الشرط والمانع
الشّرْط لغة: إلزام الشّيْْء، والتزامه، وجمْعه: شروط.
وبالفَتْح: العلامة، سُمِّيَ بذلك؛ لأنه علامة على المشروط، ومنه قوله تعالى: {فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} [محمد: 18]، أي: علاماتها، وجمعه: أشراط.
الشّرْط اصطلاحًا: ما يلْزم من عدَمه العدم، ولا يلزم مِن وجوده وجود ولا عدم لذاته، وكان خارجًا عن الماهيّة.
ومثال الشّرْط: الإحصان: شرْط في وجوب الرَّجْم، والحوْل: شرْط في وجوب الزّكاة.
شرْح التّعريف:
“ما يلزم مِن عدمه العدم”: احتراز مِن المانع؛ لأنه لا يلزم مِن عدمه وجود ولا عدَم.
“ولا يلزم مِن وجوده وجود ولا عدَم”: احتراز مِن السّبب؛ لأنه يلزم مِن وجوده الوجود لذاته، وكذلك احتراز مِن المانع؛ لأنه يلزم مِن وجوده العدَم.
فالطهارة بالنّسبة للصلاة: لا يلزم مِن وجودها وجود الصلاة ولا عدمها؛ لأنّ المُتطهِّر قد يُصلّي، وقد لا يُصلّي، بخلاف عدَم الطّهارة، فإنّه يلزم مِنه عدَم الصلاة الشّرعيّة.
“لذاته”: احتراز ممّا لو قارن الشّرط وجودُ السّبب؛ فيلزم حينئذٍ الوجود، لكن لا لِذاته، بل لأمْر خارج، وهو: مقارنة السّبب، وكذلك احتراز ممّا لو قارن الشّرط قيام المانع؛ فيلزم حينئذٍ العدَم، لكن لا لذاته -وهو: كوْنه شرطًا- بل لأمر خارج، وهو: قيام المانع.
“وكان خارجًا عن الماهيّة”: احتراز مِن الرّكن؛ لأنه داخل في حقيقة الشيء.
ومِن تعاريف الشّرْط: أنه عبارة عن وصْف ظاهر منضبط، دلّ الدّليل السّمعيّ على انتفاء الحُكم عند انتفائه.
أقسام الشَّرْط:
أولًا: ينقسم باعتبار العلاقة مع المشروط، إلى أربعة أقسام:
- شرط عقْليّ، كالحياة للعِلْم.
- شرط شرعيّ، كالطّهارة للصّلاة، وهو مقصود بحث علماء الشّريعة.
- شرط لغوي، كقول الرّجل لامرأته: “إن دخلْتِ الدّار فأنتِ طالق!”.
- شرط عاديّ، كالغذاء للحيوان.
ثانيًا: ينقسم مِن حيث ارتباطه بالسّبب والمسبّب، أو مِن حيث تكميله للسّبب والمسبّب إلى قسميْن:
- شَرْط مُكمِّل للسّبب، وهو ما كان مقوِّيًا لمعنى السّببيّة، كحَوَلان الحوْل؛ فإنه شرْط مكمّل لملكيّة النّصاب التي هي: سبب لوجوب الزكاة.
- شَرْط مُكمِّل للمسبّب، وهو الذي يُقوّي حقيقة المسبَّب ورُكنه، كالطهارة، فإنها شرط مكمِّل للصلاة التي تجب بدخول وقتها.
ثالثًا: ينقسم الشّرْط باعتبار تعلّقه بالمكلّف وفِعْله إلى ثلاثة أقسام:
- شرْط وجوب: وهو ما يكون الإنسان به مُكلَّفًا، كدخول الوقت، وبلوغ الدّعوة، ونحو ذلك…
وشروط الوجوب لا يُطالب المُكلَّف بتحصيله، كان في استطاعته أمْ لا.
- شرْط أداء: وهو ما يكون الإنسان به متمكِّنًا مِن الفِعْل.
فمثلًا: النائم والغافل غيْر مكلَّفَيْن بأداء الصلاة، مع وجوبها عليهما؛ فالتّمكّن هنا: شَرْط في الأداء فقط.
فكلّ ما هو شرْط في الوجوب يُعَدّ شرْطًا في الأداء، ويزيد شرط الأداء بالتّمكّن مِن الفعْل.
- شرْط صحّة: وهو ما اعتُبر للاعتداد بفعْل الشيء، طاعة كان أو غيرها، كالطهارة للصلاة، واستقبال القِبْلة.
والفَرْق بيْن شرْط الوجوب وشرْط الصّحّة هو عيْن الفَرْق بين خطاب الوضْع وخطاب التّكليف؛ لأنّ شرط الوجوب مِن خطاب الوضع، وشرْط الصّحّة مِن خطاب التّكليف.
الفَرْق بيْن الشّرْط، وبيْن كُلٍّ مِن السّبب والرّكن:
الفَرْق بيْن السّبب والشَّرْط:
يتّفقان في حالة العدَم؛ فعدَم كلٍّ منهما يَستلْزم عدَم الشيء الذي جُعل سببًا أو شرطًا.
ويختلفان من ثلاثة أوْجه:
- مِن حيْث التّأثير في الحُكم: فالسّبب يؤثّر مِن جهة الوجود والعدم، خلافًا للشّرط؛ فإنّه يؤثِّر مِن جهة العدَم فقط.
- مِن حيْث المُناسبة: فإنّ السّبب مناسبٌ للحُكم في ذاته، خلافًا للشّرْط، فإنّ مناسبته في غيْره.
- مِن حيث الاتّصال بالحُكم: فإنّ الشّرط مُقارِن له، خلافًا للسّبب؛ فإنه قد لا يلازمه دائمًا، بل قد يتخلّف عنه ويتأخّر.
الفَرْق بيْن الرّكن والشّرط:
يتّفق كلّ مِن الرّكن والشّرْط في: أنهما يتوقّف عليهما وجود الحُكم، وأنّ عدَم كُلٍّ منهما يستلزم عدَم الشيء الذي جُعل ركنًا أو شرطًا له.
والفَرْق بينهما: أنّ الرّكن جزء مِن ماهيّة الشيء وحقيقته، والشّرْط خارج عن حقيقة الشّيء، وليس جزءًا منه.
فحصول خلَل في الرّكن يكون خللًا في ماهيّة الشيء وحقيقته، ويكون حُكْم ذلك الشيء: البطلان. أمّا حصول خلّل في شرْط مِن الشّروط، فإنّه يكون خللًا في أمْر خارج عن حقيقة الشيء، وتكون الحقيقة والماهيّة موجودة، ولكن لا يترتّب عليها أثرها الشّرعيّ، لانتفاء الشّرط.
المانِع لغة: الحائل بيْن الشّيْئيْن.
المانِع اصطلاحًا: ما يَلزم مِن وجوده العدم، ولا يلزم مِن عدَمه وجود ولا عدم لذاته.
شرْح التّعريف:
“ما يلزم مِن وجوده العدَم”: احتراز مِن السّبب؛ لأنه يلزم مِن وجوده الوجود.
ولا يلزم مِن عدَمه وجود ولا عدم: احتراز مِن الشّرط؛ فإنّه يلزم مِن عدَمه العدَم.
“لذاته”: احتراز مِن مقارنة عدَم وجود المانع السَّببَ، فحينئذٍ يلزم الوجود، لكن ليس لعدم المانع ذاته، بل لوجود السبب، وكذلك احتراز مِن مقارنة عدم المانع عدمَ الشرط؛ فإنه يلزم العدم، لكن ليس ذلك لِعدَم المانع ذاته، بل لعَدَم الشّرْط.
وعرّفه ابن قدامة بأنه: ما يلزم مِن وجوده عدَم الحُكم.
وهذا التّعريف قاصر؛ لأنه قصَر المانع على منْعه للحُكم فقط؛ وهو يشمل منْعه للسّبب أيضًا -كما سيأتي-.
ومِن تعاريف المانِع: وصْف ظاهر منضبط، يلزم مِن وجوده عدَم الحُكم أو السّبب.
ومثال المانع: الدَّيْن بالنّسبة للزّكاة، فإنه يَمنع وُجوبها، وكالحَيْض بالنّسبة للصّلاة.
تقسيم المانع باعتبار ما يَمْنعُه مِن سبب أو حُكْم:
ينقسم إلى قِسْميْن:
القسم الأول: مانع للسّبب، أي: يلزم مِن وجوده عدَم تحقّق السّبب؛ ومثال ذلك: الدَّيْن بالنسبة لملْك النّصاب؛ فملْك النِّصاب: سبب مُوجب للزّكاة، ووجود الدَّيْن إذا كان يُنقص النِّصاب يَمْنَع وجود السّبب -وهو: ملْك النصاب-.
القسم الثاني: مانع لِلْحُكم، أي: يلزم مِن وجوده عدَم ترتُّب الحُكم على سببه، مع تحقّق السّبب وتوافر شروطه.
مثال ذلك: القتْل العمْد والعُدوان: سبب يترتّب عليه حُكم، وهو: القَصاص.
لكن، إذا كان القاتل أبًا للمقتول، فوصْف الأبوّة يَمنع ترتّب الحُكم -وهو: القصاص- على السّبب -وهو: القتْل العمْد العدوان-؛ فالسّبب هنا قائم -وهو: القتل العمْد العدوان-، والمانع -وهو: الأبوّة-، حال بيْن السّبب والحُكم (القصاص)، مع بقاء السّبب قائمًا.
أقسام المانِع، باعتبار الدّوام والابتداء:
ينقسم المانع إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: مانع للدّوام والابتداء معًا: كالرضاع بالنسبة للنّكاح؛ فإنّه مانع منه ابتداءً ودوامًا. أمّا كونه مانعًا له ابتداءً: فإنه يمنع ابتداءً عقد النّكاح، إذْ لا يجوز له أنْ يعقد على أُخْته مِن الرَّضاع مثلًا. وأمّا كونه مانعًا للدّوام: فلو تزوّج رضيعة، ثم بعد عقْد النّكاح أرضعتْها أمّه أو أخته، فإنّ هذا الرّضاع الطارئ على العقد يمنع مِن دوام العقْد، ويجب فَسْخُه.
القسم الثاني: مانع للابتداء دون الدّوام، كالإحرام بالنسبة للنّكاح؛ فإنّ الإحرام يَمنع ابتداء عقد النّكاح ما دام مُحرِمًا، ولا يمنع مِن الدّوام على نكاح قبْله.
القسم الثالث: مانِع للدّوام دون الابتداء، كالطّلاق؛ فإنّ الطلاق مانعٌ مِن الدّوام على النّكاح الأوّل، ولا يَمْنع ابتداء نكاحٍ ثانٍ.
المانع أقوى مِن العلّة والسّبب؛ فالمانع يَمنع مِن وجود الحُكم ويُبطل العلّة والسّب. فلو اجتمع المانع والعلّة والسّبب، فإنّ المانع يَمنع وجود الحُكم، ويُبطل العِلّة والسّبب.
ضابط مُهِمّ: المُعتَبَر مِن المانع وُجوده، ومِن الشَّرط عدَمُه، ومِن السّبب وجودُه وعدَمُه.