القصص
القصص:
ومن الأساليب التي اتخذها القرآن طريقًا للإقناع والتأثير: القصص، وتضمين القصة الأدلة على بطلالن ما يعتقد المشركون وغيرهم، وقد يكون موضوع القصص رجلًا محترمًا ممن يجادلهم القرآن الكريم، إذ يدعون محاكاته في دينه وإتباعه في ملته فيجيء برهان الله على لسانه؛ فيكون ذلك أكثر اجتذابًا لأفهامهم، وأقوى تأثيرًا في القلوب.
انظر إلى قصة إبراهيم عليه السلام مع أبيه وقصته مع قومه ترى في القصتين أدلة واضحة قوية تثبت بطلان عبادة الأوثان؛ وذلك لأن إبراهيم عليه السلام كان شرفُ العرب، ومحتدُّهُم الذي إليه ينتسبون، وقد كانوا يزعمون أهمن على ملته، فإذا جاءهم الخبر عنه بأنه كان موحدًا، وسيق لهم كان يحتج به على قومه، وأبيه كان ذلك مؤثرًا، أي: تأثير في قلوبهم.
ومن ذلك قوله تعالى حاكيًا قول إبراهيم لأبيه؛ ليبين له بطلان عبادة الأوثان: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنّهُ كَانَ صِدّيقاً نّبِيّاً}(41) {إِذْ قَالَ لاَِبِيهِ يَأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يَبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً}(42) {يَأَبَتِ إِنّي قَدْ جَآءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتّبِعْنِيَ أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً} [مريم: 41: 43].
ألا ترى أن الكلام متضمن إبطال عبادة الأوثان على أبلغ وجه؟ إذ بين أنها لا تسمع، ولا تبصر فهي دون الإنسان، وكيف يعبد الإنسان ما دونه وفوق ذلك فالعبادة دعاء، وكيف يدعو الإنسان ما لا يسمع ولا يبصر، وإن مجيء الدليل ضمن خبر لرجل يعترف بفضله المجادلون يعطي الدليل قوة فوق قوته لذاته، إذ تكون الحجة قد أقيمت عليهم من جهتين؛ من جهة الدليل في ذاته، ومن جهة أن ذي قاله رجل محترم في نظرهم يدعون هم أنهم أتباعه، فهم ملزمون بقوله: مأخوذون برأيه.
وقد يجيء الدليل أحيانًا على لسان حيوان في قصة؛ فيكون في ذلك غرابة تسترعي الذهن، وتثير الانتباه، وتملأ النفس بالحقيقة إيمانًا، كما جاء دليل التوحيد على لسان الهدهد في سورة “النمل”؛ إذ يقول الله سبحانه وتعالى حاكيًا عن سيدنا سليمان عليه السلام: {وَتَفَقّدَ الطّيْرَ فَقَالَ مَالِيَ لاَ أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَآئِبِينَ}(20) {لاُعَذّبَنّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأذْبَحَنّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنّي بِسُلْطَانٍ مّبِينٍ}(21) {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ}(22) {إِنّي وَجَدتّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ}(23) {وَجَدتّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشّمْسِ مِن دُونِ اللّهِ وَزَيّنَ لَهُمُ الشّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدّهُمْ عَنِ السّبِيلِ فَهُمْ لاَ يَهْتَدُونَ}(24) {أَلاّ يَسْجُدُواْ للّهِ الّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ}(25) {اللّهُ لاَ إِلَـَهَ إِلاّ هُوَ رَبّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [النمل: 20- 26].