العضل في النكاح
وتعريف العضل: هو منع الولي وليته من النكاح، وأصل العضل هو التضييق والمنع، وأصله مِن عَضَّلَت الناقة إذا نَشِب ولدها، ولم يسهل مخرجه.
حديث معقل بن يسار قال: “زوجت أختًا لي من رجل فطلقها، حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها فقلت له: زوجتك وأفرشتك وأكرمتك فطلقتها، ثم جئت تخطبها، لا؛ والله لا تعود إليك أبدًا، وكان رجلًا لا بأس به، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه؛ فأنزل الله هذه الآية: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232] الآية، فقلت: الآن أفعل يا رسول الله. قال: فزوجها إياه، أي: أعادها إليه بعقد جديد”.
وهذا الحديث يعتبر من أقوى الأحاديث، التي يُستدل بها على اشتراط الولي في النكاح، وهذا ما ذهب إليه الجمهور فقالوا: لا تزوج المرأة نفسها أصلًا، واحتجوا بأحاديث كثيرة كان من أقواها هذا الحديث، وكان من أقواها هذا السبب المذكور في نزول هذه الآية المذكورة، وهي أصرح دليل على اعتبار الولي؛ لأنه لو لم يكن الولي واجبًا في النكاح، أو ركنًا من أركان النكاح، لما كان لعضله معنى، ولأنه لو كان لها -أي للمرأة- أن تزوج نفسها، لم تحتج إلى أخيها المذكور في الحديث، ومن كان أمره إليه لا يقال: إن غيره منعه منه.
وذكر ابن المنذر أنه لا يعرف عن أحد من الصحابة خلاف ذلك، وذهب الأحناف إلى أنه لا يشترط الولي أصلًا فقالوا: يجوز أن تزوج المرأة نفسها ولو بغير إذن وليها، إذا تزوجت كُفْأً، واحتج الأحناف بالقياس على البيع، فإن المرأة تستقل به.
وحمل الأحناف الأحاديث الواردة في اشتراط الولي على الصغيرة، وخُصَّ بهذا القياس عمومها، وهو عمل سائغ في الأصول، وهو جواز تخصيص العموم بالقياس.
لكن حديث معقل بن يسار المذكور آنفًا رفع القياس، ويدل على اشتراط الولي في النكاح دون غيره؛ ليندفع عمن يتولى غيرها العار باختيار الكفء، وانفصل بعضهم عن هذا الإيراد بالتزامهم اشتراط الولي.
ولكن لا يمنع ذلك تزويجها نفسها، ويتوقف ذلك على إجازة الولي كما قالوا في البيع، وهو مذهب الأوزاعي. وقال أبو ثور نحوه، لكن قال: “يشترط إذن الولي لها في تزويج نفسها”. وتعقب بأن إذن الولي لا يصح إلا لمن ينوب عنه، والمرأة لا تنوب عنه في ذلك؛ لأن الحق لها، ولو أذن لها في إنكاح نفسها صارت كمن أذن لها في البيع من نفسها، ولا يصح.
وفي حديث معقل هذا: دليل على أن السلطان لا يزوج المرأة إلا بعد أن يأمر وليها بالرجوع عن العضل، فإن أجاب فذاك، وإن أصر زَوَّجَها.