Top
Image Alt

الصلاة والصيام في البلاد التي يطول فيها النهار أو يقصر

  /  الصلاة والصيام في البلاد التي يطول فيها النهار أو يقصر

الصلاة والصيام في البلاد التي يطول فيها النهار أو يقصر

نحن نعلم أن الله -تبارك وتعالى- فرض الصلاة وحدد لها مواقيت، وقام جبريل عليه السلام ببيانها وتحديدها للنبي صلى الله عليه وسلم في يومين ابتداءً وانتهاءً؛ في اليوم الأول صلى به الصلاة في أول وقتها، وفي اليوم الثاني صلى معه الصلاة في آخر وقتها، وقال له: ((ما بين هذين هو وقت الصلاة))، ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم ببيان ذلك لأصحابه، قال الله تعالى: {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} [النساء: 103]، وقال: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78]، وقال{وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ} [هود: 114].

والعلم بدخول وقت الصلاة شرط من شروط صحتها، ويكفي فيه غلبة الظن، فمن تيقن أو غلب على ظنه دخول الوقت أبيحت له الصلاة سواء كان ذلك بإخبار الثقة؛ أي: شخص ثقة، أو أذان المؤذن المؤتمن أو الاجتهاد الشخصي، أو أي سبب من الأسباب التي يحصل بها العلم، هذا عن دخول الوقت أو العلم بدخول الوقت.

ومعنى ذلك أنه يمكن للمسلم عند جهالة الوقت أو طول النهار عند القطبين -حيث يكون النهار نحوًا من 24 ساعة 6 أشهر، ويكون الليل نحوًا من 24 ساعة لمدة 6 أشهر أخرى- أن يقدر مواقيت كل فريضة، إما نسبة إلى خط جرينتش المعتدل، أو إلى أقرب البلاد الإسلامية من تلك المناطق، أو بالنسبة إلى مواقيت مكة، وبذلك يمكن أن يكون وقت العشاء والمغرب والفجر في ذلك النهار الطويل نهارًا، ويمكن أن يكون وقت الظهر والعصر في ذلك الليل الطويل ليلًا وهكذا، وهذا كله صحيح وجائز؛ لأنه هو الممكن وليس في الإمكان غيره.

كذلك الصيام أيضًا يقدر فيه وقت الإمساك بالبلاد المعتدلة أو بمواقيت مكة؛ لأنه من غير الممكن أن يصوم المرء في تلك المناطق طول النهار وهو 24 ساعة أو قريبًا من ذلك، وإنما يمسك تلك الساعات التي يمسك فيها المسلمون في البلاد المعتدلة صيامًا وإفطارًا؛ وعلى هذا يمكن أن يصوم ويفطر أهل هذه البلاد دون أن يكون فجر ولا مغرب اللذين أشار لهما القرآن الكريم في قوله تعالى: {وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ} [البقرة: 187]، هذا في البلاد التي فيها فجر وليل، أما البلاد التي جميع أوقاتها نهار، أو جميع أوقاتها ليل فلا تعرف المواقيت وإنما تقدر تقديرًا.  

وفي هذا يقول الشيخ السيد سابق عن البلاد التي يطول نهارها ويقصر ليلها أو العكس: اختلف الفقهاء في التقدير في البلاد التي يطول نهارها ويقصر ليلها، والبلاد التي يقصر نهارها ويطول ليلها، على أي البلاد يكون هذا التقدير، والصيام والإمساك والإفطار؟ فقيل: يكون التقدير على البلاد المعتدلة التي وقع فيها التشريع كمكة والمدينة، وقيل: على أقرب البلاد المعتدلة إليهم؛ مثل ألمانيا أو النمسا أو فرنسا أو نحوها من تلك البلاد الأقرب اعتدالًا إليهم، وقد صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي بذلك التقدير في دورته في (19 رجب 1406)، وفي هذا القرار قولهم:

سادسًا: الحكم في المنطقة الثالثة وتقع فوق خط عرض 66 درجة شمالًا وجنوبًا إلى القطبين، وتنعدم فيها العلامات الظاهرة للأوقات في فترة طويلة من السنة نهارًا وليلًا”؛ فحين يكون القطب الشمالي كله نهار يكون القطب الجنوبي كله ليلًا، والعكس حين يكون القطب الشمالي ليلًا يكون النهار كاملًا في الـ24 ساعة في القطب الجنوبي.

ثم جاء في القرار أن على أهل تلك البلاد أن تقدر جميع الأوقات؛ أي مواقيت الصلاة أو مواقيت الصيام، تقدر جميع الأوقات بالقياس الزمني على نظائرها في خط عرض 45 درجة؛ وذلك بأن تقسم الـ24 ساعة في المنطقة من 66 درجة إلى القطبين كما تقسم في خط 45 درجة، فإذا كان طول الليل في خط عرض 45 يساوي 8 ساعات، وكانت الشمس تغرب في الساعة الثامنة وكان العشاء في الساعة الحادية عشرة، جُعل نظير ذلك في البلاد المراد تعيين الوقت فيها، وإذا كان وقت الفجر في خط عرض 45 درجة في الساعة الثانية صباحًا، كان الفجر كذلك في البلد المراد تعيين الوقت فيه، وبدء الصوم منه حتى وقت المغرب المقدر.

إذًا المسألة كلها تقدير في تقدير، لكن التقدير تبعًا لأقرب البلاد اعتدالًا أو لخط عرض 45 أو على بلاد الحرمين الشريفين مكة والمدينة، وذلك قياسًا على التقدير الوارد في حديث الدجال الذي جاء فيه: ((قلنا: يا رسول الله وما لبثه في الأرض -المدة التي سيبقاها المسيح الدجال في الأرض- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أربعون يومًا)) ثم بدأ يفصل ذلك: ((يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم، قلنا: يا رسول الله، فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم وليلة؟ -أي: إذا كان اليوم طوله سنة فهل تكفينا في هذا اليوم صلاة الخمس فرائض؟- قال: لا أقدروا له قدره))، بحيث يُقدر لكل يوم عدد من الساعات ويصلى في هذه المواقيت التي قدرت، ويصام حسب المواقيت التي قدرت؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم عن اليوم الذي كسنة أنه لا تكفي فيه صلاة الفرائض الخمسة وإنما لا بد من تقدير كل 24 ساعة خمس فرائض.

إذًا التقدير مطلوب في تلك البلاد التي يطول فيها النهار ويقصر فيها الليل، أو يطول فيها الليل ويقصر النهار؛ ومن هذا نعلم أن القرار قرار مجمع الفقه الإسلامي هو التقدير بأقرب البلاد تميزًا واعتدالًا، وإن كان هناك من يرى التقدير بمكة والمدينة، وكلاهما صحيح؛ لأن المسألة اجتهادية وقائمة على التقدير كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

يقول الشيخ السيد سابق -رحمه الله- في (صفحة 314) تحت عنوان “التقدير في البلاد التي يطول نهارها ويقصر ليلها”: اختلف الفقهاء في التقدير في البلاد التي يطول نهارها ويقصر ليلها، والبلاد التي يقصر نهارها ويطول ليلها، على أي البلاد يكون التقدير؟ فقيل: يكون التقدير على البلاد المعتدلة التي وقع فيها التشريع كمكة والمدينة، وقيل: على أقرب بلاد معتدلة إليهم.

أيضًا الشيخ عبد الله بن بية له كتاب بعنوان (صناعة الفتوى وفقه الأقليات) وقد نشره المركز العالمي للوسطية، وجاء في هذا الكتاب القيم تحت عنوان “حول مواقيت الصلاة والصيام في البلاد ذات خطوط العرض العالية” وأفاض فضيلته في هذا الموضوع، لكننا نكتفي فقط بقرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي، وهو عبارة عن تأكيد لقرار سابق؛ هذا هو القرار السادس بشأن مواقيت الصلاة والصيام في البلاد ذات خطوط العرض العالية؛ نصه:

“الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، أما بعد؛ فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في دورته التاسعة المنعقد بمبنى رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة، في الفترة (من يوم السبت 12 من رجب 1406 إلى يوم السبت 19 رجب 1406)، قد نظر في موضوع أوقات الصلاة والصيام لسكان المناطق ذات الدرجات العالية، ومراعاة لروح الشريعة المبنية على التيسير ورفع الحرج، وبناء على ما أفادت به لجنة الخبراء والفلكيين، قرر المجلس في هذا الموضوع ما يلي، وكان من قرار ذلك المجمع الفقهي:

القرار الأول: دفعًا للاضطرابات الناتجة عن تعدد طرق الحساب، يحدد لكل وقت من أوقات الصلاة العلامات الفلكية التي تتفق مع ما أشارت الشريعة إليه، ومع ما أوضحه علماء الميقات الشرعي في تحويل هذه العلامات إلى حسابات فلكية متصلة بموقع الشمس فوق الأفق أو تحته”، وفصل فضيلته في هذه الدرجات وهذه الحسابات.

وما يهمنا في هذا القرار هو المنطقة الثالثة التي تقع فوق خط عرض 66 درجة شمالًا وجنوبًا إلى القطبين، وتنعدم فيها العلامات الظاهرة للأوقات في فترة طويلة من السنة نهارًا أو ليلًا، كما أشرنا 6 أشهر نهارًا و6 أشهر ليلًا، ثم قال: “والحكم في المنطقة الثالثة أن تقدر جميع الأوقات -سواء أكانت أوقاتًا للصلاة أو أوقاتًا للصيام- أن تقدر جميع الأوقات بالقياس الزمني على نظائرها في خط عرض 45 درجة، وذلك بأن تقسم الأربع والعشرين ساعة في المنطقة من 66 درجة إلى القطبين، كما تقسم الأوقات في خط عرض 45 درجة”، ثم يقوم بتوضيح ذلك بكلام كثير يحسن الرجوع إليه.

error: النص محمي !!