Top
Image Alt

الصفات التي تفرق بين لهجات لغة واحدة

  /  الصفات التي تفرق بين لهجات لغة واحدة

الصفات التي تفرق بين لهجات لغة واحدة

تناولنا -فيما سبق- الصفات الصوتية التي تفرِّق بين لهجات اللغة الواحدة والصفات الأخرى، الصفات البنيوية والتركيبية، والصفات الخاصة أو السمات الخاصة بالدَّلالة.

من الصفات الصوتية أو السمات الصوتية للقبائل العربية؛ قريش تقول في: {صِرَاطَ} [الفاتحة: 7] بالصاد، وعامة العرب يقولون: “سراط” بالسين، وعندنا في القراءات القرآنية في قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ}، في سورة الفاتحة تُقرأ “السراط” بالسين، و”الصراط” بالصاد؛ تأثرًا بصوت الطاء.

يعني: قلب السين صادًا؛ تأثرًا بصوت الطاء، لأن السين غير مرققة، والطاء مفخمة من أصوات الإطباق وهي أعلى درجات الاستعلاء، فتأثرت السين بالطاء، فقلبت السين صادًا، والنطق بالكلمة على أصلها “سراط” بالسين على الأصل.

في قاعدة “الاقتضاب” للبطليوسي يقول: إذا وجدنا كلمةً تنطق بالسين وتنطق بالصاد فاختلفت السين والصاد في الكلمة؛ فيجوز نطقها بالسين ويجوز نطقها بالصاد، يقول: فأعتقد أن السين هي الأصل، لماذا؟

لأن الحرف الأضعف هو الذي يتأثر بالقوى، فهنا السين تأثرت بالأقوى هو صوت الطاء، فقلبت السين صادًا؛ لتواؤم الطاء في الإطباق، وهذا يسمى بالتواؤم الصوتي. وهذه الظاهرة موجودة في اللغة العربية؛ فقريش تقول: {صِرَاطَ} لأنها واءمت بين الصاد والطاء،  أما عامة العرب فقالوا: “سراط” بالسين، وهذه لهجة وتلك لهجة أخرى، والمعنَى واحد.

أيضًا قريش تقول: {نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5]. الخلافات الصوتية بفتح النون، وبهراء تقول: “نِِسْتَعِينُ”. وتسمى هذه اللهجة تلتلة، وتنسب إلى قبيلة بهراء، وإنما سرت عدوى كسر حروف المضارعة من قبيلة بهراء إلى العرب قاطبةً ما عدا الحجازيين.

وقد ترجع سمات اللهجة إلى البِِنية؛ فبنو أسد يقولون في مؤنث سكران: سكرانة، وفي مؤنث غضبان يقولون: غضبانة؛ لكن في العربية الفصحى عندما نؤنث سكران، نقول: سكرى.

وفي غضبان نقول: غضبى. هذه الخلافات من حيث البنية كثيرة موجودة في القبائل العربية، مع اتفاق المعنى.

أيضًا الخلافات من حيث البنية: المد والقصر، تطويل البنية وقصرها أيضًا موجود في القبائل العربية، مثل: مَدِين ومَدْيُون، التميميون يقولون: مديون، والحجازيون يقولون: مَدِين.

أيضًا قد ترجع الخلافات بين القبائل العربية إلى الدلالة؛ فقَيْس تقول لفظ السدفة على الضوء، بينما تطلقه تَميم على الظلمة، وسجد في لغة عامة العرب: وضَعَ جبهته على الأرض، بينما هو في لهجة طيء بمعنى: انتصب، والرزق في لغة عامة العرب اسم للشيء المرزوق، وهو كل ما ينتفع به، بينما في لهجة أزد شنوءة بمعنى: الشكر، وبه فسر قوله تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [الواقعة: 82] أي: شكركم، ولكن ينبغي أن تكون تلك السمات الخاصة بالمعنى والبنية قليلة جدًّا؛ لأنه إذا كثرت الخلافات في البنية والدلالة، تباعدت اللهجات بعضها عن بعضها الآخر، وبمرور الزمن تستقل كل لهجة عن الأخرى وتصبح لها قواعدها الخاصة بها، ودلالتها المقصورة عليها؛ وعندئذ تصبح اللهجة لغة.

وهذا ما حدث للهجات السامية السليلة من اللغة السامية الأم عندما كثرت تلك الخلافات، وبمرور الزمن، استقلت هذه اللهجات وأضحت لغاتٍِ؛ فاللغة السامية حينئذٍ تسمى لغة أصلية أو لغة أم، وهي اللغة التي انحدرت منها عدة لغات، واللغة المنحدرة تسمى لغة سليلة، وقد تصبح اللغة السليلة لغة أمًّا كما هو الحال في اللغة الآرامية؛ فقد انحدرت الآرامية من السامية، والسامية لغة أم، ثم انحدر عن الآرامية اللهجة السريانية، ثم اكتمل كيان السريانية بمرور الزمن وأصبحت لغة مستقلة بعد أن كانت لهجة من لهجات الآرامية.

واللغة خارج وطنها تسمَّى لغة خارجية، وهي التي تجمع بين خصائص عائلتين لغويتين؛ نتيجة انسلاخها عن عائلتها الأصلية؛ لبعدها عن مركز هذه العائلة، ولاحتكاك أهلها بِشَعْبٍ يتكلم لغة أخرى تنتمي إلى عائلة لغوية.

error: النص محمي !!