الصورة الثالثة من صور التخارج:يكون مع الورثة كلهم
في هذه الصورة يكون مع الورثة كلهم أي: بين واحد منهم، وبقيتهم جميعًا، كالصورة الثانية، لكنها تختلف عنها في أن البدل من هذه الصورة يكون من عين التركة، والمعنى: أن التركة يكون فيها نقد وعقار مثلًا، أو نقد وعرض، أو نقد حاضر، ونقد في ذمة آخر، ونحو ذلك. يتصالح واحد من الورثة مع بقيتهم جميعًا على أن يأخذ العقار أو العرضَ مقابل حصته، أو مبلغًا من النقود الحاضرة، أو التي في الذمة ونحو ذلك، ويخرج من التركة، ويتراضون جميعًا على هذا، ويكون التخارج في هذه الصورة قسمة غير كاملة بين الخارج الذي فرز نصيبه وعيَّنه، وبين باقي الورثة الذين يملكون الباقي على الشيوع. وهذه الصورة هي أكثر صور التخارج وقوعًا بين الناس.
وحل مسائل هذه الصورة يكون كالآتي:
تُحل المسألة بالطريقة المعتادة، وتُقسم التركة على جميع الورثة بما فيهم الوارث الخارج، وكأنه لم يحصل تخارج أبدًا، وتُعرف سهام كل وارث من أصل المسألة، بما في ذلك سهام الوراث الخارج أيضًا، ثم بعد معرفة سهامه نستبعدها ونسقطها نظيرَ ما تخارج عليه، ونقسم بقية التركة على باقي الورثة، فيأخذ كل وارث من الباقي من التركة بنسبة سهامه في حالة وجود الخارج من التركة، وبذلك يكون كل وارث قد حصل على حقه كاملًا، التركة كلها المتخارج عليه، والباقي منها.
مثال على الصورة الثالثة:
ماتت عن زوج وأم وعم شقيق، والتركة ستون فدانًا، ومنزل وسيارة، فتخارج الزوج على المنزل والسيارة وخرج من التركة، فللزوج النصف؛ لعدم وجود الفرع الوارث، وللأم الثلث لعدم وجود عدد من الإخوة، ولا فرع وارث، وللعم الشقيق الباقي تعصيبًا.
فأصل المسألة -كما هو واضح- من ستة: للزوج ثلاثة أسهم، وللأم سهمان، وللعم الشقيق سهم.
شرح المسألة:
أولًا: قمنا بحل المسألة بالطريقة المعتادة على جميع الورثة بما فيهم الوارث الخارج -الزوج- وعرفنا نصيب كلٍّ، وعدد سهامه من أصل المسألة، وهو ستة: للزوج منها ثلاثة أسهم، جاءت نتيجة قسمة أصل المسألة ستة على مقامه فرضه اثنين، وللأم سهمان، جاءت نتيجة قسمة أصل المسألة ستة على مقام فرضها ثلاثة، وللعم السهم الباقي، فالوارث الخارج في هذه الخطوة معتبَر في التقسيم، وسهامه معتبرة كذلك، وكأنه لم يتخارج أحد من التركة مطلقًا في هذه الخطوة.
ثانيًا: استبعدنا سهام الوارث الخارج، وأسقطناها نظير ما تخارج عليه، ثم قسمنا الباقي من التركة -وهو ستون فدانًا- على الباقي من الورثة بنسبة سهامهم حال وجود المتخارج، والباقي من الورثة هما الأم والعم الشقيق، وسهامهم حال وجود المتخارج ثلاثة أسهم، منها سهمان للأم وسهم للعم الشقيق، أي: بنسبة اثنين إلى واحد.
ثالثًا: قسمنا الباقي من التركة -وهو ستون فدان- على السهام الثلاثة الباقية بعد إسقاط سهام المتخارج، ويكون هكذا: ستون على ثلاثة يساوي عشرين فدانًا قيمة السهم الواحد، ويكون توزيعها هكذا:
رابعًا: نصيب الأم سهمان في عشرين فدانًا، قيمة السهم الواحد يساوي أربعين فدانًا.
خامسًا: نصيب العم الشقيق سهم في عشرين فدانًا قيمة السهم الواحد يساوي عشرين فدانًا.
هذا، وإن هذه الصورة بنصها ذكرها صاحب (الدر المختار) وقال: ولا يجوز أن يُجعل الزوج كأن لم يكن؛ لئلا ينقلب فرض الأم من ثلث أصل المال إلى ثلث أصل الباقي؛ لأنه حينئذٍ يكون للأم سهم وللعم سهمان، وهو خلاف الإجماع.
ومعنى هذا: أننا لو اعتبرنا الزوج كأن لم يكن، وقلنا: إنه أخذ ما تصالح عليه وخرج، فنسقطه ونقسم الباقي من التركة على الورثة الباقين؛ لأدى هذا إلى أن يكون للأم فرضها وهو الثلث، وللعم الباقي تعصيبًا، وعلى ذلك يكون أصل المسألة: ثلاثة؛ للأم منها سهم، وللعم الشقيق سهمان أي: للأم عشرون فدانًا، وللعم أربعون فدانًا، وهذا هو الذي لا يصح، ولا يجوز القولُ به.
إذًا لا يجوز أن نسقط الزوج أبدًا في التقسيم، لكن نسقط سهامه بعد معرفتها وتحديدها؛ لماذا؟
يقول الزيلعي: لأنه قَبَض البدل نصيبه، فكيف يمكن جعله كأن لم يكن؟ بل يجعل كأنه استوفى نصيبه ولم يستوف الباقون أنصباءهم، كما يقول ابن عابدين: بخلاف ما إذا ما كان العم أبًا، فإنه لا يلزم اعتبار دخول الزوج في التصحيح؛ لأن للأم سهمًا، وللأب سهمان.