Top
Image Alt

الفرق بين القرآن الكريم والحديث القدسي

  /  الفرق بين القرآن الكريم والحديث القدسي

الفرق بين القرآن الكريم والحديث القدسي

إذا كان فريق من العلماء قد ذهبوا إلى أن لفظ الحديث القدسي من عند الله تعالى، إلا أنهم لم يسوّوا بين القرآن الكريم والحديث القدسي، بل فرّقوا بينهما بوجوهٍ كثيرة، وتميّز بها القرآن الكريم من الحديث القدسي، وبالتالي تميز من الحديث النبوي.

وقبل أن نذكر الفرق بين القرآن الكريم والحديث القدسي لا بد أن نُعَرّف القرآن الكريم.

تعريف القرآن الكريم: هو كلام الله عز وجل المنزّل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل عليه السلام الموجود بين دفّتي المصحف من أول سورة الفاتحة إلى آخر سورة الناس، المعجز بلفظه، المتعبّد بتلاوته، المنقول إلينا تواترًا، المتحدّى بأقصر سورة منه.

لقد امتاز القرآن الكريم عن الحديث القدسي بما يأتي:

  1. القرآن الكريم هو المعجزة الباقية على مَرّ العصور والدهور، المحفوظة من التبديل والتغيير، صانه الله وحفظه من أن تمتدّ إليه يدٌ بتغيير، أو تبديل، أو تحريف؛ مصداقًا لقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون} [الحجر: 9]، فالله هو الذي حفظ القرآن الكريم وصانه؛ لذلك لم يتأثر حفظ القرآن الكريم بضعف المسلمين أو قوتهم؛ لأن الذي حفظه وصانه إنما هو الله الغالب على أمره، إذا أراد شيئا كان كما أراد، لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه: {وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُون} [يوسف: 21].
  2. فلم يكل الله عز وجل حفظ القرآن الكريم إلى المسلمين، كما حدث بالنسبة للكتب السابقة؛ حيث وكل إلى أصحابها حفظها، فلم يقوموا بواجبهم، بل حرفوها وبدلوها، وما كانت أي قوة -مهما عظمت- تستطيع حفظ القرآن الكريم وصيانته كما حفظه الله وصانه.

قد يقول قائل: لماذا حفظ الله القرآن الكريم وصانه، ولم يحفظ الكتب الأخرى مثل التوراة والإنجيل، بل طلب من أهلها أن يحفظوها؛ فلم يقوموا بواجبهم في حفظ كتبهم، حتى بدلت وحرفت وغيرت؟

أليست هذه الكتب من عند الله تعالى، أنزلها على رسله وأنبيائه لهداية أقوامهم، ودعوتهم إلى عبادة الله وحده؟

أليس في هذا تعصبا للمسلمين، أو أن هذه دعوى لا أساس لها من الصحة؟ وأن الكتب الأخرى غير القرآن الكريم لم تبدل ولم تغير؟

نقول في الجواب عن ذلك، وبالله التوفيق: إن الله عز وجل يرسل كل رسول ومعه أمران؛ الأمر الأول: المعجزة، والثاني: المنهج. فائدة المعجزة إثبات صدق الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوى الرسالة، وفائدة المنهج أو الكتاب أن يستقيم عليه الناس، وأن يحكم حياتهم بعد الإيمان بالرسول  صلى الله عليه وسلم ، والله عز وجل يتكفل بحفظ المعجزة بالنسبة لأي رسول؛ لأنه لو لم يحفظ المعجزة لكان مكذبا لرسله الذين أرسلهم، والله لم يرسل رسله ليكذبهم بل ليصدقهم لعل الناس يؤمنوا بهم، لهذا حفظ الله معجزة كل رسول وصانها.

أما المناهج أو الكتب: فإن الله عز وجل يكل إلى كل أمة أن تحفظ كتابها، كما قال سبحانه: {إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء} [المائدة: 44]  فقد طلب الله من اليهود أن يحفظوا التوراة من التحريف والتبديل، ولكنهم لم يستجيبوا لأمر الله، وحرفوها وغيروها؛ طلبا للدنيا الفانية.

في الرسالات السابقة انفصلت المناهج عن المعجزات؛ فمعجزة موسى عليه السلام السحر والعصا، وغيرها من الآيات البينات {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} [الإسراء: 101] ومنهج موسى عليه السلام التوراة قبل أن تحرف وتبدل، ومعجزة عيسى عليه السلام إبراء الأكمه والأبرص، وإحياء الموتى بإذن الله، ومنهج عيسى عليه السلام الإنجيل؛ إذن المناهج قد انفصلت عن المعجزات في الرسالات السابقة.

أما بالنسبة للنبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم فإن معجزته هي القرآن الكريم، ومنهجه هو القرآن الكريم.

وكما قلنا: إن الله يتكفل -رحمة منه- بحفظ المعجزات لكل الرسل دون المناهج، ولما كانت معجزة النبي محمد صلى الله عليه وسلم هي عين منهجه حفظ المنهج ضمنا، أو حفظ الله المنهج ضمنا، لذلك رأينا أن حفظ القرآن الكريم كمعجزة يسير في اتجاه معاكس لحفظ القرآن كمنهج؛ فالمسلمون مع أنهم أعرضوا عن منهج الله ونحوه من حياتهم الخاصة والعامة، إلا من عصم الله منهم، واستبدلوا المنهج الذي ارتضاه الله لهم ليقود حياتهم بمناهج أرضية وضعية من وضع البشر لم تجلب لهم إلا الشر- إلا أن وسائل حفظ القرآن الكريم كمعجزة تتكاثر وتتزايد من يوم لآخر، فإن دل ذلك فإنما يدل دلالة واضحة على أن الذي حفظ القرآن الكريم وصانه إنما هو الله الغالب على أمره.

ولقد أخبرنا الله تعالى في كتابه الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه: أن اليهود والنصارى غيروا وبدلوا كتبهم وحرفوها، كما أن واقع هذه الكتب يشهد أنها ليست من عند الله؛ فلقد وصفت هذه الكتب الإله الذي خلق هذا الكون بصفات يأنف منها آحاد الناس، وصفوه بالجهل والعجز وغير ذلك. كما أن هذه الكتب اتهمت رسل الله الذين أرسلهم لهداية البشر بالفجور والانحرافات الأخلاقية، التي يأباها أي إنسان، والتي تدنس عرض وأخلاق أي إنسان؛ فضلا عن رسل الله -صلى الله عليهم وسلم- وحاشاهم أن يكونوا كذلك، وإنما قال هؤلاء المحرفون ما قالوا ليبرروا لأنفسهم الانحراف والإجرام، وليقولوا للناس: إننا نقتدي برسلنا. ورسل الله منهم ومن انحرافاتهم برآء براءة الذئب من دم يوسف بن يعقوب.

  • القرآن الكريم نقل إلينا من أوَّله إلى آخره بحروفه وكلماته، وترتيبه في المصحف بطريق التواتر، بل وبأعلى أنواع التواتر. فهو متواتر تواتر الجيل عن الجيل؛ فالصحابة تلقوا القرآن الكريم عن النبي صلى الله عليه وسلم وتلقاه جيل التابعين عن الصحابة، وتلقاه أتباع التابعين عن التابعين، وهكذا إلى يومنا هذا. فهو متواتر تواتر الجيل عن الجيل؛ فالقرآن الكريم قطعي الثبوت، بل لا توجد قرية من قرى المسلمين إلا وفيها عدد من القراء يتحقق بهم التواتر في كل عصر من العصور، فكيف ببلدان المسلمين مجتمعة، بل إن المسلمين غير العرب يحفظون القرآن الكريم، وهذا كله بخلاف الحديث القدسي، فإنه نقل إلينا بطريق آحاد.
  • القرآن الكريم لا يروى بالإسناد؛ لأنه متواتر لا يسأل عن رواته، أما الحديث القدسي، فيروى بالأسانيد كالحديث النبوي سواء بسواء؛ حيث إن رواته آحاد خاضعون لقواعد القبول والرد.
  • القرآن الكريم لفظه ومعناه من عند الله عز وجل، تلقاه النبي صلى الله عليه وسلم من جبريلعليه السلام في اليقظة، وشافهه به مباشرة مع علم النبي صلى الله عليه وسلم أن الذي يخاطبه بالقرآن الكريم إنما هو جبريل، قال الله تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِين نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِين عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِين بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِين} [الشعراء: 192-195]؛ فالقرآن الذي يقرؤه المسلمون الآن في قارات الدنيا صباحًا ومساءً هو القرآن الكريم، الذي نزل به جبريل عليه السلام على النبي  صلى الله عليه وسلم ، وهو الذي قرأه النبي على أصحابه بحروفه وكلماته، بل وبضبط حروفه.

وليس للنبي صلى الله عليه وسلم دخل في القرآن الكريم إلا التبليغ فقط، قال الله تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 1- 4]  ثم وكل الله إليه صلى الله عليه وسلم تبيين القرآن الكريم كما سبق. وهذا بخلاف الحديث القدسي، فإن العلماء اختلفوا في لفظه: هل هو من عند الله، أم من الرسول  صلى الله عليه وسلم ؟

والحديث القدسي يكون بالوحي الجلي، كما يكون بالإلهام أو بالمنام، فليس من شرطه أن يكون بالوحي الجلي.

  • يحرم أن يروى القرآن الكريم بالمعنى، كما لا يجوز أن يبدل حرف منه بحرف آخر، أما الحديث القدسي فتجوز روايته بالمعنى عند من يجيز الرواية بالمعنى بشروطها.
  • القرآن الكريم متعبَّد بتلاوته، ويثيب الله عز وجل قارئ القرآن الكريم الثواب العظيم، فتلاوة الحرف منه بعشر حسنات بخلاف الحديث القدسي، فلم يتعبدنا الله بتلاوته، وليس الثواب عليه كالثواب على قراءة القرآن الكريم، وكذا بقية العلوم الشرعية لا يثاب على دراستها كما يثاب على قراءة القرآن الكريم.
  • لا تصح الصلاة إلا بقراءة شيء من القرآن الكريم، هذا لغير العاجز، أما الحديث القدسي فلا تجوز الصلاة به، بل وتكون باطلة إذا قرئ الحديث القدسي في الصلاة على أنه بدل من القرآن الكريم.
  • اختص القرآن الكريم بتسميته قرآنًا، وتسمية الجملة منه آية، ومقدار مخصوص من الآيات سورة. هذا بخلاف الحديث القدسي، فلا يسمى قرآنًا، ولا تسمى الجملة منه آية، بل يقال: حديث قدسي، أو حديث إلهي، أو حديث رباني.
  • القرآن الكريم لا يضاف إلا إلى الله تعالى، بخلاف الحديث القدسي، فإنه يضاف إلى الله تعالى؛ لأنه المتكلم به أولا، فيقال فيه: قال الله -تبارك وتعالى- فيما رواه عنه رسوله، وقد يضاف إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه هو المخبر به عن الله سبحانه فيقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه، وغير ذلك من الصيغ.
  • جاحد القرآن الكريم كافر، سواء جحد القرآن الكريم كله، أو آية منه؛ لأنه قطعي الثبوت، أما جاحد الحديث القدسي فليس بكافرٍ، ما لم يكن هذا الحديث الذي جحده متواترًا.
error: النص محمي !!