Top
Image Alt

الشريف الرضي، ونماذج من شعره

  /  الشريف الرضي، ونماذج من شعره

الشريف الرضي، ونماذج من شعره

نسبه ونشأته:

هو أبو الحسن محمد بن الحسين بن موسى بن محمد، ينتهي نسبه إلى الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

وُلِدَ ببغداد سنة ثلاثمائة وتسع وخمسين من الهجرة، وكان أبوه نقيبًا للأشراف الطالبيين الذين ينتسبون إلى علي بن أبي طالب، نشأ الشريف نشأة دينية ورُبِّي تربية العلماء، وظهرت موهبته الشعرية في وقت مبكر؛ فقد قال الشعر بعد أن جاوز العاشرة بقليل، وكان الشريف الرضي -مع موهبته الشعرية- عالمًا، وله مؤلفاتٌ منها كتاب في معاني القرآن وكتاب عن مجازات القرآن، وشرح (نهج البلاغة).

وكان الشريف الرضي عاليَ الهمَّة، شريفَ النفس، ملتزمًا بالدين، تقيًّا يخاف الله عز وجل ولم يستخدم شعره في التكسب، ولا جعل من شعره مدائح يقف بها على أبواب الخلفاء أو الأمراء أو الحكام؛ فقد كان عفيفًا شريفًا، وهو أيضًا شريفٌ عفيفٌ في غزله وفي سائر شعره.

قصيدة من قصائده:

القصيدة التي سنقف معها من شعر الشريف الرضي قصيدة في الغزل، يقول فيها:

يا ظبية البانِ ترعى في خمائله

*ليهْنِك اليوم أن القلب مرعاكِ

الماء عندك مبذولٌ لشاربه

*وليس يرويك إلا مدمعي الباكي

هبت لنا من رياح الغَوْرِ رائحةٌ

*بعد الرقادِ عرفناها برياكِ

ثم انثنيا إذا ما هزَّنا طربٌ

*على الرحال تعللنا بذكراكِ

سهمٌ أصاب وراميه بذي سَلَمٍ

*مَن بالعراق لقد أبعدتي مرماكي

وعدٌ لعينيك عندي ما وفيتِ به

*يا قُربَ ما كذبت عينيَّ عيناكِ

حكت لِحاظُك ما في الريم من مِلَحٍ

*يوم اللقاءِ فكان الفضل للحاكي

كأنك طَرْفَك يوم الجزْع يخبرنا

*بما طوى عنك من أسماء قتلاكِ

أنتِ النعيم لقلبي والعذابُ له

*فما أمَرَّك في قلبي وأحلاكِ

عندي رسائل شوق لست أذكرها

*لولا الرقيب لقد بلغتها فاكِ

سقى منًى وليالي الخيفِ ما شرِبَتْ

*من الغمام وحيَّاها وحيَّاكِ

إذ يلتقي كل ذي دَيْنٍ وماطلُهُ

*مِنَّا ويجتمع المشكوُّ والشاكي

لما غدا السرب يعطُو بين أرْحُلِنَا

*ما كان فيه غريمُ القلب إلَّاكِ

هامت بكِ العينُ لم تتبعْ سواكِ هوًى

*مَن أعلمَ العينَ أن القلب يهواكِ

حتى دنا السِّربُ ما أحييتِ من كمَدٍ

*قتلى هواكِ ولا فاديتِ أسراكِ

يا حبذا نفحةٌ مرَّت بفيكِ لنا

*ونُطْفةٌ غُمِسَت فيها ثناياكِ

وحبذا وقفة والركب منتقل

*على ثرًى وخزت فيه مطاياكِ

لو كانت اللّمة السوداء من عددي

*يوم الغميم لما أفلتِّ أشراكي

ألفاظ تحتاج إلى بيان:

البان: اسم لشجر به حبوب ذات دهن طيب، والخمائل: جمع خميلة وهي الشجر الكثيف الملتف، لهينك: أي صار هنيئًا سائغًا، والغوْر: كل ما انحدر غربيه هامه ناحية البحر، وريَّاكِ: الري: الرائحة الطيبة، وانثنيا: انعطفنا، وذو سلم: اسم لجبل شرقي المدينة، ولحاظك: اللحاظ المراد بها: النظرات، والريم: أصله الرئم: وهو الظبي الخالص البياض، وكلمة ملح، المراد بها: الملاحة والحسن، ويوم الجزْع: الجزع مكانٌ، والخيف كذلك مكانٌ مجاور لمنى، ومنى: مكان معروف يقيم به الحجاج بعض الأيام والليالي في مناسك الحج.

ماطله: المدين الذي يماطل ويسوِّف في سداد الدين الذي عليه، والسِّرب: القطيع من الظباء وأراد به: النساء، يعطو: يتناول، والغريم: بمعنى الدائن: أي الطالب، والمديون: المطلوب بالأداء وهو من الضد، هامت بك العين: أحبتك وعشقتك، والهوى: هو العشق، والكمد: الحزن الشديد، والنفحة: قطعة من شيء يؤكل، والنطفة: ماء صافٍ، أي: بقية من ماء، وثناياكِ: الثنايا مقدم الأسنان، والمطايا: الإبل، واللمة: الشعر المجاوز شحمة الأذن، ويوم الغميم: الغميم وادٍ قريبٌ من مكة، وأشراكي: جمع أشراك: والشرَك هو ما ينصب للطائر ليصيده.

من مواطن الجمال:

في قوله: “يا ظبية البان” استعارة؛ لأنه شبه محبوبته بالظبية -أي: الغزالة- ثم حذف المشبه وأقام المشبه به مقامه، فقال: “يا ظبية البان” في خطاب المحبوبة.

قوله: “ليهنك”، للدعاء وهو يوحي بإعزاز هذه المحبوبة، وقوله: “ليس يرويكِ إلا مدمعي الباكي” كناية عن تعلقه بها.

في قوله: “سهم أصاب” المراد بالسهم: نظرة العينين من محبوبته، وفي هذا التعبير استعارة، والتعبير يوحي بتمكن نفاذ هذه النظرة، وفعلها بها كما يفعل السهم في جسم الصيد.

في قوله: “وعد لعينيكِ عندي” جعل النظرة كأنها وعد، وفي قوله: “يا قرب ما كذبت عينيَّ عيناكِ”؛ لإظهار تعجبه من سرعة خُلفِها لهذا الوعد.

في قوله: “أنتِ النعيم لقلبي والعذاب له” تعبيرٌ بأسلوب القص، ويدل هذا التعبير على سعادته بالحب وتعبه فيه أيضًا.

وقوله: “فما أمرَّك في قلبي وأحلاكِ” أسلوب تعجب، وقد أكد هذا الأسلوب معنى الشطر الأول. وفي قوله: “لما غدا السرب يعطو بين أرحُلِنا” السرب فيه استعارة؛ لأن المراد به جماعة النساء.

وقوله: “من أعلم العين أن القلب يهواكِ” للتعجب من ترجمة العين عما في القلب. وفي قوله: “قتلى هواكِ” استعارة؛ لأن المراد العشاق فجعلهم قتلى، وكذلك “أسراكِ”.

“لو كانت اللمة السوداء” هذا التعبير: “اللمة السوداء” كناية عن وقت الشباب وأيامه، والأشراك، استعارة لدواعي الإغراء التي تكون في زمن الشباب.

“يوم الغميم”: في اليوم الذي رآها فيه.

“لما أفلتِّ أشراكي”: لما نجوت من إغراء هذا الشباب.

وللقصيدة نصيب كبير في اختيار الألفاظ الرقيقة التي تناسب موضوع الغزل؛ فقد تجنبت هذه الألفاظ الغرابة والأمور التي يمكن أن تُخِلَّ بفصاحة اللفظ؛ كالثقل، وتنافر الحروف… وغير ذلك.

والألفاظ الموحية في القصيدة كثيرة، والصياغة خالية من التعقيد؛ فلا تجد غموضًا يشوب التعبير بسبب التقديم أو التأخير أو الفواصل الكثيرة مثلًا.

والصور البيانية التي أشرنا إلى بعضها أدت وظيفتها في تصوير المعاني والأحاسيس التي أراد الشاعر تصويرها، ونحن عندما نقرأ القصيدة، نحس بجمال موسيقاها الناتجة عن الوزن والقافية؛ لأنها صيغت من بحر البسيط: “مستفعلن/ فاعلن/ مستفعلن/ فاعلن”.

والألفاظ ورشاقتها وإيحاءاتها أضفت جوًّا من النغم والإيقاع على القصيدة يجعلنا نحس بغناها النغمي والموسيقي.

error: النص محمي !!