Top
Image Alt

أحكام الشرط

  /  أحكام الشرط

أحكام الشرط

فمن أحكام الشرط؛ إخراج ما لولاه علم إخراجه؛ كـ:أكرِم زيدًا إن استطعت، أولًا: كـ:أكرمه إن قام، ثم قد يوجد دفعة التعليق على وقوع الطلاق؛ فالحكم عند أول وجوده، وقد يوجد على التعاقب، كالحركة والكلام؛ فعند آخر جزء، إذ العرف يقضي بوجوده حينئذ، وقد يمكن أن يقع على الوجهين؛ كالطهارة لمن نوى وهو منغمس في الماء، ولمن توضأ ناويًا، وقلنا بتفريق الارتفاع؛ فالحكم عند وجوده دفعة؛ إذ يمكن أن يعد وجوده حقيقة، ولا تحقق لوجود إلَّا كذلك بخلاف القسم الثاني.         

أيضًا الشرط والمشروط قد يتحدان، نحو: إن دخلت الدار فأنت طالق، وقد يتحدد الشرط ويتحد المشروط ،بأن يكون للمشروط الواحد شرطان؛ فإن كان على الجمع؛ لم يحصل المشروط إلَّا بحصولهما معًا؛ كقوله: إن دخلت الدار وكلمت زيدًا فأنت طالق، وإن كان على البدل؛ حصل المشروط بحصول أحدهما؛ كقوله: إن دخلت الدار، أو كلمت زيدًا فأنت طالق.

يقول “إلكيا الطبري”: ومتى زِيد في شرطه زِيد في تخصيصه لا محالة؛ فإنه يحطه في كل دفعة عن رتبة الإطلاق، قال: وينشأ من جواز مشروط لمشروط، ألَّا يشعر انتفاء الشرط بانعكاس حكم المشروط إلَّا في المعلوم.

وقد يتعدد المشروط ويتحد الشرط، بأن يكون للشرط الواحد مشروطات؛ فإما على الجمع كقوله: إن زنيت جلدتك وعزَّرتك؛ فإذا حصل الزنا؛ حصل استحقاق الأمرين؛ وإما على البدل؛ كقوله: جلدتك، أو عزّضرتك، والمحقق أحدهما.

إذًا يلاحظ أن الشرط نوعان:

– شرط يتحقق في الوجود دفعة واحدة: كالتعليق على وقوع الطلاق وحصول بيع ونحوهما، مما يستحيل أن يدخل في الوجود إلَّا دفعة واحدة؛ فالمشروط حينئذ يصير عند أول أزمنة الوجود إن علق عليه، وينعدم عند انعدامه إن علق عليه، وذلك مثل: إن بعت عبدي فلك درهم، وإن تزوجت فلانة فلك هدية؛ فالدرهم يستحق عند البيع، وكذلك الهدية تستحق عند حصول عقد النكاح الصحيح، ولا يوجدان في حالة عدم الشرط.

النوع الثاني: شرط يوجد على التدريج: بمعنى: أنه لا يتحقق في الوجود دفعة واحدة، وإنما يحتاج في وجوده إلى عدة أزمنة، وذلك كالتعليق على قراءة سورة مثلًا؛ ففي هذه الحالة فإن كان التعليق على وجوده؛ كقوله: إن قرأت “الفاتحة”، فأنت حر؛ فالمشروط -وهو الحرية- يوجد عند تكامل أجزاء “الفاتحة”، وإن كان التعليق على عدمه؛ كقوله لزوجته: إن لم تقرئي الفاتحة فأنت طالق؛ فيوجد المشروط -وهو الطلاق- عند ارتفاع جزء من الفاتحة كما لو قرأت الجميع إلَّا حرفًا واحدًا وذلك؛ لأن المركب ينتفي بانتفاء جزئه.

أيضًا من أحكام الشرط: أنه لا يشترط في الشرط أن يكون متأخرًا عن المشروط في اللفظ، حتى لا يكون كالاستثناء؛ بل الأصل تقديمه؛ لأنه متقدم في الوجود، ولأنه قسم في الكلام؛ فكان له الصدر كالاستفهام والتمني، ويجوز تأخيره لفظًا كقوله: أنت طالق إن دخلت الدار، قال الإمام الرازي في كتابه: (المحصول): ولا نزاع في جواز تقديمه وتأخيره؛ وإنما النزاع في الأولى، ويشبه أن يكون الأحرى هو التقديم خلافًا للفراء.

يقول الزركشي: قولهم: لا نزاع في تقديمه وتأخيره، مردود؛ فمذهب البصريين: أن الشرط له صدر الكلام، كالاستفهام؛ فلا يتقدم عليه الجواب، فإن تقدم عليه شبه بالجواب وليس بجواب، وجوزه الكوفيون؛ فنحو: أنت طالق إن دخلت الدار؛ تقديره عند البصريين: أنت طالق إن دخلت الدار فأنت طالق، ولا تقدير عند الكوفيين؛ بل هو جواب مقدم من تأخير.

ورد: بأنه لو كان كذلك لما افترق المعنيان، وهما مفترقان؛ ففي التقديم مبنى الكلام على الجزم ثم طرأ التوقف، وفي التأخير مبنى الكلام من أوله على الشرط؛ وبهذا يظهر قول الإمام الرازي: إن الأولى تقديم الشرط، وما حكاه عن الفراء غريب، وقال الصفي الهندي: في صحة النقل نظر، وإن صح النقل فضعفه بين.

أيضًا من أحكام الشرط: أن الشرط، هل هو مخصِّص للأعيان، أو للأحوال، أو مخصِّص لهما؟

فالشرط، مخصِّص للأحوال لا للأعيان، نقله صاحب (المصادر)، عن الشريف المرتضي، منع كون الشرط يدل على التخصيص، وقال: الشرط لا يؤثر في زيادة ولا نقصان، ولا يجري مجرى الاستثناء والصفة، وجزم به صاحب (المصادر)، لا يجري الشرط مجرى الاستثناء في التخصيص؛ لأن الاستثناء تقليل في العدد قطعًا بخلاف الشرط،؛ لأن قولك: أعطِ القوم إن دخلوا الدار، لا يقطع بأن بعضهم خارج عن العطية؛ بل يجوز أن يدخل الكل فيستحقوا العطية؛ فإذًا الشرط غير مخصِّص للأشخاص والأعيان؛ كالاستثناء، وإنما هو مخصِّص للأحوال من حيث إن الأمر بالعطية لو كان مطلقًا لا يستحقونها على كل حال؛ فإذا شرط بدخول الدار؛ يخصص بتلك الحالة التي هي دخول الدار.

قال: وذكر القاضي عبد الجبار: أن الشرط إنه يخصص ما دخله، إلَّا أن يدخل للتأكيد؛ فلا كقوله: إن تطهرت فصلِّ؛ لأنه ليس بشرط في التحقيق.

أيضًا من أحكام الشرط: أنه لا خلاف في وجوب اتصال الشرط في الكلام؛ وإن اختلف في الاستثناء، ولا خلاف في أنه يجوز تقديم الكلام بشرط يكون الخارج به أكثر من الباقي، ولا يأتي فيه الخلاف في الاستثناء؛ قاله الإمام الرازي، ويقول الهندي: وهذا يجب تنزيله على ما علم أنه كذلك، وأما ما يجهل فيه الحال؛ فيجوز أن يقيد، ولو بشرط لا يبقى من مدلولاته شيء؛ كقولك: أكرم من يدخل الدار إن أكرمك، وإن اتفق أن أحدًا منهم لم يكرمك.

أيضًا اختلفوا في الجمل المتعاطفة إذا تعقبها شرط، هل يرجع إلى الجميع أو يختص بالأخيرة، على طريقتين:

إحداهما على قولين: وممن حكاهما الصيرفي في كتابه: (الدلائل)؛ فقد قال: اختلف أهل اللغة في ذلك؛ فقال قوم: يرجع إلى ما يليه، حتى يقوم دليل على إرادة الكل، وقال قوم: بل يرجع إلى الكل، حتى يقوم دليل على إرادة البعض، ثم اختار الإمام الصيرفي، رجوعه إلى الكل؛ لأن الشرط وقع في آخر الكلام؛ فلم يكن آخر المعطوفات أولى به من غيره؛ فأمضي على عمومه.

والطريقة الثانية: وهي القطع بعوده إلى الجميع، والفرق أن الشرط منزلته التقدم على المشروط؛ فإن أخر لفظًا كان كالمصدر في الكلام، ولو صدر لتعلق بالجميع، فكذا المتأخر. هذه هي أهم أحكام الشرط، وبه ينتهي الكلام على المخصِّص الثاني من المخصِّصات المنفصلة: وهو الشرط.

error: النص محمي !!