Top
Image Alt

العباس بن الأحنف، ونماذج من شعره

  /  العباس بن الأحنف، ونماذج من شعره

العباس بن الأحنف، ونماذج من شعره

شاعر عربيّ من بني حنيفة، لم يكن في نسبه عرق فارسي ولا رومي، ويظهر أنه نشأ في نعمة وثراء جعلاه ينصرف عن شعر المديح، الذي كان يجذب إليه عامة الشعراء؛ طلبًا للنوال والعطاء في العصر العباسي. وكان العباس يعيش حياةً مترفة، يختلط فيها بالشعراء المترفين، أو الماجنين -إن شئت- أمثال أبي نواس وغير أبي نواس، ولكنه لم يتردََّ في خلاعتهم ومجونهم، وقد حافظ على مروءته وحافظ على دينه.

يقول ابن المعتز عنه: كان يتعاطى الفتوة على ستر وعفَّة، وله مع ذلك كرم ومحاسن أخلاق، وفضل من نفسه، وكان جوادًا. وكان شاعرًا غزلًا ظريفًا مطبوعًا، كما يقول أبو الفرج الأصفهاني، وله مذهبٌ حسن، ولديباجة شعره رونق، ولمعانيه عذوبة ولطف. ولم يكن يتجاوز الغزل إلى مديح ولا هجاء، ولا يتصرف في شيء من هذه المعاني.

إذًا كان العباس بن الأحنف غَزِلًا عفيفًا، ولم يكن فاسقًا أو ماجنًَا، ولم يكن كذلك مدَّاحًا ولا هجَّاءً.

ومن طريف ما يُروى أن هارون الرشيد كانت امرأته ماردة أم المعتصم غاضبته، وتوقَّع أن تبدأه بالترضِّي فلم تفعل، فأرق بسبب ذلك، وعرف جعفر البرمكي هذا الأمر، فأعلم العباس بن الأحنف القصة، وطلب إليه أن يقول في ذلك شيئًا إذا سمعته أم المعتصم ألانت جانبها للرشيد، فلم يلبث العباس أن قال:

العاشقان كلاهما متجنِّب

*وكلاهما متعتِّب متغضِّب

صدَّت مغاضبة وصدَّ مغاضبًا

*وكلاهما مما يُعالج متعب

راجع أحبَّتك الذين هجرتهم

*إن المتيَّم قلَّما يتجنَّب

إن التجنب إن تطاول منكما

*دبَّ السلوُّ له فعزَّ المطلب

يقال: إنه ألقى بهذه الأبيات إلى إبراهيم الموصلي، فغنَّى بها الرشيد، فلما سمعها بادر إلى ماردة فترضَّاها، ويقال: إنها أمرت للعباس وإبراهيم بعشرين ألف درهم مناصفة، وأمر لهما الرشيد بأربعين ألفًا.

وقد أحب العباس بن الأحنف فتاة تُسمى فوز، فوقعت في قلبه، وأخذ يُكثر من الكلام في شعره عنها، وعرفت حبَّه لها، وكانت تصدُّه وهو يزداد تعلقًا بها، ومما قاله فيها:

قالت ظلوم سميَّة الظلم

*ما لي رأيتك ناحل الجسم

يا من رمى قلبي فأقصده

*أنت العليم بموضع السهم

ومن شعره الذي قاله يُخاطب به فوزًا هذه قوله:

أزينَ نساء العالمين أجيبي

*دعاء مشوق بالعراق غريب

كتبت كتابي ما أقيم حروفه

*لشدَّة إعوالي وطول نحيب

أخط وأمحو ما أخط بعبرة

*تسحُّ على القرطاس سحَّ ذنوب

أي يا فوز لو أبصرتني ما عرفتني

*لطول نحولي بعدكم وشحوب

وأنت من الدنيا نصيبي فإن أمُت

*فليتك من حور الجنان نصيبي

أرى البين يشكوه المحبون كلهم

*فيا ربِّ قرِّب دار كلِّ حبيب

وهذه الأشعار تدل على أن غزل العباس بن الأحنف كان عذريًّا طاهرًا نقيًّا، وأن شعره يمتاز بجزالة اللفظ مع عزوبته، كما يمتاز بشرف المعاني وروعتها، وبراعة التصوير، ورقة التعبير، وكان أيضًا صادق العاطفة في حبه وغزله.

error: النص محمي !!