الغنائم: تعريفها، ومشروعيتها، وكيفية توزيعها
بعد هذا التفصيل في الكلام عن الزكاة والضرائب، أرى أنّ صورة النظام المالي الإسلامي -وبخاصة موارد الدولة- يمكن أن تتّضح حتى لو وقفنا فقط عند أهمّ الموارد الواقعية في حياتنا، ونتغاضى مرحليًّا عن تلك الموارد التي أصبحت تاريخًا بالنسبة لنا كأمة إسلامية، وذلك مثل: الغنائم، والفيء، والجزية.
وقد يكفينا تعريف كلٍّ منها وبيان مَصْرفه، على أن يكون تركيزنا على المتاح من موارد الدولة، دورية كانت أو غير دورية، مثل: العشور والخراج؛ فنقتطف ما يفيدنا في التعريف بالمورد، وأهمّ أحكامه بالجملة، ثم بيان مصرِفها.
فمثلًا “الغنائم” تُعرف بأنها: الفوز بالشيء، وفي التنزيل العزيز: {فَكُلُواْ مِمّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيّباً} [الأنفال: 69].
وتُعرف اصطلاحًا بأنها: الأموال المنقولة التي يستولي عليها المسلمون من أهل الحرب بطريق القهر والغلبة. وتشمل: الأسلاب والسلاح والماشية وغيرها…
وقد أحلّها الله تعالى لهذه الأمة خاصة، كما ورد في الحديث الصحيح المتّفق عليه، وفيه قال صلى الله عليه وسلم: ((أُعطيتُ خمسة لم يُعطهُنّ أحد قبلْي -وذكر منها: – وأُحِلّت لِي الغنائم)).
والمصدر التشريعي لحُكم الغنائم: ما ورد في أوّل دليل شرعي يثبت حُكم الغنائم في الآية الأولى من سورة “الأنفال”؛ وقد نزلت في شأن غنائم بدر. قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنْفَالِ قُلِ الأنفَالُ للّهِ وَالرّسُولِ فَاتّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مّؤْمِنِينَ} [الأنفال: 1]، و{الأنْفَالِ} في الآية هي: الغنائم. وكانت في بداية الأمر ملْكًا خالصًا للرسول صلى الله عليه وسلم يتصرّف بها بحكمته ورشاده، أو يقسمها على رأيه، كما قال المواردي في (الأحكام السلطانية).
أجَلْ، لقد كانت هذه الآية -وهي: الآية الأولى في سورة “الأنفال”- مجمَلة، إلى أن نزلت الآية 41 من نفس السورة تفصِّل حُكم التصرف بالغنائم في قوله تعالى: {وَاعْلَمُوَا أَنّمَا غَنِمْتُمْ مّن شَيْءٍ فَأَنّ للّهِ خُمُسَهُ وَلِلرّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىَ وَالْيَتَامَىَ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السّبِيلِ} [الأنفال: 41]، فجعل الله الخُمس للّذين ذكرَتِ الآية، والأربعة أخماس الباقية للفاتحين المسلمين. وكانت أوّل غنيمة بناء على هذه الآية هي: غنيمة غزوة بني قينقاع، وهم: جزء من يهود المدينة نقضوا العهد مع الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يتركوا أذَى وحرب المسلمين، وألا يعينوا أعداءهم عليهم.
حُكم توزيع الغنائم:
إنّ الغنائم أكثر أقسامًا وأحكامًا -كما قال الماوردي في (الأحكام السلطانية)- لأنها تشتمل على أقسام: أسرى، وسبي، وأرضين، وأموال. ولكلّ قسم أحكامه الخاصة به في الفقه الإسلامي وفي السياسة الشرعية على سواء. وربّما الذي كان يَعنينا منها هنا في هذا التعريف الموجز بالغنائم وأحكامها؛ ولا سيما مصرفها هو: ما يتصل بالأموال المنقولة وهي: الغنائم المألوفة على حدّ تعبير الماوردي في (الأحكام السلطانية).
لكن يكيفني أن أقول: ورَد التوزيع القطعي للغنائم في النص القرآني؛ فللرسول الخُمس، والأربعة أخماس الباقية للفاتحين. والتوزيع يكون بعد انتهاء الحرب وليس أثناءها لحِكمة معروفة، ولِتجنّب ما حدث في غزوة أحد. ويكون في دار الحرب، إلاّ أنه يجوز أن يكون في دار الإسلام كما روي عن أبي حنيفة.
وغالبًا ما يبدأ بتوزيع أسلاب القتلى على المقاتلين المسلمين، فيُعطى كلّ مقاتل سلَبه حتى وبدون اشتراط الإمام، ولو أنّ الإمام مالك والإمام أبا حنيفة يرون اشتراطه. ولا شك أن حكم توزيع الغنائم ثابت بالنص، ويجب التقيّد به، إلاّ أنّ البعض يثير التساؤلات عن حكمة هذا التوزيع في هذه الأيام، لاختلاف طبيعة هذه الغنائم وظروف الاستيلاء عليها؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن لديْه جيش منظّم وقائم، وإنما كان يدعو المسلمين إلى القتال فيجتمعون من بيوتهم، وينظّم الرسول صلى الله عليه وسلم صفوفهم. وربّما خرجوا بعد أداء صلاة من الصلوات. وكذلك لم يكن هناك تجمّع واضح للأسلحة، وكذلك توزيعها. وإنما كان المجاهد يعتمد على سلاحه، يشتريه أو يستأجره، يجهّز به المقاتلين.
وكذلك لم يكن هناك سُلّم أو نظام واضح للرواتب؛ وهذا كلّه يختلف عن طبيعة ما يحصل الآن. فكيف التصرف، والنص صريح وقطعي؟!.
نقول: إن التصرف واضح وسليم وليس فيه إخلال بالنص القرآني، وهو إعطاء الجنود حقوقهم، سواء بتوزيع ما يمكن توزيعه من الغنائم عليهم، مع ملاحظة أنه قد يستحيل توزيع الغنائم عليهم، نظرًا لنوعية وضخامة هذه الأسلحة أو الأسلاب اليوم، كدبابات ومدافع وسيارات وطائرات.
وإذًا فلا مناص -والحال هكذا- مِن ضمّها لخزينة بيت المال لحساب الجيش الإسلامي، تُصرف منها رواتبهم ومكافآتهم، ويُنفق منها أيضًا على تسليح الجيش وتدريبه.