة يقيمها مالك المسروق، أي: لا بد أن ترفع دعوى إلى الجهات المختصة من قِبل مالك المال المسروق، يطالب فيها المالك تلك الجهات المختصة بتضمين المتهم بالسرقة، وللحاكم أو للجهات المختصة بعد ذلك أن تقيم على السارق الحد متى استبان لها أصول السرقة على الكمال.

وتأسيسًا على هذا الشرط، نقول:

أنه لو اعترف شخص بالسرقة، أو قامت عليه بينة بالسرقة، فلا يقطع إلا أن يأتي المالك ويدعي المسروق ويرفع الأمر إلى الجهة المختصة، وهذا قول قال به فقهاء الحنفية، والشافعية، والحنابلة.

ولكن ما وجه هذا القول؟

ووجه هذا القول: أن المال يباح بالبذل والإباحة، أي: بالدفع إلى الغير وإباحة الانتفاع به، فكل مَن ملك حقًّا من الحقوق، أيًّا كان هذا الحق مالًا، أو غيرَ مالٍ، وهو صاحب القرار فيه، له أن يبيحه ويعطيه للغير، وله أن يتمسك به؛ ونظرًا لأن المال يُباح بالبذل، والإباحة، ومن المحتمل أن يكون مالك المال قد أباحه للذي أخذه، أي: قد أباحه للمتهم بالسرقة، أو أن يكون مالك المال قد وقفه على المسلمين، وهو واحد منهم، أو قد أذِن له في دخول حرزه، مثل هذه الاحتمالات تعتبر شبهةً يُدرأ بها الحد، وعلى ذلك لا ينبغي أن يقام الحدُّ في تلك الحالة على السارق، إلا بعد المطالبة من صاحب المال.

الشرط السادس: إمكانية ادِّخار المسروق، ولعل هذا الشرط، أبرز وأشهر ما قال به فقهاء الحنفية، حيث قالوا: يخرج بهذا الشرط -وهو إمكانية ادخار المسروق- الأشياء التي لا تحتمل الادخار، والأشياءُ التي لا تبقَى من سنة إلى سنة، بل يتسارع إليها الفساد كسرقة الطعام، والفواكه الرطبة، فهذه أشياء لا يمكن ادخارها في نظر فقهاء الحنفية، ومن ثم قالوا: لا قطعَ في سرقة الطعام الرطب، والفواكه الرطبة؛ لأن مثل هذه الأشياء لا تحتمل الادخار، والإمساك إلى زمان حدوث الحوائج في المستقبل، ومن ثم فهي بذلك تافهة عند الناس.

حتى إنهم قالوا أيضًا: لو سرق الشخص تمرًا من نخل فلا قطعَ عليه، حتى وإن كان النخل محوطًا بحائط لإحرازه؛ لأن الثمر على رأس النخل لا يعد مالًا، ومن ثم فإنه ما دام الثمر على رأس الشجر فإن جفافَه غيرُ تامٍ، ومن ثم فيتسارع إليه الفساد.

إذن إمكانية ادخار المسروق غير متوافر في تلك الحالة، أما لو جف الثمر، ثم جُعل في الجرين فسرقه سارق بعد الجفاف، هنا يجب القطع.

هذا هو كلام الحنفية، لكن وجدنا من الحنفية أيضًا من قال بغير ذلك كالإمام أبي يوسف، حيث حكي عنه أنه قال: بقطع السارق الذي قام بسرقة شيء غير مدخر، أو لا يمكن ادخاره؛ لأن المال حتى ولو لم يكن فيه إمكانية الادخار والاحتفاظ به إلى أيام، إلا أنه مال ينتفع به حقيقةً، ومال يباح الانتفاع به شرعًا، وما يلحق بغير المدخرات مما يتسارع إليه الفساد كاللحم الطري، والسمك، واللبن، فإن هذه الأطعمة لا يمكن ادخارُها؛ لسرعة الفساد.

هذا هو كلام الحنفية، ولعل فقهاء الحنفية عندما تحدثوا عن هذا الشرط -وهو إمكانية ادخار المسروق- كان مناسبًا لزمنهم.

لكن لا نرى ذلك في غير الظروف السابقة، أي: في الظروف الحالية؛ حيث تبدل فيها الحال فيما يتعلق بصيانة الفواكه وحفظها من التلف والفساد، وذلك بالنظر للتقدم العلمي المنظور، وبخاصة في هذه المجالات، ومن ثم فإننا نقول: يمكن حفظ جميع الأطعمة ،حتى ولو كانت في نظر فقهاء الحنفية في الأزمان السابقة غير قابلة للادخار؛ لأنها أصبحت في زماننا قابلة للادخار، ولا يتسارع إليها الفساد؛ حيث وجدنا المبردات التي تحتفظ بالأطعمة لشهور، وربما إلى سنة أو لأكثر من سنة، الأمر الذي يجعلنا نميل إلى ترجيح وجوب القتل على سارق الأطعمة كيفما كانت، ما دامت بالغة للنصاب، وكانت في حرز، وهو قول الجمهور من علماء المسلمين.

error: النص محمي !!