الصلاة في الطائرة والمركبات الفضائية
سنتناول التعريفات لكل من الصلاة والصيام والمفطرات، ثم نتحدث عن بيان كيفية الصلاة في الطائرة والمركبة الفضائية، أما عن التعريفات:
أولا: الصلاة:
الصلاة لغة: الدعاء، كما جاء في قوله تعالى للرسول صلى الله عليه وسلم: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} أي: ادع لهم {إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ} [التوبة: 103].
وشرعًا: أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير، مختتمة بالتسليم، بشروط مخصوصة؛ الأقوال مثل الله أكبر، قراءة “الفاتحة” ما يتيسر من القرآن، الأفعال مثل القيام والركوع والرفع منه والسجود والجلوس بين السجدتين والجلوس للتشهد الأخير. مفتتحة بالتكبير: أول بدء الصلاة يكون بتكبيرة الإحرام. مختتمة بالتسليم؛ فنخرج من الصلاة بعبارة “السلام عليكم ورحمة الله”، ولذلك جاء في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((مفتاح الصلاة التكبير، وتحليلها التسليم))، أي: يتحلل الإنسان بالخروج من الصلاة بالتسليم، بشروط مخصوصة كطهارة البدن، والوضوء للصلاة، وطهارة الثوب والمكان، ودخول الوقت، واستقبال القبلة ونحو ذلك من الشروط.
ثانيًا: الصيام:
الصيام لغة: الإمساك عن أي شيء؛ طعام أو شراب أو كلام، ولذلك قالت السيدة مريم -عليها السلام-: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا} [مريم: 26].
وشرعًا: الإمساك عن الطعام والشراب وجميع المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بنية وشروط.
ثالثا: المفطرات المعاصرة في مجال التداوي:
والمقصود بها أنواع الحقن، وما استجد من أساليب التداوي عن طريق لصق ملصقات على الجلد لتخفيف حرارة الصوم أو برودة الجو.
رابعًا: بيان كيفية الصلاة في الطائرة والمركبة الفضائية:
من المعلوم أن الصلاة فريضة من فرائض الإسلام، فرضها الله تعالى خمس مرات كل يوم وليلة؛ وهي: الصبح، والظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، ومن المعلوم أيضًا أن لكل منها وقتًا محددًا تكون فيه أداء وتكون في غيره قضاء، كما قال الله تعالى: {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} [النساء: 103].
ومن المعلوم أيضًا أن من شروط صحتها في الفرائض استقبال القبلة من أول الصلاة إلى التسليم منها، كما قال الله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144]، إلا أن هذا الشرط يسقط في بعض الأحوال، فمن ذلك أنه يسقط في الأحوال الآتية:
- في صلاة النافلة أثناء ركوب الدابة أو غيرها.
- في صلاة الفريضة للمريض العاجز عن الاستقبال.
- في صلاة الفريضة عند الخوف من العدو.
- في صلاة الفريضة عند التحام القتال بالعدو.
- في صلاة الفريضة عند الإكراه والاضطرار إلى وضع معين؛ كالطائرة والمركبة الفضائية.
- في صلاة الفريضة في الطائرة يتم الالتزام بالمواقيت؛ لأنها معروفة وممكنة وفروق التوقيت واضحة، أما في المركبة الفضائية فالمواقيت مختلفة باختلاف السرعة والموقع، ولذا يتم تقدير الوقت تقريبًا بغلبة الظن، ويستطيع علماء الفضاء حساب ذلك بالثانية بل بجزء من الثانية كما ظهر علينا في الأيام الأخيرة “الفيمتوثانية”.
ويشير فضيلة الشيخ السيد سابق إلى هذه الأحوال التي يسقط فيها الاستقبال بقوله: استقبال القبلة فريضة لا يسقط إلا في الأحوال الآتية؛ صلاة النفل للراكب؛ يجوز للراكب أن يتنفل على راحلته، يومئ بالركوع؛ أي يشير بالركوع والسجود، ويكون سجوده أخفض من ركوعه، وقبلته حيث اتجهت دابته، فعن عامر بن ربيع قال: ((رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على راحلته حيث توجهت به)) رواه البخاري ومسلم، وزاد البخاري: ((يومئ برأسه ولم يكن يصنعه في المكتوبة))، وعند أحمد ومسلم والترمذي: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي على راحلته وهو مقبل من مكة إلى المدينة حيثما توجهت به)) وفيه نزلت: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ} [البقرة: 115]، وعن إبراهيم النخعي قال: “كانوا يصلون في رحالهم ودوابهم حيثما توجهت”. وقال ابن حزم: وهذه حكاية عن الصحابة والتابعين عمومًا في الحضر والسفر.
ثم أشار فضيلته إلى الحال الثانية بقوله: صلاة المكره والمريض والخائف، هؤلاء يجوز لهم الصلاة بغير القبلة إذا عجزوا عن استقبالها، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)) رواه البخاري، وكذلك قوله تعالى: {فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239]، قال ابن عمر رضي الله عنهما: “أي مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها”.
إذن فالصلاة جائزة في كل الأحوال؛ أي: أحوال المرض، أحوال الخوف، أحوال صلاة النافلة على الدابة، أحوال المرض، أحوال استخدام الطائرة، أحوال الركوب في المركبة الفضائية، كل هذه أحوال يجوز فيها ترك استقبال القبلة.
ولكن لا تسقط صلاة الفريضة بأي حال سواء في الطائرة أو المركبة الفضائية، حيث تؤدى بكل ما يمكن ويقدر عليه مؤديها، إن قدر على استقبال القبلة فهو أولى، وإن لم يقدر على استقبالها فلا بأس، إن قدر على الصلاة في وقتها الحقيقي وعرف مواقيتها فهو خير، وإلا فبالوقت التقديري أو التقريبي، كذلك إن كان معه طهارة تطهر بالماء، فإن لم يكن فبالتيمم أو بغير الطهورين معًا، لكن لا تسقط الصلاة لا راكبًا ولا ماشيًا ما دام العقل موجودًا.
هذا ومن المعلوم أنه في مثل الأحوال الضرورية التي أشرنا إليها يمكن الجمع بين الصلاتين في كلتا الحالتين الطائرة والمركبة الفضائية؛ فيصلى الظهر والعصر جمعًا وقصرًا، تقديمًا أو تأخيرًا، ويصلى المغرب والعشاء جمعًا تقديمًا أو تأخيرًا مع قصر العشاء فقط.
وأساس هذه الأحكام كلها قول الله تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ} [البقرة: 286]، وقوله أيضًا: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]، كذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم))، كذلك قول الله تعالى: {فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239]، مع قول ابن عمر رضي الله عنهما في تفسير وبيان معنى هذه الآية: “أي مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها”.
إذًا نحن أمام فرض أو شرط من شروط صحة الصلاة، وهو ضرورة استقبال القبلة، وأيضًا العلم بدخول وقت الصلاة، ولكن هذين الشرطين يسقطان في المركبة الفضائية وفي الطائرة، وإذا تيسر استقبال القبلة أو تيسر معرفة الوقت كان ذلك خيرًا، وإن لم يتيسر فلا تسقط الصلاة، بل يستمر فرضها ولكن في حدود الطاقة والقدرة والمواقيت التقديرية وعدم استقبال القبلة أو ما يغلب على الظن أنه مستقبل لها.