الفرق بين العلم والمعرفة
والعلم والمعرفة يُفرق بينهما من جهة اللفظ ومن جهة المعنى:
أما من جهة اللفظ: ففعل المعرفة يقع على مفعول واحد، تقول: عرفت الديار، قال الله تعالى: {فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُون} [يوسف: 58] وقال تعالى: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ} [البقرة: 146]، وفعل العلم يقتضي مفعولين كقوله تعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} [الممتحنة: 10]، وإذا وقع على فعل مفعول واحد كان بمعنى المعرفة كقوله تعالى: {وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ} [الأنفال: 60].
وأما من جهة المعنى، فمن وجوه:
أحدها: أن المعرفة تتعلق بذات الشيء والعلم يتعلق بأحوال الشيء، فتقول: عرفت أباك وعلمته صالحًا؛ ولذلك جاء الأمر في القرآن الكريم بالعلم دون المعرفة كقوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ} [محمد: 19] وقوله تعالى: {فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ} [هود: 14] فالمعرفة تصور التصور، والعلم حضور أحوال الشيء وصفاته ونسبتها إليه؛ فالمعرفة نسبة التصور والعلم نسبة التصديق.
ثانيها: أن المعرفة في الغالب تكون لما غابَ عن القلب بعد إدراكه، فإذا أدركه قيل: عرفه، أو تكون لما وُصف بصفات قامت في نفسه، فإذا رآه وعلم أنه الموصوف بها قيل: عرفه، قال تعالى: {وَجَاء إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُون} [يوسف: 58]، فالمعرفة نسبةُ الذكر في النفس، وهو حضور ما كان غائبًا عن الذاكر؛ ولهذا كان ضدّها الإنكار وضد العلم الجهل، قال الله تعالى: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا} [النحل: 83]، ويقال: عرف الحق فأقرَّ به، وعرفه فأنكره.
ثالثها: أن المعرفة تُفيد تمييز المعروف عن غيره، والعلم يفيد تمييز ما يوصف به عن غيره.
رابعها: أنك إذا قلت: علمت محمدًا، لم تفد المخاطب شيئًا؛ لأنه ينتظر أن تخبره على أيِّ حال علمته، فإذا قلت: كريمًا أو شجاعًا حصلت له الفائدة، وإذا قلت: عرفت محمدًا، استفاد المخاطب أنك أثبته وميزته عن غيره، ولم يبقَ أن ينتظر شيئًا آخر.
خامسها: أن المعرفة علمٌ يعيّن الشيء مفصلًا عما سواه، بخلاف العلم فإنه قد يتعلق بالشيء مجموعًا ومفرقًا.
وفرق بين العلم والمعرفة عند المحققين: أن المعرفة هي العلم الذي يقوم العالم بموجبه ومقتضاه، فلا يطلق المحققون المعرفة على مدلول العلم وحده.