Top
Image Alt

(الفتح الرباني) للبنا الساعاتي

  /  (الفتح الرباني) للبنا الساعاتي

(الفتح الرباني) للبنا الساعاتي

الإمام البنا الساعاتي حَوَّل (مسند الإمام أحمد) من مسانيد إلى كتاب مرتب بالترتيب الفقهي، كبقية أو كأغلب كتب السنة، كـ(صحيح البخاري) و(صحيح مسلم) وبقية كتب السنن، فجمع الأحاديث التي تتعلق بموضوع واحد في كتاب واحد، وتحت أبواب من ذلك الكتاب.

والكتاب خرج في أربعة وعشرين جزءًا. أول كتاب من كتبه عنون له بكتاب التوحيد، وهو الكتاب رقم واحد، وجاء فيه في أول باب: باب في وجوب معرفة الله تعالى، وتوحيده، والاعتراف بوجوده.

حدثنا عبد الله -القائل حدثنا عبد الله: هو الحافظ أبو بكر القُطَيْعي، راوي المسند عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن الإمام أحمد، وهو عن أبيه، رحمهم الله تعالى- حدثني أبي، ثنا حسين بن محمد، ثنا جرير -يعني: ابن أبي حازم- عن كلثوم بن جبر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله  عنهما عن النبي صلى الله عليه  وسلم وعلى آله- قال: ((أخذ الله الميثاقَ من ظهر آدم بنَعْمانَ -يعني: عرفة- فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها، فنثرهم بين يديه كالذر، ثم كلمهم قُبُلًا قال: {أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِين * {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِين} } [الأعراف: 172، 173].

سنقرأ نماذج كتاب (الفتح الرباني) عنوانه: (الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني) مع شرحه (بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني) والكتابان للشيخ أحمد عبد الرحمن المشهور بالبنا الساعاتي. الكتاب كما قلت: وقع في أربع وعشرين جزءًا. آخر باب في رؤية المؤمنين ربهم لله عز وجل في الجنة صفحة 20.

وفي نهاية كل جزء يعقد فهرسًا للأبواب الفقهية التي تضمنها هذا الجزء، فمثلًا في نهاية الجزء الأول وضع فهرسةً للأبواب الفقهية التي جاءت في ذلك الجزء، بدأ بخطبة المؤلف ثم طريقة الإمام أحمد في ترتيب (المسند)، ثم في كيفية وضع الكتاب، ثم في مقاصد الكتاب، ثم بعد ذلك دخل على الأبواب الفقهية، فقال:

القسم الأول: قسم التوحيد وأصول الدين، وبيان ما فيه من الكتب.

القسم الثاني: قسم الفقه، وهو أربعة أنواع:

النوع الأول: العبادات.

النوع الثاني: المعاملات.

النوع الثالث: الأقضية والأحكام.

النوع الرابع: الأحوال الشخصية.

القسم الثالث: قسم التفسير.

القسم الرابع: قسم الترغيب.

القسم الخامس: قسم الترهيب.

القسم السادس: قسم التاريخ، وفيه ثلاث حلقات:

الحلقة الأولى: تبتدئ من أول الخليقة إلى مولد النبي صلى الله عليه  وسلم.

الحلقة الثانية: تبتدئ من مولد النبي صلى الله عليه  وسلم إلى وفاته، وتنقسم إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: من مولده إلى ابتداء هجرته.

القسم الثاني: من هجرته إلى وفاته.

القسم الثالث: في شمائله صلى الله عليه  وسلم.

الحلقة الثالثة من قسم التاريخ: تتضمن مناقبَ الصحابة، وخلافة الخلفاء إلى الخليفة السفاح.

القسم السابع من الكتاب: في أحوال الآخرة، وما يتقدم ذلك من الفتن.

المقصد التاسع: في ذكر سند المؤلف المتصل بالمسند إلى صاحبه الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله سبحانه وتعالى.

أقول لكم: إن الكتاب -أي: (المسند)- من الممكن أن يستفاد بالطريقة الفقهية فيه من هذا النوع، أو من هذا الكتاب الذي وضعه البنا الساعاتي، إذ حوّل مسند الإمام أحمد إلى تبويب فقهي، فمَن وقع في خاطره مثلًا أن هذا الحديث في كتاب الصلاة يقرأ كتاب الصلاة، ومن وقع في خاطره أن ذلك الحديث من الممكن أن يكون في الصوم يُخرج كتاب الصوم من كتاب (الفتح الرباني) فيجد الحديث، وبذلك يكون الحديث موجودًا في مسند الإمام أحمد -رحمه الله تعالى-.

النموذج الثاني في كتاب التوحيد:

عن رُفَيع أبي العالية، عن أبي بن كعب رضي الله  عنه في قول الله عز وجل: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ} إلى آخر الآية. قال: “جمعهم فجعلهم أرواحًا، ثم صَوَّرهم فاستنطقهم فتكلموا، ثم أخذ عليهم العهد والميثاق، وأشهدهم على أنفسهم: {أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ } ؟ قال: فإني أشهد عليكم السموات السبع والأرضين السبع، وأشهد عليكم أباكم آدمَ عليه السلام أن تقولوا يوم القيامة: لم نعلم بذلك. اعلموا أنه لا إله غيري، ولا ربَّ غيري، فلا تشركوا بي شيئًا. إني سأرسل إليكم رسلي يذكرونكم عهدي وميثاقي، وأنزل عليكم كتبي. قالوا: شهدنا بأنك ربنا وإلهنا، لا رب غيرك، فأقَروا بذلك”.

الحديث الذي بعد ذلك: وعن أنس بن مالك رضي الله  عنه عن النبي صلى الله عليه  وسلم قال: ((يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة: أرأيتَ لو كان ما على الأرض من شيء أكنت مفتديًا به؟ قال: فيقول: نعم. قال: فيقول: قد أردتُ منك أهونَ من ذلك، قد أخذتُ عليك في ظهر آدم ألا تشركَ بي شيئًا، فأبيت إلا أن تشرك بي)).

وعن عبد الرحمن بن غَنْم -وهو الذي بعثه عمر بن الخطاب رضي الله  عنه إلى الشام يُفَقِّه الناس- أن معاذ بن جبل رضي الله  عنه حَدّثه عن النبي صلى الله عليه  وسلم: ((أنه رَكِبَ يومًا على حمار له يقال له: يَعْفُور، رَسَنُه من ليف -أي: الخُطام الذي يجر به يعرف بالرسن من ليف- ثم قال: اركب يا معاذ، فقلت: سِر يا رسولَ الله، فقال: اركب فردفته -أي: ركبت وراءَه- فصُرِع الحمار بنا -يعني: وقع الحمار- فقام النبي صلى الله عليه  وسلم يضحك، وقمتُ أذكر من نفسي أسفًا. ثم فعل ذلك الثانية ثم الثالثة، وسار بنا، فأَخْلَف يده، فضرب ظهري بسَوْط معه أو عصا، ثم قال: يا معاذ، هل تدري ما حقُّ الله على العباد؟ فقلت: الله ورسوله أعلم. قال: فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا. قال: ثم سار ما شاء الله، ثم أخلف يده فضرب ظهري، فقال: يا معاذ يا بن أم معاذ، هل تدري ما حق العباد على الله إذا هم فعلوا ذلك؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: فإن حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك أن يدخلهم الجنةَ)).

وعن أنس بن مالك رضي الله  عنه قال: ((أتينا معاذ بن جبل رضي الله  عنه فقلنا: حدِّثنا من غرائب حديث رسول الله صلى الله عليه  وسلم. قال: نعم، كنت رِدْفَه على حمار. قال: فقال: يا معاذ بن جبل، قلت: لبيك يا رسول الله. قال: هل تدري ما حق الله على العباد؟ قلت: الله ورسوله أعلم، فذكر مثله إلا أنه قال: أن لا يعذبهم، بدل قوله: أن يدخلهم الجنة)). زاد في رواية أخرى من طريق آخر: ((قال: قلت: يا رسول الله، ألا أبشر الناس؟ قال: دعهم يعملوا)).

وعن أبي هريرة رضي الله  عنه أن رسول الله صلى الله عليه  وسلم قال: ((يا أبا هريرة، هل تدري ما حق الناس على الله، وما حق الله على الناس؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: حق الله على الناس أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، فإذا فعلوا ذلك فحق عليه أن لا يعذبهم)).

وعن رِبْع بن خِرَاش، عن طفيل بن سَخْبَرة، أخي عائشة رضي الله  عنهما لأمها: ((أنه رأى فيما يرى النائم كأنه مر برهط من اليهود، فقال: مَن أنتم؟ قالوا: نحن اليهود. قال: إنكم أنتم القوم لولا أنكم تزعمون أن عزيرًا ابن الله، فقال اليهود: وأنتم القوم لولا أنكم تقولون: ما شاء الله وشاء محمد، ثم مَرَّ برهط من النصارى، فقال: من أنتم؟ فقالوا: نحن النصارى، فقال: إنكم أنتم القوم لولا أنكم تقولون: المسيح ابن الله. قالوا: وإنكم أنتم القوم لولا أنكم تقولون: ما شاء الله وما شاء محمد. فلما أصبح أَخبرَ بها مَن أَخبر، ثم أتى النبي صلى الله عليه  وسلم فأخبره، فقال: هل أخبرت بها أحدًا؟ قال: نعم، فلما صلوا، خطبهم فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن طفيلًا رأى رؤيا، فأخبر بها من أخبر منكم، وإنكم كنتم تقولون كلمةً كان يمنعني الحياءُ منكم أن أنهاكم عنها. قال: لا تقولوا ما شاء الله وما شاء محمد)).

ثم جاءت الرواية التي بعد ذلك فبينت كيف يقولون، فعن حذيفة بن اليمان رضي الله  عنه قال: ((أتى رجل النبي صلى الله عليه  وسلم فقال: إني رأيت في المنام أني لقيتُ بعضَ أهل الكتاب، فقال: نِعم القوم، أنتم لولا أنكم تقولون: ما شاء الله وشاء محمد، فقال النبي صلى الله عليه  وسلم: قد كنت أكرهها منكم، فقولوا: ما شاء الله، ثم محمد)).

وعن ابن عباس رضي الله  عنهما أن رجلًا قال للنبي صلى الله عليه  وسلم: ما شاء الله وشئت، فقال له النبي صلى الله عليه  وسلم: ((أجعلتني والله عِدْلًا؟! بل ما شاء الله وحده)).

ثم يأتي الباب الذي بعد ذلك، وهو باب في عظمة الله تعالى وكبريائه، وكمال قدرته، وافتقار الخلق إليه.

وهكذا نرى الشيخ البنا الساعاتي -رحمه الله تعالى- يجمع الأحاديثَ المتعلقة بالباب الواحد في مكان واحد، وهي أحاديث (المسند)، فحوَّل بطريقته هذه المسند من مسانيد بحسب الرواة، إلى تبويب فقهي يفيد أهل الفقه، والذي يَعرف الموضع الفقهي للحديث يصل إليه بسرعة في كتاب (الفتح الرباني) للبنا الساعاتي -رحمه الله تعالى-.

error: النص محمي !!