Top
Image Alt

العلاقة بين اختلاف المطالع وتوحيد المسلمين على الصيام والفطر

  /  العلاقة بين اختلاف المطالع وتوحيد المسلمين على الصيام والفطر

العلاقة بين اختلاف المطالع وتوحيد المسلمين على الصيام والفطر

حين تختلف مطالع الهلال في بلد عن بلد آخر، فيثبت ظهور الهلال في بلد ولا يثبت ظهوره في بلد آخر، هنا نطرح السؤال التالي: هل يلزم أهل البلد الذين لم يثبت ظهور الهلال عندهم، أن يصوموا مع أهل البلد الذين ثبت ظهور هلال رمضان عندهم أم لا يلزم؛ لأن لكل بلد مطلعًا فيلتزم أهل كل بلد بهذا المطلع؟

كذلك السؤال التالي: هل يلزم أهل البلد الذين لم يثبت عندهم هلال شهر شوال، الذي يوجب انتهاء شهر رمضان ووجوب الفطر -أن يلتزموا بمن ظهر عندهم الهلال في بلدهم فيفطروا معهم، ويكون العيد للجميع أم لا؟ وسواء كان البلد الذي لم يثبت فيه الهلال لرمضان أو شوال قريبا أو بعيدا من البلد الذي ثبت فيه، أم هل لذلك الالتزام أو عدمه شروط خاصة؟

للإجابة عن هذه التساؤلات، نقول: إن اختلاف المطالع أمر واقع بين البلاد البعيدة كاختلاف مطالع الشمس، حتى وصل الأمر إلى ساعات طويلة، أو طال إلى حد تبادل الليل والنهار؛ فقد يكون الوقت نهارًا في “الصين” وليلًا في “أمريكا” أو العكس، وكذلك الأمر في هلال رمضان أو شوال؛ لأن القمر مرتبط بالشمس وبالأرض، فماذا يكون العمل؟ هل يعتبر ذلك الاختلاف في بدء صيام المسلمين، وتوقيت عيدي الفطر والأضحى وسائر الشهور؛ فتختلف بينهم بدءًا ونهاية أم لا يعتبر ذلك، ويتوحد المسلمون في صومهم وعيديهم؟

ننظر في أقوال الفقهاء في هذه القضية “العلاقة بين اختلاف المطالع، وتوحيد المسلمين على الصيام والفطر”:

ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لا عبرة باختلاف المطالع؛ فعلى أهل كل بلد أن يصوموا مع أي بلد ثبت فيها ظهور الهلال. وهناك من الفقهاء من قال باعتبارها -أي: اختلاف المطالع- فلا يلزم من لم يروا الهلال أو لم يثبت عندهم أن يصوموا على صيام بلد أخرى، ثبت فيها ظهور الهلال، ويقولون بأن هذا الاعتبار مطلوب وخاصة بين الأقطار البعيدة، كأن يكون الليل في مكان والنهار في مكان آخر، كـ “الصين” و”أمريكا” مثلًا. ولننظر في تفاصيل هذا الأمر:

قال الحنفية في هذه الحالة بأن لكل بلد رؤيتهم، أي: يعتبرون اختلاف المطالع، وأوجبوا على الأمصار القريبة اتباع بعضها بعضًا، وألزموا أهل المصر القريب في حالة اختلافهم مع مصر قريب منهم بصيامهم تسعة وعشرين، وصيام الآخرين ثلاثين؛ اعتمادا على الرؤية، أو إتمام شعبان ثلاثين، فألزموهم أن يقضوا اليوم الذي أفطروه؛ لأنه من رمضان حسبما ثبت عند المصر الآخر.

والمعتمد الراجح عند الحنفية: أنه لا اعتبار باختلاف المطالع؛ فإذا ثبت الهلال في مصر لزم سائر الناس برؤية، فيلزم أهل المشرق برؤية أهل المغرب، في ظاهر المذهب الحنفي، مع التباعد.

إذًا: من الحنفية من قال بالاعتبار، ومنهم من قال بعدم الاعتبار، والراجح والمعتمد عدم الاعتبار؛ بدليل أنهم قالوا: إن أهل المشرق يلزمون برؤية أهل المغرب أو العكس، هذا رأي الحنفية.

وقال المالكية بوجوب الصوم على جميع أقطار المسلمين؛ فإذا رُئي الهلال في أحدها وجب الصوم على الجميع، وقيّد بعضهم هذا التعميم فاستثنى البلاد البعيدة كثيرا. وكان المالكية في المدينة يعتبرون الأندلس وهي: “أسبانيا”، أو “خراسان” مناطق “فارس” من البلاد البعيدة؛ ولذلك قالوا: إن البلاد البعيدة مستثناة من هذا الإلزام.

وعمل الشافعية باختلاف المطالع واعتبارها، فقالوا: إن لكل بلد رؤيتهم، وإن رؤية الهلال ببلد لا يثبت بها حكمه لما بعُد عنهم -أي: من البلاد الأخرى- كما صرح بذلك النووي.

إذًا: الحنفية فريقان؛ فريق يقول بالاعتبار، وفريق يقول بعدم الاعتبار، وهو المعتمد.

والمالكية يقولون بعدم الاعتبار إلا للبلاد البعيدة جدًّا، وإذا كانت الأندلس بعيدة عن المدينة أو عن الحجاز، فماذا نقول اليوم عن “أمريكا” أو عن “اليابان”؟

أما الشافعية فاعتمدوا اختلاف المطالع، وقالوا: لكل بلد رؤيته، ورؤية الهلال في بلد لا يثبت بها حكمه؛ أي: لا يوجب صومًا ولا فطرًا للبلاد البعيدة عنه، وبهذا صرح النووي. واستدل الشافعية بما روي عن ابن عباس > أنه لم يعمل في حديث كريب، برؤية أهل الشام.

وقال الحنابلة بعدم اعتبار اختلاف المطالع، وألزموا جميع البلاد بالصوم أو الإفطار إذا رئي الهلال في بلد، أي بلد.

واستدل القائلون -أي: الحنفية والمالكية والحنابلة- الذين لا يعتبرون اختلاف المطالع، بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته))، فقد أوجب هذا الحديث الصوم بمطلق الرؤية لجميع المسلمين دون تقييدها بمكان، واعتبروا ما ورد في حديث ابن عباس الذي استدل به الشافعية على اعتبار اختلاف المطالع اجتهادا منه، وليس نقلًا عن الرسول صلى الله عليه وسلم.

إذًا: اتضح لنا أقوال الأئمة الفقهاء في اعتبار المطالع -أي: اعتبار اختلافها- أو عدم الاعتبار؛ فجمهور الأئمة -الحنفية والمالكية والحنابلة- على عدم اعتبار اختلاف المطالع، وعلى جميع البلاد أن تلتزم برؤية البلد الذي رأى الهلال، سواء في الصيام أو في الإفطار، وكذلك في العيدين، وخالف في ذلك الشافعية فقالوا باعتبار هذا الاختلاف، وأن لكل بلد رؤيتهم. وهناك استثناءات، من ذلك: البلاد البعيدة عن بعضها البعض؛ فيؤخذ بالاعتبار فيما بعُد، ولا اعتبار للبلاد والأمصار القريبة من بعضها.

error: النص محمي !!