Top
Image Alt

القياس في القلب المكاني

  /  القياس في القلب المكاني

القياس في القلب المكاني

يرى الخليل بن أحمد: أنّ القلب المكانيّ مقيسٌ مُطَّرِد في كل ما يُؤدّي تركُهُ إلى اجتماع همزتيْن؛ وذلك في اسم الفاعل من الأجوف المهموز اللام الثلاثي، نحو: (جاءٍ) و(ساءٍ)، وفي جمْعه على (فواعِل)، نحو: (جواءٍ) و(سواءٍ): جمعَيْ (جائية) و(سائية)، وفي الجمع الأقصى لمُفرد لامُه همزة قبلها حرف مَدّ، نحو: (خطايا): جمع (خطيئة).

والذي دفَع الخليل إلى القول بالقلب المكانيّ في (جاءٍ) ونحوه: أمور، هي:

  1. كثرة القلب المكانيّ في اسم الفاعل مِن الأجوف الصحيح اللام، نحو: (شاكٍ)، و(صافٍ)، و(هارٍ)، و(لاثٍ)، و(هاعٍ)، و(لاعٍ).
  2. لمّا رأى فرارهم ممّا يؤدي إلى همزة واحدة في بعض المواضع، أوجب الفرار ممّا يؤدي إلى اجتماع همزتيْن.
  3. في سلوك طريق القلب المكانيّ دَفْعٌ لاجتماع إعلاليْن في الكلمة الواحدة، ويُرَدّ على الخليل: بأنّ القلب المكانيّ خلافُ الأصل والقياس، وإذا كان الحملُ على الأصل يُؤدِّي إلى أن يجتمع همزتان، ثم يزول اجتماعُهما على القياس، كان حمْله عليه أولى مِن حمْله على التقديم والتأخير؛ فإنّما يُحترز مِن مكروه إذا ثبت واستمرّ، أمّا إذا أدّى الأمر إلى مكروه وهناك سبب لزواله، فلا يجب الاحتراز مِن الأداء إليه.

وقد نُقل عن الخليل أنه رجع عن رأيه هذا إلى رأي جمهور البصريِّين.

القلْب المكانيّ في القرآن الكريم:

أ. يرى فريق مِن العلماء بأنّ القرآن الكريم خلا مِن القلْب المكانيّ، ويُمثِّل هذا الفريق أحمد بن فارس، يقول في كتابه (الصاحبي)، (ص172): “ومِن سُنن العرب: القلْب، وذلك يكون في الكلمة، ويكون في القصة. فأمَّا الكلمة، فقولهم: (جَذَبَ) و(جَبَذَ)، و(بَكَلَ)، و(لَبَكَ)؛ وهو كثير. وقد صنّفه علماء اللغة. وليس من هذا -فيما أظن- من كتاب الله -جل ثناؤه- شيء”.

وعلّق الشيخ عُضيمة على كلام الفارسي، فقال: “وأحمد بن فارس نحويّ على طريقة الكوفيِّين، والكوفيّون قد توسّعوا في القلب المكاني حتى جعلوا منه نحو: (سَيِّد)، و(مَيِّت)، كما ذكرنا. فابن فارس في رأيه هذا لم يوافق الكوفيِّين ولا البصريِّين”.

ب. يرى الشيخ عُضيمة: أنّ القلب المكانيّ موجود في القرآن الكريم من خلال القراءات المتواترة التي يتعيّن فيها القلب المكانيّ، والقراءات الأخرى التي تحتمل القلب وغيره، أو يكون فيها قلب عند بعض الصرفيِّين، ولا يكون عند الآخَرين، كما يوجد القلب المكانيّ في قراءاتٍ غير سبْعيّة.

أمثلة القلب المكانيّ في القراءات:

  1. في قوله تعالى: {وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الإنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ} [الإسراء: 83] قرأ ابن عامر: “ونَاءَ”. قيل: هو مقلوب {وَنَأَى}، فمعناه: بَعُدَ، وقيل معناه: نَهَضَ بجانبه؛ وهذه القراءة سبْعيّة.
  2. في قوله تعالى: {وَقَالُواْ هَـَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ} [الأنعام: 138]، قرأ أُبيّ وغيره: “حِرْجٌ”، وخُرِّجَ على القلْب، فمعناه معنى {حِجْرٌ}، أو مِن الحِرْج، وهو: التّضييق.
  3. في قوله تعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36]، قرأ معاذ: “ولا تَقُفْ” مثْل: (تَقُلْ)، مِن (قَافَ، يَقُوفُ)، تقول العرب: (قُفْتُ أَثرهُ). ويرى صاحب “اللوامح”: أنَّ (قَافَ) مقلوب: (قَفَا). وقال أبو حيان: هما لغتان لوجود التصاريف فيهما كَـ(جَذَبَ) و(جَبَذَ).
  4. في قوله تعالى: {وَعَلَىَ كُلّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلّ فَجّ عَميِقٍ} [الحج: 27]، قرأ ابن مسعود: “مِنْ كُلَِّ فَجٍّ مَعِيقٍ”.
  5. في قوله تعالى: {فَلَمّا اسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيّاً} [يوسف: 80]، قرأ ابن كثير: “استَايَسُوا” مِن (أيِسَ) مقلوبًا مِن: (يئِس).
  6. 6.   {الأيَامَىَ} [النور: 32] وَرَد في غير موضع مِن القرآن الكريم جمْع: (أَيِّم) على القلب المكانيّ عند أبي عمرو بن العلاء، وغيره. والأصل: (أيَايِم) على وزن (فَياَعِلِ)، ثم قُدِّمت اللام على العيْن، فصار (أيامِي)، ثم قُلبت الكسرة فتحة فصار (أيَامَى) على وزن: (فيالَع)، وكذلك (يَتَامَى) عند الزمخشري فيها قلْب مكانيّ.

ويرى سيبويه: أنّ (اَياَمَى) و(يَتَامَى) جُمعا على (فَعَالَى) شاذًا، يُحفظ ولا يُقاس عليه.

  • 7.      {أَشْيَآءَ} [المائدة: 101] ورَدَ في غير موضع مِن القرآن الكريم، وتقدَّم الحديث عنها.
  • 8.   {الطّاغُوتَ} [الزُّمَر: 17] وردَ هذا اللفظ في القرآن الكريم في ثماني آيات، قيل: إنه مقلوب، ووزْنه: (فَلَعُوت)، وهو مِن الطّغيان، قُدّمت الياء على الغين. وقيل: إنّ التاء في (طاغوت) بدلٌ مِن لام الكلمة، ووزنه: (فَاعُول)؛ وهذا الرأي ضعيف كما وصفه أبو حيّان في (البحر المحيط).

أمثلة أُخرى للقلْب المكانيّ:

  1. (طَمْأَنَ): مقلوب من (طَأْْمَنَ) عند سيبويه، والمبرّد، وخالفهما أبو عمر الجرمي، فجَعَل (طَمْأنَ) أصلًا لـ(طَأْْمَنَ)؛ والأصح: كلّ واحد أصلٌ برأسه.
  2. قولهم: “فُلان يَتَمنَّى الأحاديثَ” أي: يَفْتَعِلُها، وهو مقلوب مِن (المَيْن)، وهو: الكذب، وفي الحديث الشريف: ((ما تَغَنَّيتُ، ولا تَمَنَّيتُ، ولا شربتُ خمرًا في جاهليّة)).
  3. قولهم: (نزَغ الشيطان بيْنهم)، و(نغَز الشيطانُ بيْنهم).
  4. قولهم: (أَحْجَمْتُ عن الأمْر)، و(أَجْحَمْتُ عن الأمْر)، مقلوب منه.
  5. قولهم: (رَاوَدْتُهُ على الماء)، و(رَادَيْتُهُ)، مقلوب منه.
  6. 6.      (هو يَتَسَكّعُ)، و(يَتَكَسَّعُ)، مقلوب منه، بمعنى: يَتحيَّرُ في مشْيِه.
  7. 7.      (تَزَحْزَحْتُ عن المكان)، و(تَحَزْحَزْتُ)، مقلوب منه.
  8. 8.      (شَرْخُ الشباب): أوّله، و(شَخْرُه)، مقلوب منه.

وغير ذلك كثير في لغة العرب…

error: النص محمي !!