Top
Image Alt

الشيخ سيد بن علي المرصفي

  /  الشيخ سيد بن علي المرصفي

الشيخ سيد بن علي المرصفي

المرصفي الآخر:

أما المرصفي الآخر؛ فاسمه: “الشيخ سيد بن علي المرصفي”، الذي وُلد في قرية مرصفا، وهي القرية نفسها التي كان منها الشيخ حسين الذي سبق الكلام عنه.

وُلد الشيخ سيد بن علي عام ألف وثمانمائة واثنين وستين من الميلاد تقريبًا، وحفظ القرآن وهو صغير ودرس في الأزهر، وتعلم علومه وأحاط بها، وكان صاحب ذوق عالٍ وعلم واسع وخبرة كبيرة بنصوص الأدب العربي القديم.

وقد تولى بعد تخرجه في الأزهر التدريس فيه، وكان له إسهام كبير في اختيار الكتب والمناهج الصالحة في رأيه للدراسة في الأزهر في إطار تطوير المناهج والكتب التي رأى القائمون على إصلاح الأزهر تطويرها.

ومن أهم أعمال الشيخ سيد بن علي المرصفي: تدريسه لكتاب (الكامل) ومراجعته له، وإخراجه كتابًا بعنوان (رغبة الآمل من كتاب الكامل)، وفي هذا الكتاب الذي أخرجه الشيخ سيد بن علي المرصفي تصحيح وتصويب في مواضع كثيرة، ووقوف واختلاف مع المبرد صاحب كتاب (الكامل).

كما شرح الشيخ سيد بن علي المرصفي (حماسة أبي تمام) وسمى كتابه (أسرار الحماسة) ومن خلال تَعَرّضه للأدب القديم، ونقده في مصادره المختلفة، ومن خلال تدريسه لهذه الكتب، وتعليقه عليها ظهر منهج متميز للشيخ سيد بن علي المرصفي في دراسة النصوص الأدبية، وكان هذا المنهج يعتمد على إكمال الناقص في الشروح القديمة، والتمييز بين الروايات المختلفة، واختيار الرواية الصحيحة ثم بعد ذلك الانتقال إلى شرح الأبيات والوقوف عند المعاني اللغوية والمسائل النحوية الصرفية، وبيان الرواية الصحيحة والرأي الصواب وتركيب الأبيات وبيان معانيها.

وكان في كل هذه الخطوات يبدي رأيًا قد يختلف مع رأي القدماء، وأحيانًا يستدل على رأيه الصواب بما يبين خطأ السابقين، وكان له ذوق عالٍ في شرح النص الأدبي، وبيان معانيه ومراميه. ومن هنا أعجب كثير من طلاب الأزهر النابهين بالشيخ سيد بن علي المرصفي، وحرصوا على حضور دروسه والتعلم منه.

وكان من تلامذته عدد كبير من الأدباء والنقاد، الذين كان لهم أثر كبير في النهضة الأدبية والنقدية في العصر الحديث، ومن هؤلاء التلاميذ الذين تتلمذوا عليه وأخذوا عنه، وتأثروا به: أحمد حسن الزيات، والمنفلوطي، وطه حسين، ومحمود شاكر، ومحمد محيي الدين عبد الحميد، وزكي مبارك، وعبد الرحمن البرقوقي، وعبد العزيز البشري، وعلي الجارم. وغيرهم كثيرون، وهذا يدل على ما كان يتميز به الرجل من موهبة عالية وإخلاص شديد وعلم واسع وذوق راقٍ.

ولذلك وجدنا كثيرًا من هؤلاء التلاميذ يثنون عليه، ويذيعون فضله ويعترفون بأثره فيهم. هذا طه حسين يقول عن أثر الشيخ سيد بن علي المرصفي فيه، وفي ذوقه وثقافته، وعن أثر المستشرق “كارلو نالينو” يقول طه حسين: “إني مدين بحياتي العقلية كلها لهذين الأستاذين العظيمين؛ سيد بن علي المرصفي، الذي كنت أسمع دروسه وجه النهار، و”كارلو نالينو” الذي كنت أسمع دروسه آخر النهار، أحدهما علمني كيف أقرأ النص العربي القديم، وكيف أفهمه، وكيف أتمثله في نفسي، وكيف أحاول محاكاته، وعلمني الآخر كيف استنبط الحقائق من ذلك النص، وكيف ألائم بينها، وكيف أصوغها آخر الأمر علمًا يقرأه الناس فيفهمونه ويجدون فيه شيئًا ذا بال، وكل ما أُتيح لي بعد هذين الأستاذين العظيمين من الدرس والتحصيل في مصر وفي خارج مصر، فهو قد أقيم على هذا الأساس الذي تلقيته منهما في ذلك الطور الأول من أطوار الشباب، بفضلهما لم أحس الغربة حين أمعنت في قراءة كتب الأدب العربي، وحين اختلفت إلى الأساتذة الأوربيين في جامعة باريس، وحين أمعنت في قراءة كتب الأدب الحديث”.

كتاب (رغبة الآمل من كتاب الكامل):

ومن المواطن التي وقف فيها سيد بن علي المرصفي، في كتابه (رغبة الآمل من كتاب الكامل) مع المُبرد صاحب كتاب (الكامل) مُعَلّقًا على رِوايتِه ومُصَحّحًا ما أورده المبرد في كتابه، من حديث للرسول صلى الله عليه وسلم  فقال: “وقد روي عن النبيصلى الله عليه وسلم : “أنه قال لأبي تميمة الهجيمي …”. فقال المرصفي: كذا روى أبو العباس، وقد أنكره أبو عمر بن عبد البر في كتابه (الاستيعاب) قال: لا يُعرف في الصحابة أبو تميمة، قال: وأبو تميمة هذا هو طريف بن مجالد الهجيمي بصري، روى عن أبي هريرة وغيره، وذكره من ألف في الصحابة وقد غلط.

فهنا الشيخ سيد بن علي المرصفي يُصَحِّح للمُبرد اسمًا من أسماء الصحابة، ويَذْكُر أن ابن عبد البر في كتابه (الاستيعاب) قال: لا يُعرف في الصحابة هذا الاسم، ومن المَواطن التي بين فيها الشيخ سيد المرصفي رأيه في رواية الشعر، قوله تعليقًا على قول المبرد: فقد قيل في بيت الأعشى:

أَرى رَجُلًا مِنهم أَسيفًا كَأَنَّما

* يَضُمُّ إِلى كَشحَيهِ كَفًّا مُخَضَّبا

 فقال المرصفي: لم يعلم أبو العباس السبب الذي قيل فيه هذا البيت، وقد ذكره أبو محمد الأعرابي في كتابه (فرحة الأديب)، وبعد أن ذكر المناسبة التي قيل فيها البيت، حدد المعنى المقصود من لفظ أسيف الذي ورد في بيت الأعشى، فقال المرصفي: وإذا كان ذلك كذلك؛ فالأسيف هو صاحب الراحلة من الأسف بمعنى الحزن في غضب.

ثم يقول بعده: هَكذا يَنبغي فهم البيت لا ما ذكر أبو العباس، على أن ما ذكره لو كان كما قال لضاع التشبيه، فهذا تصويب من الشيخ سيد المرصفي للمبرد، وورد في (الكامل) قول الشاعر:

…. …. …. …. …. ….

*  وإن العزيز إذا شاء ذلّ

فصححه المرصفي إلى “ساء” بعدم النقط، وهذا هو الصواب؛ لأنه لا معنى أن يشاء العزيز الذل، وإنّما المعنى إن العزيز إذا ساء أو ساءت حاله ذل.

وكان للمرصفي تصويبات نحوية كثيرة، ومن الأمثلة عليها: رده على المبرد في قول المبرد وقوله صلى الله عليه وسلم : ((المتفيهقون)) إنما هو بمنزلة قوله: ((الثرثارون)) توكيد له، فقال المرصفي: في ذلك صواب لو كان معناهما واحدًا، وليس كذلك. وكأنّ أبا العباس ذُهل عمّا ذَكره من اشتقاقه وبيان معناه، وهو الامتلاء، فالصواب أنه تأسيس لا توكيد.

ومن تَصْويبَاتِه للمعاني ما ورد في قول المبرد: “ويُقال في معنى “أسيف” عسيف، فقال المرصفي: يريد أن العسيف يكون الأجير، ويكون الأسير. وهذا مما تَفَرّد به أبو العباس، وأئمة اللغة أجمع تقول “العسيف” الأجير المُستهان به، أو العبد المُستهان به، ولم يقل أحد منهم إنه يكون الأسير. وقال المرصفي: وهو إما فعيل بمعنى فاعل من عسف له إذا عمل له، أو بمعنى مفعول من عسفه إذا استخدمه.

ومن المواطن التي وقف فيها الشيخ سيد المرصفي؛ ليعلق على ترتيب الأبيات كما جاءت في (الكامل) للمبرد ما أورده المبرد للخنساء في قولها:

فَلولَا كَثْرَةُ البَاكِينَ حَولي

* عَلى إِخوانِهِم لقَتَلْتُ نَفْسي

ومَا يَبْكُون مِثْل أخْي ولكنْ

* أُعَزّي النَّفس عَنه بالتّأسِي

يُذَكّرنُي طُلوع الشَّمس صَخرًا

* وأذْكُره لِكُلّ غُروب شَمس

فيقول المرصفي: قدم أبو العباس -أي: المبرد- وأخر في هذه الأبيات، وها هي ذي برواية ديوانها:

يُؤَرِّقُني التَذَكُّرُ حينَ أُمسي

* وتَرْدَعُني عن الأحزانِ نَفسي

على صخرٍ وأيُ فَتى كصخر

* ليومِ كريهةٍ وطِعَانِ خَلْس

ولَم أر مِثْلَه رُزءًا لجِنٍّ

* ولم أرَ مِثْلَه رُزءًا لإنسِ

يُذَكّرني طلوع الشمس صَخرًا
 
* وأذْكُره لكلِّ غُروب شمس

وكان الشيخ سيد المرصفي في تناوله للأشعار يبين ما فيها من صورٍ قائمة على التشبيه أو غيره، ويذكر مصادر هذا التشبيه فمن التشبيه مثلًا المأخوذ من البيئة العربية قول الشاعر:

فلا تبعثوها بعد شد عقالها

*…. …. …. …. …. ….

يقول المرصفي: وقد شبه الحرب بناقة شُد وظيفها مع ذراعها بعقال، والتشبيه يجمع بين المتباعدين، ويَحْسُن وقعه في النفس كلما وقفت على وجه الافتراق، وإعجابنا بقول الشاعر:

فإن تَفُق الأنام وأنتْ مِنهم

* فإنّ المِسْكَ بعضُ دَم الغزال

لأنّه عَرّفنا بوجه الافتراق؛ فإذا كان في الشعر استعارة وضحها المرصفي، وذكر المُسْتَعار والمستعار له، وبَيّن ما في الصور من الخيال، ويفعل ذلك في الأمثال العربية كما يفعله في الشعر.

وقد وجد المرصفي في الأمثال أخلاق العرب وعاداتهم، وأنهم يصفون الرِّجال بالقوة، والنساء بالضعف؛ لأنهن لا يمتلكن قوة ولا يستطعن عن أنفسهن دفعًا، يمثل ذلك قولهم: “النساء لحم على وضم”.

ويشرح الشيخ سيد المرصفي، فيقول: الوضم ما وُضع عليه اللحم من خشب ونحوه، والعرب في باديتها إذا نُحر بعير للحي يقتسمونه، كانت تقلع شجرًا وتضع عليه اللحم مقطعًا، يأخذ منه كل شريك قسمه، ولم يعرض له أحد، وكانت تضرب له المثل في ضعف النساء، وقلة امتناعهن من طُلابهن بذلك اللحم ما دام على الوضم.

وكان من منهج المرصفي في تعرضه للأمثال العربية إبراز ما فيها من قوة التأثير، خاصة عندما يستخدمها العربي في مقام التهديد والوعيد، ومن هذا القبيل شرحه لقول الحجاج: “والله لأحزمنكم حزم السلمة، ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل”؛

حيث قال الشيخ سيد المرصفي: “غرائب الإبل” هي الغريبة التي تدخل بين الإبل حال ورودها الماء، فتضربها الرعاء ضربًا وجيعًا ويطردونها، وذلك مثل ضربه للتهديد والوعيد.

وفي شرح سيد بن علي المرصفي للكلمات التي يتضمنها الشعر، يستدل على المعاني التي يثبتها بما ثبت من كلام العرب، وفصيح كلامهم، من ذلك قول الشاعر:

…. …. …. …. ….

* …. لَا نَدِرُّ لِعَاصِبِ

حيثُ قال: جعل ذلك مثلًا لإبائهم عن العطاء على القسر، والانقياد على القهر، ويستطرد المرصفي قائلًا: وفي هذا المعنى يقول الخطيئة:

تدرون إذا شُد العصاب عليكم

* ونأبى إذا شُد العصاب فلا ندر

ويستشهد بالمأثور من كلام الصحابة، ومن هذا تفسيره للفظ “الوغم”؛ حيث قال: “الوغم” الزحل والترة، وجمعه الأوغام، ويستشهد على ذلك بكلام لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه إذ يقول: “وإن بني تميم لم يسبقوا بوغم في جاهلية ولا إسلام”.

كما يَستشهد لقوله أحيانًا بالحديث الشريف، ومنه تفسيره لكلمة “الزرابي” حيث قال: واحدتها “زربية” وهي البُسط الملونة، كزرابي النبت إذا اصفر أو احمر وفيه خضرة. يريد بها تلوين أخلاقهم، ثم يقول: ومن هذا حديث أبي هريرة قال: “ويل للزرابية”، فقيل له: ما الزرابية؟ قال: هم الذين يدخلون على الأمراء، فإذا قالوا شرًّا قالوا: صدقتكم”.

كما يستشهد بالقرآن الكريم، ومن ذلك ما جاء في تفسيره لكلمة “كهمك”، فقال: يريدك كعزمك، والهم العزم، ومنه آية: {وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ} [التوبة: 74] كما يستشهد بشعر العرب.

ومما يتعلق بمنزلة الشيخ سيد المرصفي في النّقد وتأثيره في تلاميذه، وجهده في شرح كتاب (الكامل)، وتصويبه الكثير الذي تضمنه كتابه (رغبة الآمل من كتاب الكامل)، أقول: مما يتعلق بذلك خصومة أدبية وقعت بين زكي مبارك، وهو واحد من تلاميذ الشيخ سيد بن علي المرصفي والسباعي بيومي؛ حيث أخْرَج السِّباعي بيومي وكان في ذلك الوقت أستاذًا في مدرسة دار العلوم كتابًا بعنوان (تهذيب الكامل)، وكان الأستاذ السباعي بيومي تعرض للشيخ المرصفي وكتابه (رغبة الآمل) وقد لخص الأستاذ زكي مبارك ما تعرض به السباعي بيومي لأستاذه وكتابه.

وذكر أن السباعي بيومي قال: “أنا أحذركم من قراءة كتاب المرصفي، فإن فيه من الخطأ أكثر مما يتوهم أن يكون في كتاب (الكامل) من الخطأ، وأنا أدعوكم مرة أخرى إلى إساءة الظن بهذا الرجل، فقد كان ممتلئًا غرورًا”، وانبرى زكي مبارك يرد عن أستاذه وشيخه ويبين للأستاذ السباعي بيومي، ولغيره فضلَ الشيخ سيد بن علي المرصفي وفضل كتابه، ويبين للأستاذ السباعي بيومي ما وقع هو فيه من أخطاء في كتابه الذي شرح به (الكامل) وسماه (تهذيب الكامل).

واتهم زكي مبارك السباعي بيومي، بأنه أفاد من كتاب المرصفي وقد تمثلت هذه الخصومة بين زكي مبارك والسباعي بيومي، في عدة مقالات كلاهما يكتب ويرد على صاحبه.

ومما جاء في بعض مقالات زكي مبارك قوله مخاطبًا السباعي بيومي: “المبرد دان اللغة والأدب والنحو والتصريف والتاريخ الإسلامي، بكتاب نفيس اسمه (الكامل)، وهذا الكتاب قد شرق وغرب؛ فانتقل من يد إلى يد، ومن بلد إلى بلد على اختلاف الأجيال، وبذلك تعرض للتصحيف والتحريف، وإذا كان من الواجب ألا يتقدم لنشره من أبناء العرب غير من يملك القدرة على إصلاح ما أفسدت تلك الأجيال؛ فهل يكون السباعي هو المصلح المنشود، وما قال أحد بأن الله وهبه نعمة الذوق الأدبي، وهي نعمة سامية لا يظفر بها من كل جيل غير آحاد، كان المصلح المنشود لكتاب (الكامل) هو شيخنا العظيم سيد بن علي المرصفي، الذي قضى عمره عشرين سنة وهو يراوح المبرد ويغاديه بالنظر الثاقب والفهم العميق.

ولكن المرصفي مات، وصار من حق كل باغٍ أن يتقول عليه كيف شاء، ولو كان في منزلة السباعي بيومي وهو كما وصف نفسه أستاذ بدار العلوم”.

ثم قال زكي مبارك: “أخرج السباعي كتابًا سماه (تهذيب الكامل) في جزأين: أولهما في المنثور، وثانيهما في المنظوم. ومعنى ذلك أنه قدم وأخر في نصوص (الكامل)؛ ليقع المنثور في جانب والمنظوم في جنب، فهل يرى القراء أن هذا عمل مطلوب؟! وهل يرون أن المبرد كان يعز عليه أن يصنف كتابه على هذا الوضع لو أراد؟! المبرد راوح بين المنثور والمنظوم لحكمة تعليمية هي نقل الذهن من فن إلى فن؛ ليبعد عنه السآمة والملل.

وقد أضاع السباعي تلك الحكمة التعليمية بصنيعه الجميل، والفرق بين (الكامل) و(تهذيب الكامل) هو الفرق بين روح المبرد وروح السباعي، وأنت حين تقرأ (الكامل) تواجه روحًا لطيفًا، هو روح أبي العباس، طيب الله ثراه، وقد كان مثلًا رائعًا في صباحة الوجه، ولطافة الروح وحين تقرأ (تهذيب الكامل) تواجه روح السباعي بيومي، وهو روح السباعي بيومي بلا نزاع ولا جدال.

ومهما يكن من شيء؛ فقد استطاع السباعي أن يطارد المرصفي، المرصفي شارح (الكامل)، المرصفي الذي أقام البراهين على أن مصر وُجد فيها رجل يصاول المبرد ويمشي إليه مشي البازل إلى البازل في شراسة وكبرياء”.

ثم يقول الأستاذ زكي مبارك: “أنا أريد النص على الأغلاط التي عجز عن إدراكها ذهن السباعي، وفطن لها عقل المرصفي، وهي أغلاط ستؤذي السباعي أعنف الإيذاء؛ لأنها ستقنعه بأن ثناء الدكتور طه حسين على صنيعه في كتاب خدمة الكامل لن ينجيه من عذاب النقد الأدبي وهو عذاب أليم.

ثم يتوجه بالخطاب إلى السباعي بيومي فيقول: “ليس لك غير نقل نصوص (الكامل) من مكان إلى مكان، فهل فهمت أسرار (الكامل)؟ وهل هذبت أو شذبت تلك الغابة الشجراء؟ ما أنت و(الكامل) أيها المفضال، الأمر في ذلك لشيخنا العظيم، سيد بن علي المرصفي، الشيخ الذي ربانا على الصراحة والصدق والإخلاص، وهو المنافس الأعظم للأساتذة الأماجد محمد المهدي، ومحمد الخضري، وإسماعيل رأفت، ومنصور فهمي، وأحمد ضيف، وطه حسين.

أما بعد؛ فقد آن للأستاذ السباعي أن يقرأ ما يرضيه، وعليه أن يجيب إن كان يملك الجواب وهيهات ثم هيهات”.

وأخذ زكي مبارك يُعدد المواضع التي أخطأ فيها المبرد صاحب (الكامل) وصححها الشيخ سيد المرصفي، ولكن السباعي بيومي لم يتنبه إليها ولم يصوب منها شيئًا، وتابع المبرد في خطئه، فقال: في (تهذيب الكامل) الجزء الثاني صفحة كذا قال الأخطل:

نازَعتُهُم طَيِّبَ الراحِ الشَمولِ

* وَقَد صاحَ الدَّجاجُ وَحانَت وَقعَةُ الساري

ولم يلتفت السباعي إلى التحريف في “نازعتهم” وقد التفت إليه المرصفي، فنص على أن الصواب “نازعته”؛ لأن الأخطل يقول قبل هذا البيت:

وَشارِبٍ مُربِحٍ بِالكَأسِ نادَمَني

* لا بِالحَصورِ وَلا فيها بِسَوّارِ

فالصواب أن يقول: “نازعته” وليس “نازعتهم”، في (تهذيب الكامل) ورد قول الشاعر:

إذَا ما حقبٌ جَالَ



*شَددْنَاه بتقْصِير



وهنا أتعب السباعي نفسه؛ فأثبت في الهامش نقلًا عن المُضاف إلى المتن، أن هذا الشاعر هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك، وهذا خطأ ظاهر، وإنما الشعر ليزيد بن ضبة الثقفي، يمْدَحُ الوليد بن يزيد، وقد أفضت إليه الخلافة.

يقول زكي مبارك: “وعذر الأستاذ السباعي أنه غير مسئول عن التحقيق؛ لأنه أستاذ بدار العلوم”.

ثم يقول في (تهذيب الكامل): قال المبرد: “رُوي لنا أن رجلًا من الصالحين كان عند إبراهيم بن هشام؛ فأنشد إبراهيم قول الشاعر وذكر بيتًا من الشعر.

ثم قال الأستاذ زكي مبارك: والشاهد في كلمة “رجل من الصالحين” فقد أشقى الأستاذ السباعي نفسه بالنص في الهامش على أنه بن أبي عتيق، نقلًا عما أُضيف إلى متن (الكامل)، فهل سمع أحد أن ابن أبي عتيق كان يُعد من الصالحين؟ ومساعداته لعمر بن أبي ربيعة تشهد بأنه كان من أهل الخلاعة والمجون، لا يُطلب من السباعي فهم هذه الدقائق، فلنرض تحقيق الشيخ المرصفي، وقد نقل أن ذلك الرجل الصالح هو أبو عبيدة بن عمار بن ياسر.

واستمر زكي مبارك في سرد الأخطاء التي وقع فيها السباعي بيومي؛ ليبين له فضل الشيخ المرصفي، وفضل عمله في قراءته لكتاب (الكامل) وتصويب ما فيه من أخطاء، وقيمة العمل الرائد الذي قدمه الشيخ سيد بن علي المرصفي المتمثل في كتابه (رغبة الآمل من كتاب الكامل).

هذا الدور الذي أداه الشيخ سيد المرصفي متمثلًا في التدريس في الأزهر، والتأثير في هذا الحشد الكبير من التلاميذ الذين صاروا بعد ذلك من كبار الأدباء والنقاد، يَدُلّ كل ذلك على الجهد الكبير، والفضل الذي أسداه الشيخ سيد بن علي المرصفي لحركة النقد الأدبي في مرحلة الإحياء.

error: النص محمي !!