الصلة بين مناهج المحدثين وتاريخ السنة:
يشترك العلمان في تتبع مسيرة الحديث منذ صدوره عن النبي e إلى أيامنا هذه، ويختص تاريخ السنة بالعرض التاريخي لنشاط المحدّثين في مختلف العصور، وتطور هذا النشاط في مجالاته المختلفة في تناسق وانسجام.
أما مناهج المحدثين، فيسجل المناهج التي استُعملت في خدمة الحديث؛ من حيث نشأتها والعوامل التي ساعدت على ازدهارها، وحاجة العصور المختلفة لتطوير هذه المناهج، مع المحافظة على المقصد الأصلي من هذه المناهج؛ وهو المحافظة على الحديث في صورته الأصلية، ودفع عوامل التغيير أو التبديل عنه، مع بذل الجهد في التوضيح والربط بين الأحاديث وما تفرع عنها من أحكامٍ، وقواعد الاستنباط المعتمدة من الحديث، وسواء تم ذلك باعتبار كل علم من علوم الحديث أو باعتبار كل مرحلة زمنية ظهر فيها منهج أو أكثر من مناهج المحدثين، فالغرض واحدٌ وهو التعريف بمناهج المحدثين وجهودهم العلمية المعتبرة في مجال خدمة السنة, وتطوير هذه المناهج بما يُناسب الحاجة المتجددة.
المقارنة بين مناهج المحدثين ومناهج البحث على وجه العموم:
أما مناهج البحث العلمي: فتهدف إلى الوصول إلى الحقيقة العلمية أو العملية من أيسر طريق، باستعمال الوسائل المحققة لهذا الوصول؛ بحيث لا يتم التوصل إلى الحقيقة إلا باستخدام هذه الوسائل، وتحارب هذه المناهج ما اعتمده الناس كحقائق علمية أو عملية استنادًا إلى خيالات، أو أوهام أو أمور لا يَعتمدها العلم أساسًا للوصول، وبدون هذه المناهج يعتمد الناس في حياتهم على أمورٍ متضاربة تنتج عنها أخطارٌ في جميع مناحي الحياة.
أما مناهج المحدثين: فتعتمد الوصول إلى حقائق ثابتة بالأدلة العلمية المعتمدة على صدق الرسول e واستمداد كل ما صدر عنه من الله تعالى بالوحي الصحيح, أو الإقرار على ما صدر منه؛ بحيث يعتبر الإنكار أو التشكيك في شيءٍ مما صدر عنه مصادمةً لما صدر عن الله تعالى، بجهود بشرية أساسها العقل المحدود، مهما كانت المناهج المعتمدة لما به المخالفة وما ينتج عنها من الصدام، فليس المراد بمناهج المحدّثين الوصول إلى الحقيقة العلمية التي لا يُتوصل إليها إلا بهذه المناهج، بل تهدف إلى الوصول إلى الحقيقة التي صدرت من الرسول e باعتبارها صادرة عن الله سبحانه، أو معتمدةً بإقراره عليها، على أنها مما شرعه وقرره، وصدورها عن الرسول e مع هذا الإقرار هو في قوة الصدور عن الله سبحانه في الوحي المباشر الصريح، ومن هنا كان الخروج عن مناهج البحث العلمي خروجًا عن مقتضيات العقل السليم، وكان الانحراف عن مناهج المحدّثين تضييعًا للوحي المعصوم، واستعمال مناهج البحث العلمي في تقويم حقائق الحديث الشريف أو الوحي المعصوم انحرافٌ بهذه المناهج عن غايتها -وهي اكتشاف المجهول أو غير الثابت بالعقل المعتمد- إلى مصادمة ما ثبت بقواعد العقل الصريح أنه حقّ لا ريب فيه، أما استعمالها في الوصول إلى الحديث مع التسليم به فهو ما استعمله علماء الحديث وسبقوا إليه وتفوقوا فيه، وكذلك استعمالها في الربط بين الأحاديث ومحاولة استنباط الحقائق الحياتية منها, بما يحقق المراد من هذه الأحاديث.