Top
Image Alt

الصفة المشبهة باسم الفاعل

  /  الصفة المشبهة باسم الفاعل

الصفة المشبهة باسم الفاعل

الصفة المشبهة: هي المشتقة من مصدر فعل لازم لغير تفضيل؛ لإفادة نسبة الوصف إلى موصوفها على جهة الثبوت، فهي تدل على ذات نسب إليها حدث -أي: وصف- على جهة الثبوت -أي: أن الصفة المشبهة تدل على نسبة الوصف إلى موصوفها على جهة الثبوت والاستمرار لا التجدد والحدوث؛ سواء أكان وصفًا لازمًا لا يمكن انفكاكه عن الموصوف، ومن أمثلتها: طويل، وعريض، وواسع في نحو: قولهم: فلان طويل الجسم، عريض الحواجب، واسع الفم. فإن هذه الصفات ملازمة لفلان مدى الحياة، أم كان الوصف الذي تفيد الصفة المشهبة نسبته إلى الموصوف في حكم اللازم؛ بأن يمكن انفكاكه عن الموصوف في بعض الأحيان، ومن أمثلة ذلك: “حسن ونقي وطاهر” في نحو: قولهم: فلان حسن الوجه، ونقي الثغر، وطاهر العرض. فإن الحسن والنقاوة والطهارة مما يُوجَد ويُفْقد، ولما كان اسم التفضيل يشبهها في إفادة نسبة الوصف إلى الموصوف على جهة الملازمة التي لا تنفك، أو شبه الملازمة أي: مما توجد وتفقد، نحو: فلان أطول من فلان، وفلان أحسن من فلان؛ الطول لا ينفك، والحسن قد يوجد ويُفقد؛ فنحن نقول: فلان أطول من فلان، نسبة الوصف إلى الموصوف على الجهة الملازمة، وفلان أحسن من فلان على جهة شبه الملازمة.

وبهذا قد تَلْتَبِس الصفة المشبهة مع اسم التفضيل، لما كان الأمر كذلك قال الصرفيون في تعريف الصفة المشبهة: لغير تفضيل؛ لإخراج اسم التفضيل من التعريف، وسَمَّى الصرفيون هذا النوع من المشتقات بالصفة المشبهة أي: المشبهة باسم الفاعل المتعدي إلى واحد؛ لأنهم وجدوا بينها وبين اسم الفاعل هذا مشابهة في أمور، نتناول أهمها من الجانب الصرفي:

الأول: الاشتقاق فكلاهما مشتق من المصدر.

الثاني: الدلالة على الحدث وصاحبه، فهي صفة تدل على الحدث وصاحبه، كما أن اسم الفاعل كذلك.

الثالث: قبول التذكير والتأنيث والتثنية والجمع، فأنت تقول -في الصفة المشبهة-: نقي ونقية ونقيَّانِ ونقيتانِ ونقيونَ وأنقياءُ ونقياتٌ، وتقول في اسم الفاعل: كامل وكاملةٌ وكاملانِ وكاملتانِ وكاملونَ وكَمَلَةٌ وكاملات.

الرابع: قبول الألف واللام: فكلاهما يدخل عليه الألف واللام، فكما تقول في اسم الفاعل: فلان الضارب والفاهم والقائم والجالس، تقول في الصفة المشبهة: فلان الجميل والحسن والشهم والبطل والشجاع… إلى آخر هذه الصفات.

فكما رأينا أن أوجه الشبه بينها وبين اسم الفاعل متعددة متنوعة، أطلقوا على هذا النوع من المشتقات: اسم “الصفة المشبهة” أي: المشبهة باسم الفاعل، وسنلحظ وجود هذه الأوجه المتعددة، على الرغم من أنه سيكون بينهما أوجه مخالفة أيضًا أنه سيمكن تحويل اسم الفاعل إلى الصيغ المشبهة، كما سيمكن تحويل الصفة المشبهة إلى اسم الفاعل، معنى هذا أنهما قد يتبادلان المواقع -كما يقال- يأتي اسم الفاعل بمعنى الصفة المشبهة، وتأتي الصفة المشبهة بمعنى اسم الفاعل، وهذا يدل دلالة قوية على مدى الالتحام والمشابهة بين هذين النوعين من المشتقات العربية التي تشتق جميعها من المصدر -كما هو الرأي الصحيح الذي ارتضيناه- وهو رأي البصريين.

أوجه التخالف بين اسم الفاعل والصفة المشبهة:

نبدأ الآن الحديث عن ذكر أهم أوجه التخالف بين اسم فاعل والصفة المشبهة، أهم هذه الأوجه:

أولًا: أن الصفة المشبهة لا تُصَاغُ إلا من الفعل اللازم؛ وضعًا أو تنزيلًا أو تحويلًا دون الفعل المتعدي الذي لم يُرَدْ بالوصف منه الثبوت، فالمصوغة من اللازم وضعًا مثل: حَسَنٍ وجَمِيلٍ، فأنهما مصوغان من فعلين لازمين في أصل الوضع، وفي الاستعمال كذلك، وهما: حَسُنَ وجَمُلَ، والصفة المشبهة المصوغة من المتعدي الذي نُزِّلَ منزلة اللازم كقوله تعالى: {إِنّ رَبّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} [النجم: 32] وكقول الشاعر:

لا الراحم القلب ظلام وإن ظُلِمَ

*ولا الكريم بمناعٍ وإن حُرِمَ

ذلك أن اسم الفاعل إذا قُصِدَ ثبوت معناه صار صفة مشبهة، فساغَتْ إضافته إلى ما هو فاعل في المعنى، فقد أريد بـ {وَاسِعُ} في الآية الكريمة الثبوت والدوام لا التجدد والحدوث، وفعله “وَسِعَ” وهو فعل متعدٍ، لكنَّ قَصْدَ ثبوت معناه جعلَه بمنزلة اللازم، فصار صفة مشبهة، وأضِيفَ إلى ما هو فاعل له في المعنى، كما أريد بالراحم في البيت:

من راحم القلب ….

*…. …. …. ….

أُرِيدَ به الثبوت، وفعله “رَحم” وهو فعل متعدٍ، فنزل منزلة اللازم، والصفة المشبهة المصوغة من المتعدي المحول إلى صيغة “فَعُلَ” وهو اللازم تحويلًا يصير لازمًا بالتحويل؛ إذ هذه الصيغة لا تكون إلا لازمة، فساغ مجيء الصفة المشبهة منه، ومن أمثلته: الرحمن والرحيم والعليم ونظائرها من صفات المولى -تبارك وتعالى- فهي صفات مشبهة؛ لدلالتها على الثبوت والدوام، مع أن ما صيغتْ منه من المتعدي لا من اللازم، وهو “رَحِمَ وعلم” ولكن حينما حُوِّلَ إلى “فَعُلَ” صار لازمًا.

فالصفة المشبهة إذًا لا تصاغ إلا من اللازم أو ما هو كاللازم بالتنزيل أو التحويل، أما اسم الفاعل فإنه يصاغ من المتعدي مثل: “كاتب وفاهم” ومن اللازم “سالم وخارج” وهذا من أقوى أوجه المخالفة بين اسم الفاعل والصفة المشبهة.

ثانيًا: أن الصفة المشبهة يُسْتحسن جر فاعلها بإضافاتها إليه، ولذلك قال ابن مالك -في الألفية-:

صِفَةٌ استُحسِنَ جَرُّ فَاعِلِ

*معنًى بهَا المُشبِهة اسمَ الفاعِلِ

أما اسم الفاعل فإنه لا يجوز فيه ذلك -أي: إضافته إلى فاعله- إلا إذا قُصِدَ منه الثبوت والاستمرار، فيصير حينئذٍ صفة مشبهة.

ثالثًا: أن الصفة المشبهة تدل على نسبة الوصف إلى موصوفها على جهة الثبوت والاستمرار -كما تقدم- أما إن قُصد بها الدلالة على حدوث الصفة عُدل بها إلى صيغة “فاعل” إن كانت من الثلاثي، وذلك قولك: هذا حاسِنٌ غدًا -أي سيحسن- وكارم الآن، ومنه قوله تعالى: {فَلَعَلّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَىَ إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ} [هود: 12].

قال ابن يعيشَ -في (شرح المفصل) أي: بَلِّغ ما أُنْزِلَ إليك بصدر فسيح من غير التفات إلى استكبارهم واستهزائِهم، وعُدِلَ عن “ضيق” إلى “ضائق” أي في قوله: {وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ}؛ ليدل على أنه ضيق عارضٌ في الحال غير ثابت.

وكما قرئ في الشواذِّ قوله تعالى: “إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً عَامِينَ” من الآية الرابعة والستين من سورة الأعراف، والقراءة العامّة: {إِنّهُمْ كَانُواْ قَوْماً عَمِينَ} [الأعراف: 64] الشاذة “عَامِينَ” والمتواترة {عَمِينَ}، قال الزَّمَخْشَرِي: وقُرِئَ “عَامِينَ” والفرق بين “العمي، و”العامي” أن العميَ يدل على عمًى ثابت، والعامِيَ على عمًى حادث، وعلى ذلك تقول: فلان سيدٌ جوادٌ. تريد أن السيادة والجود ثابتانِ له، فإذا أردت الدلالة على الحدوث قُلْتَ: سائد جائد.

رابعًا: أن الصفة المشبهة إذا كانت مصوغة من الثلاثي -أي: إذا كان فعلها على ثلاثة أحرف أصلية مجردة- فإنها تكون مجارية للمضارع في تَحَرُّكِهِ وسكونه -أي: تكون موافقة له في عدد الحروف ومطلق الحركات والسكون- والمراد تقابل حركةٍ بحركةٍ وسكونٍ بسكونٍ، لا تقابل حركة بعينها؛ إذ لا يُشْتَرَطُ التوافق في أعيان الحركات، كما أنَّها قد تكون -وهو الغالب- غير مجارية للمضارع في الحركات والسكون.

فمن الصفات المشبهة المصوغة من الثلاثي المجارية للمضارع قولهم: ضامر البطن، وطاهر القلب، فهما جاريتانِ للفعلينِ؛ “يَضْمُرُ” و”يَطْهُرُ” ضامر: الحرف الأول “الضاد” حرف متحرك، الثاني “الألف” حرف ساكن، الثالث “الميم” متحرك، الرابع “متحرك” بحركة الأعراب؛ الأول متحرك فساكن فمتحرك فمتحرك بحسب مواقعه من الأعراب، يَضْمُرُ الأول: متحرك كذلك، الثاني: ساكن، الثالث: متحرك، الرابع: متحرك بحركة الموقع الأعرابي، طاهر كذلك؛ متحرك فساكن فمتحرك والأخير لحركة الأعراب، يطهر كذلك؛ متحرك فساكن فمتحرك فمتحرك بحسب موقعه من الأعراب.

ومن الصفات غير المجارية للمضارع: فلان حسن، وفلان جميل، وفلان ضخم، وفلان ملآن؛ “حسن وجميل وضخم وملآن” ليست مجارية لأفعالها المضارعة؛ “حسن” ليس مجاريًا للفعل “يَحْسُنُ” لا في الحركات ولا في السكون ولا في عدد الحروف “جميل” ليس مجاريًا لـ”يجمل”، “ضخم” ليس مجاريًا لـ”يضخم”، “ملآن” ليس مجاريًا لـ”يملأ”؛ أما اسم الفاعل فلا يكون إلا مجاريًا للمضارع، مثل: “ضارب” و”يضرب” “داخل” و”يدخل” ومنه: “قائم” و”يقوم”، “ضارب”: الأول متحرك فساكن فمتحرك فالأخير، “يضرب”: متحرك فساكن فمتحرك فالأخير، “داخل” متحرك فساكن فمتحرك فالأخير، “يدخل” متحرك فساكن فمتحرك فالأخير، “قائم”: متحرك فساكن فمتحرك فالأخير “يقوم”: ربما الصورة الظاهرية اللفظية نجد أن اسم الفاعل ليس مجاريًا للمضارع، لكن هو مجارٍ للمضارع في أصل المضارع؛ لأن الفعل “يَقُومُ” أصله “يَقْوُمُ” بسكون القاف وضم الواو؛ فهو متحرك فساكن فمتحرك فالأخير، مثل: قائم أيضًا متحرك فساكن فمتحرك فالأخير، إلا أن “يَقْوُمُ” الواو وهي حرف علة متحركة، وقبلها القاف -وهو حرف صحيح ساكن- فينبغي طبقًا للقاعدة التي تقول: إذا وجد حرف علة متحركة وقبله حرف ساكن صحيح، وجب إعلال بالنقل -أي: بنقل حركة حرف العلة إلى الساكن الصحيح، فتصير القاف محركة بحركة الواو -وهي الضمة- وتصير الواو بعد نقل حركتها ساكنة، فيظهر الفعل في صورة “يقوم” فمن هذه الصورة لا نجد مجاراةً للفعل المضارع إلا بحسب الأصل، وهذا هو المراد.

أما إذا صيغتِ الصفة المشبهة من غير ثلاثي كانت مجارية للمضارع؛ كاسم الفاعل، فكلاهما من غير الثلاثي مجارٍ للمضارع، فتقول: فلان مستقيم الرأي، ومعتدل القامة؛ فالصفتان مجاريتان للفعلين “يستقيم” و”يعتدل” “مستقيم”: الأول متحرك، السين ساكنة، فمتحرك فمتحرك فساكن فالحرف الأخير -أيضًا- يستقيم كذلك: متحرك فساكنة فمتحرك فمتحرك فساكن فالأخير، ومعتدل -أيضًا- يجري على يعتدل كذلك في عدد الحروف وفي الحركات وفي السكون، تقول في اسم الفاعل: المستقيم، والمعتدل، الاسمان هنا يجريان على مضارعيهما “يستقيم” و”يعتدل” كذلك، فهذا الوجه أن الصفة المشبهة إذا صيغت من الفعل الثلاثي قد تكون مجارية للمضارع، وربما لا تكون، أما اسم الفاعل فإنه يكون دومًا مجاريًا للمضارع في عدد الحروف وفي الحركات وفي السكون. وهذا هو الوجه الرابع من أوجه التخالف بينهما.

خامسًا: وهو أن الصفة المشبهة متعددة الصيغ القياسية -كما سنعرف- وكثيرة الأوزان السماعية -كما سنعرف أيضًا- صيغها القياسية متعددة، أوزانها السماعية كثيرة متنوعة، أما اسم الفاعل فصيغته القياسية من الثلاثي واحدة -وهي وزن “فاعل”- ومن غير الثلاثية أيضًا واحدة فإنه يكون على وزن المضارع مع إبدال حرف المضارعة ميم مضمومة وكسر ما قبل الآخر، ليس غيره.

أوزان الصفة المشبهة القياسية:

لا تصاغ الصفة المشبهة قياسًا إلا من مصدر الثلاثي اللازم المتصرف، قال ابن مالك -رحمه الله- مشيرًا إلى ما تصاغ منه (في الألفية):

وَصَوغُها مِن لاَزِمٍ لِحَاضِرِ

*كَطَاهِرِ القَلبِ جَمِيل الظَّاهِرِ

والأفعال اللازمة المتصرفة تأتي على أوزان الفعل الثلاثي المجرد الثلاثة:

1. “فَعَلَ” -بفتح الفاء والعين-وأكثر الأفعال التي ترد على هذا الوزن متعدية، واللازم منها أكثره يدل على التجدد والحدوث، فأكثره متعدٍّ ونحن قلنا: إنها تصاغ من الازم، وأكثر اللازم ينافي معنى الصفة المشبهة التي تدل على الثبوت والدوام والاستمرار؛ لأنه يدل على التجدد والحدوث، ومن هنا كان صوغ الصفة المشبهة من مصدر هذا الوزن نادرًا سماعيًّا- ومن أمثلته: “حريص أشيبُ شيخٌ سيّدٌ ميّتٌ هيّن ليّن جيّد طيّب” هذه الصفات المشبهة أفعالها على وزن “فَعَلَ” وأكثرها للازم دالٌّ على التجدد والحدوث، فمثلًا “حريص” فعله “حرص” على وزن فَعَلَ، “حرص على كذا” فهو لازم، “أشيب” “شاب فلان” على وزن فعل، وهو لازم، “شيخ” “شاخ فلان” أيضًا على وزن فعل وهو لازم، “ميت” “مات فلان” على وزن فعل، وهو لازم، “هين” “هان فلان” على وزن فعل، وهو لازم، “لين” “لان فلان” على وزن فَعَلَ، وهو لازم، “جيد” “جاد فلان” على وزن فعل، وهو لازم “طيب” “طاب الثمر” أيضًا على وزن فعل وهو لازم، لا يوجد من هذه الصفات سوى كلمة سيَّد يقال: ساد فلان قومه، هو متعدٍّ ولكنه -كما رأينا- من النادر في هذه الصفات.

2. “فَعِلَ” ثلاثيٌّ مجرد مكسور العين، هذا الوزن يأتي متعديًا، ولازمًا، نستبعد المتعديَ منه ونركز على اللازمِ من وزن “فَعِلَ”؛ فنجد أن الصفة المشبهة تصاغ من فعل اللازم قياسًا على ثلاثة أوزان:

الأول: “فَعِلٌ” بفتح الفاء وكسر العين، وذلك إذا دل على معنى عارض للذات، غير راسخ ومستقر فيها، نحو: “فرح فلان” فالوصف منه “فَرِحٌ” وزنه: “فَعِلٌ” “أَشِرَ فلان” فهو “أَشِرٌ” و”بَطِرَ” فهو “بطر” والأشر والبطر بمعنى واحد، وهو: عدم حمد النعمة، وشذ “مريض” من “مَرِضَ” و”جَهْلٌ” من “جَهِلَ” وقياسهما كفرح -أي: أن يأتيا على وزن “فَعِلٍ”؛ لأنهما عارضان مما يوجد، ويُفْقَد.

الثاني: “أفعل” ويطرد هذا الوزن في الألوان، والخلق كـ”حمر فهو أحمر، وخضر فهو أخضر، وسود فهو أسود” و”الخلق جمع خلقة” والمراد بها الحال الظاهري للبدن”، نحو: عَوِرَ فهو أعور، وعمي فهو أعمى، وجَهِرَ فهو أجهر، والأجهر هو الذي لا يبصر في الشمس.

الثالث: “فَعْلان” بفتح الفاء وسكون العين، ويطرد هذا الوزن فيما دل على امتلاءٍ أو على حرارة الباطن؛ فالأول -وهو الدال على امتلاء- نحو رَوِيَ فهو ريان، وشَبِعَ فهو شبعان؛ والثاني -الدال على حرارة البطن- نحو “عطش فهو عطشان” و”صدي فهو صديان” ومعناه: عطشان أيضًا، قال ابن مالك -ذاكرًا الأوزان الثلاثة التي تنقاس فيها الصفة المشبهة إذا صيغة من “فَعِلَ اللازم-: بل قياسه “فَعِلَ” وأفعال فعلان نحو أشر، ونحو صديان، ونحو الأجهر.

3. “فَعُلَ” بفتح الفاء وضم العين، وهو لا يكون إلا لازمًا، وتصاغ الصفة المشبهة من مصدره قياسًا غالبًا على أحد وزنين:

الأول: “فعيل” ومن أمثلته “ظرف” فهو “ظريف” و”شرف” فهو “شريف” و”جمل” فهو “جميل”.

الثاني: -وهو دونه في الكثرة-: “فَعْل” بفتح الفاء وسكون العين كـ”شَهْم فهو شهم وضخم فهو ضخم وصعب فهو صعب وسهل فهو سهل”، ولم يصرح ابن مالك بقياس هذين الوزنين، بل قال في (الألفية):

وَفَعلٌ أولَى وَفَعيلٌ بِفَعُل

*كالضَّخمِ وَالجمِيلِ والفِعلُ جَمُل

قال: أولى. ومعنى هذا أن هذين الوزنين يأتيان في الصفة المشبهة من الفعل الذي على وزن “فَعُلَ” على سبيل الأولويَّة والرجحان، وليس على سبيل القياس والاضطراب.

وَفَعلٌ أولَى وَفَعيلٌ بِفَعُل

*كالضَّخمِ وَالجمِيلِ والفِعلُ جَمُل

ونُقِلَ عن الشاطبي: أن غير المُصَنِّفِ -أي: ابن مالك- يرى أن “فعيلًا” قياسٌ دون “فَعْلٍ” وصيغتِ الصفة المشبهة من مصدر “فَعُلَ” على أوزان أخرى سوى الوزنين السابقين إلا أنها لم تبلغ في هذه الأوزان حد القياس عليها أيضًا.

الأول: وأشهرها “فَعَل” بفتح الفاء والعين “كحسن فهو حسن وبطل -من البطولة لا من البطلان- فهو بطل.

الثاني: “فَعَال”، “فعال” بفتح الفاء والعين، نحو “حَصَان” -وهي المرأة العفيفة- و”رزان” -وهي المرأة ذات الثبات والوقار والعفاف- ومن أمثلته أيضًا “جبان من جبن” و”حرم الشيء فهو حرام”.

الثالث: “فُعال”، “فُعال” بضم الفاء وفتح العين ومن أمثلته: “شجاع من شجع” و”فرت الماء فروتةً فهو فرات -أي: شديد العذوبة- و”أجَّ أجوجة” ومعناه: مَلُحَ ومَرَّ فهو “أجاج” قال تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَـَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَآئِغٌ شَرَابُهُ وَهَـَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} [فاطر: 12].

الرابع: “فُعْل” بضم فسكون، نحو: “صَلُب فهو صُلب” و”غَمر الرجل فهو غُمْر” و”الغمر هو غير المجرِّب”.

الخامس: “فُعُل” بضمتين نحو “جُنُب”.

السادس: “فَعُول” بفتح فضم، ومن أمثلته: “حَصُور” والحصور هو الممتنع عن الانغماس في الشهوات قال تعالى: {أَنّ اللّهَ يُبَشّرُكَ بِيَحْيَـىَ مُصَدّقاً بِكَلِمَةٍ مّنَ اللّهِ وَسَيّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مّنَ الصّالِحِينَ} [آل عمران: 39].

وتصاغ الصفة المشبهة من اللازم غير الثلاثي، فتكون مجارية للمضارع على زنة اسم الفاعل من غير الثلاثي إذا أريد الدلالة على الثبوت والدوام، وأضيفت الصفة إلى مرفوعها؛ لتكون هذه الإضافة قرينة على إرادة هذه الدلالة، أو تنصبه على التشبيه

به -إن كان معرفة- وعلى التمييز -إن كان نكرة- نحو: فلان معتدل القامَةِ، أو معتدل القامةَ مشبهة به، أو معتدلٌ قامةً منصوب على التمييز، وفلان مستقيم الرأيِ أو مستقيم الرأيَ أو مستقيم رأيًا.

الصفة المشبهة من الجامد:

قد يستعمل الجامد استعمال الصفة المشبهة؛ لتأويله بالمنشق، فيجري مع هذا التأويل مجرى المشتق، فالمسوِّغ لاستعمال الجامد استعمال الصفة المشبهة هو تأويله بالمشتق؛ لأن هذا التأويل يجعله يجرى مجرى المشتق، ومنه المنسوب كقولهم: فلان هاشمي الأبِ -أي: منسوب إلى هاشم وهو العلم أو منتسب إليه- ومن تأويل الجامد بالمشتق وإعطائه حكم الصفة المشبهة قول الشاعر:

فَرَاشَة الحلمِ فِرْعَوْن العذابِ وإنْ

*يُطْلَب نداه فكلب دونه كلبُ

الشاعر هنا يهجو رجلًا؛ فيصفه بالطيش والحمق، ويصفه بالقسوة والعنف، ويصفه بالخسة والدناءة والبخل؛ فهو فراشة الحلم، و”الفراشة” هو الرجل الخفيف الرأس الطائش المتسرع، والحلم هو العقل، ففراشة الحلم في معنى الطائش أو الأحمق أو الخفيف المتسرع، وفرعون العذاب في معنى الأليمُ.

ومن الصفات المشبهة التي جاءت جامدة في معنى المشتق قولهم: فلان غربال الإهاب. والغِربال أداة تشبه الدفَّ، ذات ثقوب ينقى بها الحب من الشوائب، والإهاب هو الجلد، وغربال في تأويل معنى “مُثَقَّب أو مخرق” قال الشاعر:

فلولا اللّهُ والمُهْرُ المُفَدَّى

*لأُبْتَ وأنْتَ غِرْبالُ الإِهابِ

وقد أشار ابن مالك في (الكافيه) وشرحها إلى ذلك -أي: إلى استعمال الجامد استعمال الصفة إذا كان مُؤوَّلًا بالمشتق، فقال:

وضُمِّنَ الجامدُ معنى الوصفِ

*واسْتُعْمِلَ استعمالَه بضعفِ

كأنت غربالُ الإهاب وكذا

*فَرَاشَة الحلم فراعِ المأخذَا

وقال في شرح الشاهدين السابقين: فضُمِّنَ فراشة الحلم معنى طائش، وفرعون معنى أليم، وغربال معنى مثقب، فأجريت مجراها -أي: مجرى الصفة المشبهة في الإضافة إلى ما هو فاعل في المعنى، ورد هذا في (شرح الكافية الشافية).

ومن شواهد الصفة للجامد المؤول بالمشتق أو المُضَمَّنِ معنى المشتق قول الراجز يهجو امرأة:

مئبرة العرقوب إشْفَ المرفقِ

*…. …. …. ….

والمِئبرة: هي الإبرة، ومئبرة العرقوب متضمن معنى: حادّة العرقوب، والإشف هو مخرز الإسكافي، وإشف المرفق أي: دقيقة المرفق، وقد ذكر أبو حيان في (ارتشاف الضرب): أن المنسوب -أي: المختوم بياء النسب- هو المطرد في هذا الباب، ثم قال -بعد إيراده الشواهد التي ذكرناها-: وأرى هذا قليلًا، فلا ينبغي أن يُقاس عليه، وأورده ابن مالك في مورد القياس -وقد سبق أن ابن مالك في (الكافية الشافية) قد ذكر أن استعمال الجامد المتضمن معنى الوصف في الصفة المشبهة ضعيف، كما أنه قال -في (شرح التسهيل) بعد إيراده الشواهد-: وأكثر ما يجيء هذا الاستعمال في أسماء النسب.

فابن مالك يرى أن الجامد المؤول بالمشتق يأتي في الصفة المشبهة في النسب كثير، وأبو حيان يرى أنه يأتي ذلك في النسب باطراد فيه، وأبو حيان يشير -في قوله: وأورده ابن مالك مورد القياس- إلى الأمثلة التي ذكرها ابن مالك في (شرح التسهيل) فقال: قد يقال: وردنا منهلًا عسلًا ماؤه، وعسل الماء، ونزلنا بقوم أسد أنصارهم وأسد الأنصارِ، وساهرنا حيًّا أقمار نساؤه، وأقمار النساء، على تأويل عسل بحلو، وأسد بشجعان، وأقمار بحسان.

التبادل بين الصفة المشبَّهة واسم الفاعل:

إن الصفة المشبهة قد تتحول إلى اسم الفاعل، وذلك إذا قُصِدَ النص على أن نسبة الوصف إلى موصوفها على جهة الحدوث، لا على جهة الثبوت، فتأتي على وزن “فاعل” من الثلاثي، ومن ذلك قول أشجع السلمي:

وَمَا أَنَا مِنْ رُزْءٍ وَإِنْ جَلَّ جَازِعُ

*وَلَا بِسُرورٍ بَعْدَ مَوْتِكَ فَارِحُ

فـ”جَزِعٌ وَفَرِحٌ” أوردهما الشاعر بزنة “فَاعِل” فحولهما إلى “جازع وفارح”، فإن كانت الصفة على وزن فاعل في الأصل كـ”طاهر القلب، وفاره العقل” أي: حاذقه، أو كانت من غير الثلاثي كـ”مبتهج النفس” اكتفي في تحويلها إلى اسم الفاعل ودلالتها على الحدوث بتقييدها بأحد الأزمنة، فتقول مثلًا: طاهرٌ الآن، وفارهٌ أمس، ومبتهجٌ غدًا، وذلك بعد إزالة إضافتها إلى مرفوعها.

ويلاحظ أن الصفة المشبهة التي يجوز تحويلها إلى اسم فاعل هي التي يمكن انفكاكها في بعض الأحيان عن الموصوف؛ بأن تكون مما يوجد ويفقد؛ كالطهارة والنقاوة والفرح والابتهاج، أما الصفات التي لا يمكن انفكاكها عن موصوفها؛ كالطول والقصر في نحو: “فلان طويل أو فلان قصير” فلا نراها قابلة لهذا التحويل؛ لأنها دائمة مستمرة ثابتة، لا تقبل الحدوث، فإذا انتقلنا إلى تحويل اسم الفاعل إلى صفة مشبهة بإضافته إلى مرفوعه عند قصد الثبوت والاستمرار، أو بنصبه إياه على التشبيه بالمفعول به إن كان معرفة، وعلى التمييز إن كان نكرة، نحو: محمد باسمُ الوجهِ أو باسمٌ الوجهَ أو باسم ٌوجهًا، ومن ذلك قول عبد الله بن رواحة رضي الله  عنه:

تباركتَ إني من عذابِكَ خَائِف

*وإني إليك تائبُ النفس باخعُ

وقول الآخر:

والضاحك السن على همِّه

*والغافر العثرة للعاثرِ

تائب النفس -في قول عبد الله بن رواحة- والغافر العثرة والضاحك السن في قول الآخر، ومنه -من غير ثلاثي- قول الشاعر:

ومن يك منحل العزائم تابعًا

*هواه فإن الرشد منه بعيدُ

الشاهد في قوله: منحلَّ العزائم، وجميع الأمثلة والشواهد الشعرية التي مضت أفعال أسماء الفاعلينَ المحولة إلى الصفات المشبهة، أفعالها لازمة من الثلاثي ومن غير الثلاثي، ما عدا قوله: والغافر العثرة للعاثر.

وهذا التحويل من أسماء الفاعلين إلى الصفات المشبهة جائز باتفاق ما دام الفعل لازمًا؛ إذ اللازم معناه إلى الثبوت والدوام أقرب من التجدد والحدوث، فهو بالصفة المشبهة أولى، أما إذا كان فعل اسم الفاعل متعديًا، فالأمر يحتاج إلى تفصيل، فإن كان متعديًا إلى مفعولينِ فلا يجري مجرى الصفة المشبهة، فلا يجوز أن تقول في نحو: “زيد معطٍ أبوه عَمْرًا درهمًا؛ “أبوه” فاعل، “عمرًا” مفعول أول، “درهمًا” مفعول ثان، لا يجوز أن نقول في هذا المثال: زيد معطي الأب عمرًا درهمًا، بإضافة اسم الفاعل إلى مرفوعه أي: إلى فاعله على أنه محول من اسم الفاعل وهي الصفة المشبهة، هذا لا يجوز، وكما لا يجوز ذلك في المتعدي إلى مفعولين اثنين، فمن بابٍ أولى أنه لا يجوز في المتعدي إلى ثلاثة مفاعيل.

أما إذا كان اسم الفاعل فعله متعديًا إلى واحد ففي تحويله إلى الصفة المشبهة خلاف؛ فأجاز الأخفش فيه ذلك -أي: التحويل إلى الصفة المشبهة- سواء أكان متعديًا بنفسه، وذلك نحو: هذا ضارب أبوه زيدًا، يجوز أن يقال: هذا ضاربُ الأبِ زيدًا، ضارب أبوه، “أبوه” فاعل باسم الفاعل ضارب، و”زيدًا” مفعول به، فاسم الفاعل هنا متعدٍّ في هذا المثال إلى مفعول واحد؛ لأن فعله كذلك، واسم الفاعل يعمل عمل فعله، هذا ضارب أبوه زيدًا، يجوز في اسم الفاعل في هذا المثال ونحوه أن نحوِّله إلى صفة مشبهة بإضافته إلى فاعله، فنقول: هذا ضارب الأب زيدًا، هذا “مبتدأ”، ضارب “خبر”، ضارب مضاف، والأب مضاف إليه من إضافة اسم الفاعل إلى فاعله، و”زيدًا” مفعول به، وفي هذه الحالة نقول: إن كلمة “ضارب” صارت صفة مشبهة في هذا التعبير.

وقد أجاز الأخفش فيه ذلك ولو كان متعديًا بواسطة حرف الجر أيضًا، فنقول في نحو: مررت برجل مارٍ أبوه بزيد: مررت “فعل وفاعل” برجل “جار ومجرور متعلق بالفعل مرّ” برجل مار “صفة لرجل، وهو اسم فاعل” أبوه “فاعل لمار” “بزيد” جار ومجرور متعلق باسم الفاعل “مار” فالعبارة تحتوي على جارَّين ومجرورين؛ أولهما: برجل، وهذا الجار والمجرور متعلق بالفعل “مرَّ” “مررت برجل”، الثاني “بزيد” وهو متعلق باسم الفاعل “مار” فاسم الفاعل في هذه العبارة قد تعدى إلى مفعوله بواسطة حرف الجر، أجاز الأخفش فيه أن يحوله إلى صفة مشبهة بإضافته إلى مرفوعه، فأجاز أن نقول: مررت برجل مارِّ الأب بزيد، ومنع ذلك الجمهور.

وفصل آخرون، فقالوا: إن كان متعديًا إلى واحد، وحُذِفَ الْمَفْعُول اقتصارًا -أي: حُذِفَ مفعوله؛ استغناءً عنه من غير دليل يدل عليه- جاز التحويل إلى الصفة المشبهة وإلا امتنع، وهذا القول هو اختيار ابن عصفور وابن أبي الربيع ومن شواهده قوله تعالى: {إِنّ رَبّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} [النجم: 32] من ذلك أيضًا قول الشاعر:

لا الراحم القلب ظلامٌ وإن ظُلِمَا

*ولا الكريم بمناعٍ وإن حُرِمَا

ففي الآية الكريمة: {إِنّ رَبّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} لم يذكر مفعول اسم الفاعل، وهو واسع، وفعله “وَسِعَ” يتعدى إلى المفعول به، حذف اسم المفعول اقتصارًا، أي: استغناء عنه من غير دليل يدل عليه، ولذلك حُوِّل إلى الصفة المشبهة بدليل أنه يضاف إلى مرفوعه، والراحم القلب كذلك مفعول الراحم في البيت أيضًا لم يذكر، حُذِفَ اقتصارًا، وأضيف الراحم إلى مرفوعه؛ لأنه صار صفة مشبهة، وشَرط ابن مالك في (شرح التسهيل) شرط السلامة من اللبس، فيُقال: زيد ظالم العبيد، خاذلهم، راحم الأبناء ناصرهم، إذا كان له عبيدٌ ظالمون خاذلون، ظالم العبيد من إضافة الوصف إلى مرفوعه -أي: هم فاعلوا الظلم- خاذلهم -أيضًا- من إضافة الوصف إلى مرفوعه، راحم الأبناء ناصرهم، كذلك، إذا كان له أبناء راحمون ناصرون؛ فراحم الأبناء من إضافة الوصف إلى مرفوعه، ناصرهم من إضافة الوصف إلى مرفوعه.

وإنما شرط ابن مالك أمن اللبس؛ لأن الجمهور إنما منع ذلك خوف التباس الفاعل بالمفعول، فلو قلت: ظالم العبيد. لَتَبَادَرَ إلى الذهن -عند عدم وجود القرينة- أن العبيد مظلومون، لا ظالمون، ولو قلت: راحم الأبناء. لَتَبَادَرَ إلى الذهن أن الأبناء مرحومون لا راحمون.

ولذلك اجتهد الشيخ خالد الأزهري -رحمه الله- في شرح ما يراه مانعًًا من اللبس، فقال: قولك: فلان ظالم العبيد. أي: أن عبيده ظالمون، وذلك إذا قلته مثلًا بعد قول القائل: ليس عبيد فلان ظالمين.

error: النص محمي !!