Top
Image Alt

الصهيونية: معنًى ودلالةً

  /  الصهيونية: معنًى ودلالةً

الصهيونية: معنًى ودلالةً

ونأتي الآن إلى الحركة الصهيونية، أو الصهيونية العالمية. ما معنى كلمة: “الصهيونية”؟ ما سبب هذه التسمية؟ ما دلالتها؟ ومتى ظهرت على السطح الثقافي، والسياسي والعالمي؟ لأن هذه الأسئلة تقِفنا على التاريخ الحقيقي لهذه الحركة الصهيونية.

كلمة “الصهيونية” هي: نسبة إلى جبل أو تلّ موجود في جنوب بيت المقدس يسمّى: جبل صهيون، وتنسب إليه الحركة. وأحيانًا تطلق كلمة “صهيون” على القدس كلّها، ليس على الجبل الذي يقع في جنوب بيت المقدس فقط، وإنما قد يطلق أحيانًا على القدس كلها. وأحيانًا يُطلق على الجزء الجنوبي من بيت المقدس؛ ولذلك سميت هذه الحركة بالحركة الصهيونية نسبة إلى هذا الجبل. لماذا؟

لكثرة الأساطير التي حاكها أبناء صهيون حول هذا الجبل، وحول أكذوبة: أنّ الرب قد وعد إسرائيل وأبناء إسرائيل؛ -بل أكثر من هذا: قد وعَد نبيّ الله إبراهيم وذريّته من بعده: أن يهب لهم هذه الأرض وما حولها. وهذه إحدى الأساطير الدينية التي أسّس بنو صهيون دولتهم عليها: أسطورة الوعد الإلهي بالأرض المقدسة.

إذا كانت التسمية نسبة إلى جبل صهيون، فما معنى كلمة الصهيونية؟ هل هي جماعة؟ هل هي جمعية؟ هل هي مدرسة فكرية؟ يعرِّف المؤرِّخون الحركة الصهيونية ربما بأنها جمعية لم تؤسّس بشكل شرعي، وإنما مجموعة من المفكِّرين -كما تقول “دائرة المعارف البريطانية”.

تقول: “إن اليهود في طول التاريخ وعَرْضه يتطلّعون إلى افتداء إسرائيل، وإلى اجتماع الشعب اليهودي في فلسطين، واستعادة الدولة اليهودية، وإعادة بناء الهيكل، وإقامة عرش داود في القدس مرة ثانية، وأن يتولّى إمارتها أمير من نسل داود”. “دائرة المعارف البريطانية”.

وهي تشرح فكرة تأسيس الجمعية الصهيونية: أنّ اليهود يتطلّعون إلى افتداء إسرائيل، واجتماع الشعب اليهودي من شتّى بقاع العالم في أرض فلسطين، ليستعينوا بما شاءوا على إعادة الدولة اليهودية، ويقوموا ببناء الهيكل وإقامة عرش داود في القدس، وأن يتأمّر أو يتولّى إمارتها أمير من نسْل داود.

فيمكن من هذا التحليل أن نعرِّفَ الحركة الصهيونية بأنها: حركة سياسية دينية، تستخدم الوسائل المختلفة لتجميع اليهود من شتّى أنحاء العالم على أرض فلسطين؛ ليعملوا على إقامة الدولة العبرية اليهودية، وبناء الهيكل، واستعادة مجد بني إسرائيل مرة ثانية.

وعند قراءتنا لتاريخ هذه الحركة، سوف نرى: أنها تستخدم الوسائل غير المشروعة أكثر من الوسائل المشروعة لتحقيق هذا الحُلم.

والبعض يُعرِّفها بأنها: حركة قومية يهودية، ينتمي إليها يهود الشتات من العالم، ولا علاقة لهذه الحركة العنصرية باليهودية الصحيحة إطلاقًا. لماذا؟ لأنهم يرَوْن: أنّ اليهودية الصحيحة تعتمد على نصوص من التوراة، أما الحركة الصهيونية المعاصرة فإنها تعتمد، وتستمد عقائدها من (التلمود) وتحاول أن تجد لها نسبًا تاريخيًّا في التوراة عن طريق تحريف النصوص أحيانًا، واختلاق الأسفار أحيانًا.

وبعض المفكِّرين يحاول التخلّص من هذه الحركة العنصرية، ويرى: أنها حركة لا إنسانية؛ لأنها تحاول أن تزيِّف الحقائق الدينية لصالح الأهداف السياسية. وقد يزداد الأمر وضوحًا فيما بعد.

إذن يمكن أن نختصر التعريف في عبارات موجَزة: أن الحركة الصهيونية: جمعية كوّنها وشكّلها بعض مفكِّري اليهود الذين حاولوا أن يجمعوا اليهود من الشتات، ويعملوا على إقامة الهيكل مرة ثانية، وإقامة دولة إسرائيل مرة ثانية، وأن يحكم هذه الدولة أحدُ أبناء داود. وتقوم هذه الأفكار التي يلتفّون حولها على مجموعة من المبادئ والأساطير التي اختلقوها ونسبوها إلى (التوراة).

وسوف أتلو على حضراتكم بعض النصوص الزائفة التي يحتكم ويرجع إليها بعض الصهيونيِّين؛ تأييدًا لأكذوبة أو أسطورة: أنّ الحركة الصهيونية حركة دينيّة ينبغي أن يلتفّ حولها كلُّ من ينتمي إلى اليهودية.

فهذه التسمية إذًا لها بُعْدٌ دينيّ، كما أنّ تسمية دولة إسرائيل بـ”إسرائيل” أيضًا لها بُعْدٌ دينيّ. عليكم -أيها الإخوة- ألا تَنسوا هاتيْن الحقيقتيْن: كلمة “صهيون” نسبة إلى جبل مقدّس، وكلمة “إسرائيل” نسبة إلى نبيّ الله وهو مقدّس؛ فكأنّ التسميتيْن تحملان معهما دلالة دينيّة. ويستدلّون على ذلك بنصوص من التوراة، كما سنرى فيما بعد.

كلمة “صهيون” هذه اعتبرها اليهود أو الحركة الصهيونية تعتبرها كلمة مقدّسة؛ لأنها تعبِّر عن مكان مقدّس. ويستدلّون على تقديس هذا المكان بكثير من النصوص التي ألصقوها بالتوراة، وخاصة بعض الأسفار التي ربما يجد القارئ لكلّ من هذه الأسفار -لأوّل وهلة- أن هذا الكلام الموجود فيها يستحيل أن يُنسب إلى الرب تعالى. وتعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا.

مما جاء في “سِفر أشعياء” سفر 52 من 1/ 7، بالنسبة لأرض صهيون، أو جبل صهيون بالذات، دلالة على أن هذا الجبل تقدّسه الحركة الصهيونية، ماذا جاء في هذا السفر يقول هذا عن الله سبحانه وتعالى وحاشا لله أن يقول ذلك: “استيقظي! استيقظي! البسي عزّك يا صهيون! البسي ثياب جمالك يا أورشليم المدينة المقدسة! لأنه لا يعود يَدخلك فيما بعد أغلف، ولا نجس”. الأغلف، والنجس يَعنون بهما: النصراني، والمسلم. “انتفضي من التراب! قومي! اجلسي يا أورشليم! انحلِّي من رباط عنقك، أيتها المسبيَّة ابنة صهيون! ما أجمل على الجبال قدمَي المبشِّر المخبِر بالسلام، المُبَشِّر بالخير، المخبِر بالخلاص، القائل لصهيون: قد ملَك إلهُكِ الأرضَ. وعندما قالت صهيون: قد تركني الرب! وسيِّدي نسيَني! كان رد الرب عليها -كما يدّعي اليهود: حيٌّ أنا يا صهيون! إنك تلبَسين كلّهم كحُلِيٍّ، وتنطقين بهم كعروس! هكذا قال السيّد الرب: ها أنِّي أرفعُ إلى الأمم يدي، وإلى الشعوب أُقيم رايتي؛ فيأتون بأولادك في الأحضان، وبناتك على الأكتاف يُحمَلن إليك يا صهيون!”.

وفي “أخبار الأيام الأولى”، ورَد: أنّ الفلسطينيِّين قد انتصروا على (شاءول) ملك اليهود وقتلوه وسائر ولده، فولَّى بنو إسرائيل داود ملكًا عليهم متوسِّلين به أن يقبل ذلك حتى يتمكّنوا مِن قتْل الفلسطينيِّين؛ وقد استجاب داود لطلبهم، واتخذ من جبل صهيون حصنًا له.

تقول التوراة: “جبل صهيون هو جبل الرب، ومسكَنه، ومستقرّ بيته، وبه الهيكل، وبه يمثل جزء من عقيدتهم القائمة على خصوصية الإله”. ففي إطار الحديث عن داود عليه السلام في العهد القديم، ورد: أنّ داود أراد أن يبني بيتًا للرب، ولكنّ الله نهاه عن ذلك لكثرة حروبه وإراقته للدماء وعدم أهليّته لهذا العمل. كما أخبره بأن ولدًا من نسْله يختاره الرب يكون له أبًا، ويكون الولد له ابنًا هو الذي سيبْني ذلك الهيكل. وقد بنى سليمان بيت الرب هذا تحقيقًا لوعد الإله؛ ليجلس على كرسي مملكة الرب على إسرائيل.

هذه كلها نصوص تبيِّن مدى التصاق الفكرة الصهيونية بالعقيدة الدينية التي يختلقون لها الأكاذيب، ويلصقونها بالتوراة.

ورد في “سفر أشعياء”: “ارفعي عينيْك يا صهيون! ارفعي عينيْك حواليك! انظري! قد اجتمعوا كلّهم. جاءوا إليك! يأتي بنوك من بعيد، وتُحمل بناتك على الأيدي! حينئذ تنظرين، وتنيرين، ويخفق قلبك ويتّسع؛ لأنه تتحول إليك ثروة البحر، ويأتي إليك غنم الأمم. هكذا تكلم الرب إله إسرائيل قائلًا: اكتب كلَّ الكلام الذي تكلمتُ به إليك في سفر؛ لأنَّه ها أيام تأتي يقول الرب: وأرد سبيَ شعبي لإسرائيل ويهوذا، وأُرجعهم إلى الأرض التي أعطيت آباءهم إياها؛ فيمتلكونها من البحر إلى النهر”.

أيضًا، نصوص تُصرِّح بأن هذه الأرض محرّمة على غير اليهود، ونصوص تصرح بأنَّ جبل صهيون جبل مقدّس، ونصوص تصرِّح بأن هذه الأرض لإسرائيل لا لغيرها.

فورَد في “سفر هوشة”: “لأنَّ بني إسرائيل سيقعدون أيامًا كثيرة بلا مَلِك، وبلا رئيس، وبلا ذبيحة، وبلا تمثال، بعد ذلك يعودُ بنو إسرائيل ويطلبون الرب إلههم وداود ملِكهم، ويفزعون إلى الرب، وإلى جوده في آخر الأيام؛ فتُعطى لهم الأرض. ترنَّمي! افرحي يا بنت صهيون! لأني ها أنا ذا آتي، وأسكن في وسطك! -هكذا يقول الرب. فيتّصل أمم كثيرة بالرب في ذلك اليوم، ويكونون لي شعبًا؛ فأسكن في وسطك، فتعلمين أن رب الجنود قد أرسلني إليك. والرب يرث يهوذا نصيبه في الأرض، ويختار أورشليم. واسكنوا يا كل البشر قدّام الرب؛ لأنه قد استيقظ من مسكن قدسه في جبل صهيون”.

هناك نصوص كثيرة في الحقيقة لا تجد فيها روح إله يتكلّم، ولا معاني ربوبية تحنو على عبادها؛ وإنَّما هي روح عنصرية سياسية، وربما اقتصادية حاكها هؤلاء؛ لينسجوا في ضوئها أسطورةَ الأرض وأسطورة العودة إلى جبل صهيون؛ حتى إنك تقرأ أمثال هذه العبارات:

ورد في “سفر عويدا” مثلًا: “وأمّا جبل صهيون، فتكون عليه نجاة، ويكون مقدسًا، ويرث بيت يعقوب مواريثهم. وسبيُ هذا الجيش من بني إسرائيل يرثون الذين هم من الكنعانيِّين، وسبي أورشليم الذين هم في صفارد يرثون مدن الجنوب. ويصعد مخلصون على جبل صهيون ليدينوا جبل عيسو، ويكون المُلك للرب”. إشارة إلى حدود الدولة الصهيونية من الشمال والجنوب والشرق والغرب.

أيضًا، نجد في هذه النصوص بعض الأفكار العنصرية التي بَنى عليها مؤسّس الحركة الصهيونية السياسية المعاصرة أسطورة: شعب الله المختار، وأسطورة: أن إسرائيل اصطفاهم الله دون سائر البشر؛ حتى إن الوعد في بعض النصوص يرد أنه لأولاد إبراهيم، ويَنسى مؤسس الحركة الصهيونية أنّ العرب أيضًا هم من ولد إبراهيم، ويجعل الوعد خاصًّا بنسل إبراهيم من أبناء يعقوب فقط!

أيضًا نجد في هذه النصوص -لا أريد أن أقرأها لأنها كثيرة جدًّا، وهي للأسف الشديد لا نجد فيها روح النص الديني الصحيح، وإنما هي -كما قلت- ممّا حرفتْه أيدي الصهيونية، ونسبَتْه إلى التوراة- نجد فيها فكرة: أن أرض فلسطين لا يوضع لها حدود، أو أرض إسرائيل لا يوضع لها حدود نهائيًّا. وإنما نجد في النصوص حيث يوجد قدمك -أيها الجندي- فهي آخر مُلكك.

ونجد فيها نصوصًا أنهم لا يسمحون لغير اليهود بالإقامة في وسط هذه الأرض؛ لأنهم سيكونون كالمناخيس في ظهورهم. فكرة العداء، وفكرة القهر، وفكرة السيطرة، ينطق كلّ حرف من أحرف هذه النصوص بمعاني الغدر والخسّة والنذالة، والسطو على أموال وعلى أرزاق الآخَرين.

هذه بعض النصوص -كما قلت- التي تؤيِّد الأسطورة الدينية التي بُنيت عليها قضية العودة إلى الأرض وقضية نسبة الحركة إلى جبل صهيون باعتباره جبلًا مقدسًا.

إذًا نستطيع أن نقول: إنّ هذه الحركة تأسّست على فكر دينيّ عقائدي، تخلّل هذا الفكر الديني أهداف سياسية، وتخلّل هذا الفكرَ الديني أفكارٌ عنصرية، وتخلّل هذا الفكر الديني بعضُ ملامح الوقوف. ونستطيع أن نلمح في هذه النصوص موقفَ الحركة الصهيونية من أصحاب الديانتيْن التاليتيْن: المسيحية، والإسلامية؛ حيث يصِفون المسيحية والإسلامية بالنجس والغلف، إشارة إلى هاتيْن الديانتيْن ومن يدين بهما.

error: النص محمي !!