الكتب الخاصة بأحاديث خاصة
هناك كُتُب الأحاديث فيها تتصف بصفات خاصة، وهي ما تعتمد عليها الطريقة السابقة طريقة التخريج عن ملاحظة وصفٍ في الحديث، من هذه الكتب، الكتبُ التي تختص بالأحاديث القدسية، إذا عرف الباحث أنّ حديثه من الأحاديث القدسية، فعليه أن يلجأ إلى الكتب المتخصصة في الأحاديث القدسية، فسيجد حديثه إن شاء الله، ويجد مؤلّف الكتاب يشير إلى المواطن التي يوجد فيها الحديث.
من هذه الكتب التي ألفت في الأحاديث القدسية كتاب (الإتحافات السنية بالأحاديث القدسية):
المؤلف: هو المحدّث الكبير زين الدين عبد الرءوف بن تاج الدين علي بن زين العابدين المناوي.
وصف الكتاب: وكتاب (الإتحافات السنية بالأحاديث القدسية) كتاب حافلٌ بالأحاديث القدسية، مجموعة غالبًا من الكتب الستة -أي: من البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه- وعدد الأحاديث التي تضمنها هذا الكتاب مائتين واثنين وسبعين حديثًا، والأحاديث مرتبة في الكتاب على الحروف الأبجدية، مبدوءةً بحرف الألف، منتهية بحرف الياء، ثم يذكر عقب كل حديث من أخرجه من أئمة الحديث، والراوي الأعلى للحديث، أي: الصحابي أو التابعي إذا كان الحديث مرسلًا.
كيفية التخريج من هذا الكتاب:
على الباحث في هذا الكتاب أن يتأكّد من اللفظ الأول لحديثه المراد تخريجه، ثم يتأكّد من الحرف الأول من أوّل كلمة، وكذا الثاني، ثم يرجع إلى المراجع التي يرشده إليها الكتاب ليوثّق الكلام. مثال ذلك: ((ابن آدم، تفرّغ لعبادتي أملأ صدرك غنًى، وأسدُّ فقرك، وإلّا تفعل ملأت صدرك شغلًا، ولم أسد فقرك)) نجده في حرف الألف مع الباء؛ لأن “ابن” بدأت بالألف وبعدها الباء، وهذا موجود في الكتاب في ص12، يقول المناوي عقِبه -بعدما يذكر الحديث-: “رواه الترمذي والبيهقي عن أبي هريرة”.
فعلى الباحث أن يرجع إلى (سنن الترمذي)، ثم يذكر اسم الكتاب واسم الباب ورقم الجزء ورقم الصفحة التي يوجد بها هذا الحديث، وكذلك يرجع إلى (السنن الكبرى) للبيهقي، ثم يفعل ما فعل مع (سنن الترمذي)، ويذكر اسم الكتاب واسم الباب الذي به الحديث، واسم ورقم الجزء ورقم الصفحة.
طبعات الكتاب:
لقد قامت مطبعة الرسالة ببيروت بطبع الكتاب، وصحّحه وعلق عليه ونشره الأستاذ محمد عفيفي الزغبي، ووضع الأستاذ الزغبي فهرسة أبجدية لأحاديث الكتاب، ويقع الكتاب في هذه الطبعة في مائة وسبعة وعشرين صفحة، فجزاه الله خيرًا.
وهناك أحاديث مختلفة المراتب، ألّف العلماء فيها كتبًا خاصّة، منها كتاب (أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب):
المؤلف: هو الإمام الشيخ محمد درويش الحوت، أبو عبد الله البيروني مولدًا، الشافعي مذهبًا، من عائلة توصف بالتّقى والصلاح، ولد في سنة 1209 هجرية.
شيوخه كثيرون، أشهرهم الذي أتى إلى بيروت عالم مصر، الشيخ محمد المسيري الإسكندراني، أخذ عنه علم التوحيد، وشرح الخلاصة النحوية، ثم سافر إلى دمشق والشام فأخذ العلم عن الشيخ عبد الرحمن الطيبي، الشهير بالشافعي الصغير، والشيخ عبد الرحمن الكزبري، والشيخ محمد الكزبري مسند الديار الشامية.
نشره للعلم:
لمّا رجع الشيخ الحوت إلى بيروت قام بالتدريس بالجامع العمري الكبير ردحًا من الزمن، ثم عُزِل، ثم رجَعَ مرةً أخرى بحرًا فياضًا، ناشرًا للعلم وطلابه من كل مكان وفي كل مكان.
مؤلفاته:
للشيخ محمد درويش الحوت مؤلفات مفيدة، ومصنفات فريدة في كافة العلوم والفنون، خدم بها الأمة، تستلزم الحمد والشكر من كل إنسان، وهي:
الكتاب الأول: في أسماء رجال الإمام البخاري، رتّبه على حروف الهجاء.
الكتاب الثاني: في ذكر رتبة الأحاديث التي جردها الإمام عبد الرحمن اليمني من البخاري.
الكتاب الثالث: في أخبار مأخوذة من كتاب الإمام أبي حفص عمر الأندلسي المرسلي هو المعروف بـ (حسن الأثر فيما فيه ضعف واختلاف من حديث وخبر وأثر).
الكتاب الرابع: في ذكر أسماء رجال الضعفاء والمتروكين.
الخامس: في بيان الضعيف من أحاديث الجامع الصغير.
السادس: رسالة اشتملت على أخبار موضوعة.
السابع: في أحاديث تتعلق بأحكام مختلفة.
الثامن: في منشورات فقهية.
التاسع: حاشية ابن حجر للأربعين.
العاشر: في المعفوّات.
الحادي عشر: في الميراث.
الثاني عشر: شرح قصيدة بانت سعاد.
الثالث عشر: موجز لبانت سعاد.
الرابع عشر: في أمر يزيد.
الخامس عشر: في البيان.
السادس عشر: في الإسناد والاشتقاق.
السابع عشر: في شرح الأخضري للسلم.
الثامن عشر: كتاب يحتوي على بعض الكلمات العربية التي يحتاج إليها كل طالب علم لدورانها في الكلام.
التاسع عشر: رسالة في الحساب.
العشرون: رسالة في علم الفلك.
الحادي والعشرون: في تاريخ الصحابة.
الثاني والعشرون: في شرح بيتي الموصلي.
الثالث والعشرون: كتاب في التوحيد اسمه (الدرة المضية في توحيد رب البرية).
الرابع والعشرون: رسالة بخلق الأفعال.
الخامس والعشرون: عقيدته التي أملاها في جِلسة واحدة، قدّس الله سره ونفعنا به في الدنيا والآخرة.
أوصافه: كان الشيخ الحوت -رحمه الله تعالى- طويلَ القامة، نحيفَ الجسم، أبيض اللون، خفيف العارضين، أقنى الأنف، أشهل العينين.
وفاته: توفّي -رحمه الله تعالى- لثمانٍِ خلت من ذي الحجة سنة ست وسبعين ومائتين وألف، ودُفِن -رحمه الله تعالى- في مقبرة الباشورة في بيروت، بعد أن مرض برهة قصيرة، فبكت عليه العلوم وأهلها، وحزن لمصابه القريب والبعيد -رحمه الله تعالى-.
وإليك ما ذكره نجل المؤلف الشيخ عبد الرحمن الحوت مرتّب الكتاب الترتيب الهجائي، قال في مقدمة الكتاب الذي بَيّن فيه أصلَ كتاب والده، وأنه قام بترتيب الكتاب يقول:
“الحمد لله الذي رفع قدر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على جميع العالمين، وجعل حديثه الشريف أفصحَ الكلام بعد القرآن المبين، وأشهد أن لا إله إلا الله الأحد الذي ليس له شريك ولا معين، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، سيد الأولين والآخرين، صلى الله عليه وسلم وبعد، فيقول الفقير لرحمة الحي الذي لا يموت، عبد الرحمن بن محمد بن درويش الحوت، خادم العلم والعلماء في مدينة بيروت: إنني كثيرًا ما سئلت من بعض المترددين عليّ، الذي لهم حسن نظر إليّ عن فقرات اشتهرت بين الأنام، وتناقلتها ألسنة الخاص والعام، هل هي من حديث سيد المرسلين، أم من كلام غيره من العالمين، فكنت أجيب عنها بما ذكره علماء هذا الفن، الذين بينوا أحاديثه صلى الله عليه وسلم، وميزوا ضعيفها من الحسن.
وكان والدي الشيخ محمد -رحمه الله- ممن عُنِي بهذا العلم الشريف، وألف به عدة تآليف، منها كتابه الذي جرده من مختصر الإمام العالم الشيخ عبد الرحمن اليمني -رحمه الله تعالى- وزاد في آخره ذيلًا ذكر فيه عدة أحاديث ليست في الأصل، ولكنه لم يرتّبها على حروف المعجم، وكذلك ذكر في هامش النسخة التي بخطه أحاديث ليست في الذيل المذكور، وتكلم على بعض مآثر وفوائد ومطالب تتعلق بهذا الفن، فخدمة للعلم وتعميمًا للنفع بادرت بطبع الكتاب المذكور، ورتبت جميع الأحاديث على حروف الهجاء؛ تسهيلًا لتحصيلها، وألحقت تلك الفوائد والمآثر بآخر الكتاب تتميمًا للفائدة، وسميته (أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب).
واللهَ أسأل أن يجعله خالصًا لوجهه الكريم، ومقبولًا لدَى رسوله العظيم، وأرجو ممن اطلع عليه أن يتحفني ووالدي والمسلمين بدعوات صالحة تنفعنا -إن شاء الله تعالى- في الدنيا والآخرة آمين، اللهم آمين”.
المقدمة التي كتبها الشيخ محمد درويش الحوت مؤلّف الكتاب، قال الإمام العالم العامل والجهبذ، ومحدّث عصره وبركة دهره، سيدنا ومولانا أبو عبد الله الشيخ محمد بن السيد درويش الحوت -تغمّده الله برحمته ورضوانه:
“الحمد لله الذي رفع مراتب أهل السنة والحديث، ونشر ذكرهم الجميل في القديم والحديث، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي خص بجوامع الكلم وبدائع الحكم، وعلى آله وصحبه الذين اقتفوا آثاره الشريفة، على أثبت قدم، وبعد: فقد شاع بين أهل العلم وغيره الخوض في السنة المطهرة من غير تثبت، ونسبوا له صلى الله عليه وسلم أشياء كثيرة قد ذكرت في كتب غير معتمدة في هذا الشأن وأشباهه، واشتبه على الطالب الصحيح بالسقيم، مع أن الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم من العظائم، حتى جعله إمام الحرمين كفرًا، وكنت رأيت فيها ما اشتهر على الألسنة من الحديث كتاب (خاتمة الحفاظ) لابن حجر العسقلاني، فإذا هو صعب المأخذ بما فيه من كثرة طرق الحديث، ورأيت مؤلف تلميذه الإمام السخاوي الكبير مختصرًا له، وكذا ما جرده السخاوي الصغير؛ حيث اقتصر على الموضوع فقط، ورأيت ما جرّده الإمام عبد الرحمن اليمني الشهير بالدَّيْبَع، ورأيت إنه ذكر كثيرًا من الأحاديث، وعزاها لرواتها ولم يبن كثيرًا منها، أهي من الحسن أم من الضعيف، فجردت ذلك المختصر، وبينت تلك الأحاديث التي أهمل ترتيبها على حسب ما تيسر، والعمدة على شرح الجامع الصغير لسيدي الشيخ عبد الرءوف المناوي، وهو آخذ من أقاويل الأئمة، فشكر الله سعي الجميع، ونفعنا والمسلمين بهم آمين، وهذا أوان الشرع في المقصود، والله المستعان وعليه التكلان”.
نبذة عن كتاب (أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب):
الكتاب المطبوع المتداول هو مأخوذ عن أصل هذا الكتاب، فالأصل الذي ألفه الشيخ محمد بن السيد درويش الحوت غير معروف للناس، والشيخ محمد بن السيد درويش وضع المادة العلمية للكتاب، ثم قام ابنه الشيخ عبد الرحمن الحوت بترتيب الكتاب على حروف الهجاء، والكتاب جرده الشيخ محمد بن درويش الحوت مختصر الإمام عبد الرحمن اليمني -رحمه الله تعالى- وله عليه زيادات.
مصادر الكتاب: ومصادر الكتاب مطبوعة ومتوفرة، منها: (الجامع الصغير) للسيوطي، (المقاصد الحسنة) للسخاوي، (كشف الخفاء) للعجلوني، (تمييز الطيب من الخبيث) لابن الديبع الشيباني، وأشار المؤلف إلى هذه المصادر التي اعتمد عليها في مقدمة الكتاب، وجعل في الكتاب مقدمة في مصطلح الحديث، وقد كتب الشيخ عبد الرحمن بن المؤلّف المُرتّب للكتاب، مقدمة في مصطلح الحديث، عرّف فيها باختصار بعض مصطلحات علم الحديث، وهي: الصحيح والحسن والضعيف والمرفوع والموقوف، والموصول والمرسل والمقطوع، والمنقطع والمعضل والمعلق والمدلس، والغريب والشاذ والمنكر والمضطرب والموضوع، كتب هذه المقدمة قبل الشروع في الكتاب، وقبل مقدمة والده للكتاب، ومجالها كتب مصطلح الحديث.
وفي آخر الكتاب زاد المؤلف الشيخ محمود بن درويش الشهير بالحوت موضوعات وفوائد، لا بُدّ من معرفتها لطلاب الحديث، وهي:
– باب أرباب في أسباب الوضع وعلاماته، وتتضمّن علامات الوضع، وفوائد كثيرة عن كتب لا يعتدّ بها في علم الحديث، بها كثير من الأحاديث الموضوعة.
– باب في أحاديث جامعة وفوائد لامعة، ذكر فيها أحاديث نبّه على بطلانها أو ضعفها، أحاديث صلوات أيام الأسبوع، أحاديث فضل رجب، أحاديث فضل نصف شعبان، أحاديث فضل يوم عاشوراء، أحاديث الحميراء، أحاديث عمر, حسنة من حسنات أبي بكر، أحاديث الأقطاب والأغراب والنقباء والنجباء والأوتاد، أحاديث المهدي، أحاديث التواريخ المستقبلة، أحاديث فضل البلاد، أحاديث ذم الحبشة والسودان، والخصيان والمماليك والأولاد، أحاديث مدح العزوبة، أحاديث الديك والحمام والدجاج، أحاديث الحبوب، أحاديث البطيخ، أحاديث الورد والبنفسج والنرجس.
– باب في أمور اشتهرت بين الأنام وتناقلها الخاص والعام، ذكرها المؤلف ثم بَيّن أنها باطلة ولا أصلَ لها، وهي أكثر من خمس وثلاثين قصة، ينبغي الاطلاع عليها في هذا الكتاب؛ حيث أنها تشتهر وتتردد كثيرًا على الألسنة، وبيّن الشيخ الحوت -رحمه الله- أن هذه القصص لا أصل لها أساسًا، فجزاه الله خير الجزاء.
طبعات الكتاب: ولقد طُبِع الكتاب طبعتين؛ نفذت الأولى، وتوجد بالأسواق الآن طبعة ثانية طبع سنة1983 ميلادية 1403 هجرية، وعنِي بهذه الطبعة الشيخ خليل الميس مدير أزهر لبنان، وقامت بنشره دار الكتاب العربي ببيروت لبنان.
وإليك نموذجين من الكتاب؛ لتكون على دراية تامّة به، وبكيفية البحث فيه، واستخدامه كمفتاح من مفاتيح التخريج:
حرف الهمزة: الحديث الأول: حديث: ((آتي باب الجنة فأستفتح -أي: أطلب أن يفتح- فيقول الخازن: مَن أنت؟ فيقول: محمد صلى الله عليه وسلم فيقول: بك أمرت ألّا أفتح لأحد قبلك)) رواه مسلم، فعلى الباحث أن يعود إلى مسلم فيجد الحديث، فيكتب: رواه مسلم في صحيحه، كتاب كذا، باب كذا، جزء كذا، صفحة كذا.
حديث آخر: حديث: “آخر أربعاء في الشهر يوم نحس مستمر”. قال الشيخ الحوت: موضوع، كما قال ابن الجوزي وغيره.
حديث: “آخر قرية من قُرى الإسلام خرابًا المدينة” رواه الترمذي وهو ضعيف.
حديث: “آخر ما تكلم به إبراهيمُ حين ألقي في النار؛ حسبي الله ونعم الوكيل” من كلام ابن عباس حَبْر الأمة، فهو موقوف، يعني: حديث موقوف من كلام ابن عباس.
“آخر مَن يخرج من النار رجل من جُهينة يقال له: جهينة، فيقول أهل الجنة: سلوه أو عند جهينة الخبر اليقين”. قال ابن الجوزي وغيره: موضوع.
خبر آدم عليه السلام وأنه لمّا حَج وقتل قابيل هابيلَ، ملح البحر وتغيّرت طعوم الثمار، وأنه لمّا حضر وعلم ما جرى من ولده قابيل أنشده قوله:
تغيرت البلاد ومن عليها | * | فوجه الأرض مغبر قبيح |
وقابيل لقد أردى أخاه | * | فيا أسفي مضى الوجه المليح |
هذا خبر باطل لا يدل عليه دليل، ولم يرد في نصٍّ صحيح ولا ضعيف.
– “آفة العلم النسيان” أورده جمع وفيه ضعف وانقطاع.
حديث آخر: “آل محمد كل تقيّ” أورده تمّام والديلمي بأسانيد ضعيفة.
حديث: “آمن شعر أمية بن السلط وكفر قلبه” رواه الخطيب وهو ضعيف.
حديث: “آمين، خاتم رب العالمين على لسان عباده المؤمنين” فيه ضعيفان: مؤمل الثقفي وأبو أمية بن يعلى الثقفي، والثاني قال المناوي: لا شيءَ.
حديث: “آية الكرسي ربع القرآن” رواه أبو الشيخ وهو ضعيف.
حديث: ((آية المنافق ثلاث)) متفق عليه.
حديث: “آية مِن كتاب الله خير من محمد وآله”، ويروى: “حَرْف من كتاب الله” لم يثبت ذلك الحديث.
حديث: “ائتدموا ولو بالماء”، رواه الطبراني، قال ابن الجوزي: حديث لا يصح، فيه مجهول وضعيف.
خبر: “ائتزروا كما رأيت الملائكة تأتزر إلى أنصاف سوقها” رواه الديلمي بسند ضعيف.
حديث: “أبى الله أن يرزق عبده المؤمن إلّا من حيث لا يعلم” من حديث عمر بن راشد، رواه الديلمي وهو ضعيف جدًّا، ورواه ابن الجوزي في الموضوع.
حديث: “ابتدروا الأذان ولا تبتدروا الإمامة” حديث مرسل.
وبعد، فهذه نظرات متأنية في كتاب (أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب) أظهرت لنا قيمة الكتاب العلمية، وأبانت لنا منهجَ المؤلف البارع في هذا الفن الشيخ عبد الرحمن الحوت، كما أبانت لنا فضلَ المؤلف الأول لأصل الكتاب، وهو العلّامة الشيخ محمد بن السيد درويش، والد الشيخ عبد الرحمن الحوت، والكتاب -كما سبق أن بينت- يمثل الطريقة التي تعتمد على ملاحظة وصف خاص للحديث، لكنه مرتّب على الحروف الأبجدية، فجزى الله المؤلف عن السنة وصاحبها صلى الله عليه وسلم خير الجزاء.
ما جاء عن كتاب (العلل) لابن أبي حاتم الرازي:
هو الإمام الحافظ الناقد، أبو محمد عبد الرحمن بن الإمام الحافظ أبي حاتم محمد بن إدريس بن المنذر بن داود بن مهران الرازي. مولده: وُلِد سنة أربعين ومائتين.
نشأته، وطلبه للعلم ورحلاته:
نشأ ابن أبي حاتم في بيت علم وفضل؛ فأبوه وعمه وقريبه أبو زرعة كلهم علماء الإسلام الأعلام، ولا شكّ في أن هذا كان له الأثر الكبير في نشأة الحافظ ابن أبي حاتم، واهتمامه بطلب العلم منذ صغره، فقد حفِظ القرآنَ قبل أن يشتغل بعلم الحديث، وقد قال: “لم يدعني أبي أشتغل في الحديث حتى قرأتُ القرآن على الفضل بن شاذان الرازي، ثم كتبت الحديث”. ورحل مع أبيه سنة خمس وخمسين ومائتين، وقد بلغ الحلم في هذه السنة؛ إذ يقول: “رحل بي أبي سنة خمس وخمسين ومائتين، وما احتلمت بعد، فلمّا بلغنا ذا الحليفة احتلمت فسُرّ أبي؛ حيث أدركت حجة الإسلام”.
شيوخه: إنّ ارتحال ابن أبي حاتم وتجواله في البلدان لطلب العلم جعل له رصيدًا كبيرًا من الشيوخ الحفاظ، من أشهر شيوخه: والده أبو حاتم، وعمه أبو زرعة، ومسلم بن الحجاج صاحب (الصحيح)، ويونس بن عبد الأعلى الصدفي، ويونس بن حبيب الأصبهاني، ومحمد بن مسلم بن واره الرازي، وأبو سعيد الأشج، واسمه عبد الله بن سعيد، والحسن بن عرفة، وغيرهم.
وقد لازم ابن أبي حاتم أباه ملازمة شديدة؛ كملازمة الظل الشاخص لصاحبه، قال الرقام: “فسألت عبد الرحمن عن اتفاق كثرة السماع له وسؤالاته من أبيه، فقال: ربما كان يأكل وأقرأ عليه، ويمشي وأقرأ عليه، ويدخل الخلاءَ وأقرأ عليه، ويدخل البيت في طلب شيء وأقرأ عليه”. وقال علي بن إبراهيم: “وبلغني أنه كان يسأل أباه أبا حاتم في مرضه الذي توفّي فيه، عن أشياء من علم الحديث وغيره، إلى وقت أن ذهب لسان أبيه، فكان يشير بطرفه نعم أو لا”.
تلاميذه: من أشهرهم أبو الشيخ عبد الله بن محمد بن جعفر الأصبهاني، صاحب كتاب (طبقات المحدثين بأصبهان) وغيره من المؤلفات المعروفة، وابن عدي صاحب (الكامل) وغيره، وابن حبان الإمام العلم صاحب (الصحيح) و(الثقات) وغيرهما، والحسين بن علي التميمي المعروف بحسينك، وأبو أحمد الحاكم الكبير صاحب كتاب (الكنى)، وعلي بن عبد العزيز بن مردك، وغيرهم.
عبادته وزهده: قال أبو الحسن القرظي: “ما رأيت أحدًا ممن عرف عبد الرحمن ذكر عنه جهالة قط، وكنت ملازمًا له مدة طويلة، فما رأيته إلّا على وتيرة واحدة، لم أرَ منه ما أنكرته من أمر الدنيا ولا من أمر الآخرة، بل رأيته صائنًا لنفسه ودينه ومروءته”. وقال أبو حاتم: “ومن يقوى على عبادة عبد الرحمن، لا أعرف لعبد الرحمن ذنبًا”. وقال أبو الفضل الترمذي: “كنت مع أبي حاتم إذ خرج من السكة، وعبد الرحمن في الصلاة يصلي بالناس على رأس مسكنه، فوقف، فقال: خفف يا عبد الرحمن، ثم قال: لا يتهيأ لي أن أعمل ما يعمله عبد الرحمن”.
ثناء العلماء عليه: قال الحافظ الهمذاني: “كان إمام زمانه، وكان نسيجًا وحده، وكان واحد عصره، فما خلّف بعده مثله في الصيانة والورع والديانة، ولقد كان من هذا الأمر بالسبيل”. وقال أبو يعلى الخليلي: “أخذ علم أبيه وأبي زرعة، وكان بحرًا في العلوم ومعرفة الرجال والحديث الصحيح من السقيم، وله من التصانيف ما هو أشهر من أن يوصف، في الفقه والتواريخ واختلاف الصحابة والتابعين، وعلماء الأمصار”. وقال الخطيب الرازي: “كان -رحمه الله- قد كساه الله بهاء ونورًا يسر به كل من نظر إليه”. وقال أبو الوليد الباجي: “هو ثقة حافظ”. وقال مسلمة بن القاسم الأندلسي: “كان ثقة جليلَ القدر عظيم الذكر، إمامًا من أئمة خراسان”.
مؤلفاته: لا شكّ أن إمامًا كابن أبي حاتم أفنى عمره في طلب العلم وتعليمه، سوف يترك للمكتبة الإسلامية عددًا من الكتب النافعة، وقد فعل -رحمه الله تعالى- فمن أشهر مؤلفاته:
(آداب الإمام الشافعي ومناقبه)، وهو كتاب مطبوع، وكتاب (أصل السنة)، وكتاب (بيان خطأ محمد بن إسماعيل البخاري في تاريخه)، والكتاب مطبوع، (تفسير القرآن العظيم) مطبوع، (تقدمة لمعرفة كتاب الجرح والتعديل) مطبوع، كتاب (ثواب الأعمال), كتاب (الجرح والتعديل)، كتاب (حديث ابن أبي حاتم)، كتاب (الدعاء)، كتاب (الرد على الجهمية)، كتاب (زهد الثمانية من التابعين) وهو مطبوع، كتاب (السنة)، كتاب (العلل) ، كتاب (فضائل الإمام أحمد)، كتاب (فضائل أهل البيت), كتاب (فضائل قزوين)، كتاب (فضائل مكة) أو (مكة)، كتاب (فوائد أهل الري)، كتاب (فوائد الرازيين)، كتاب (الفوائد الكبير), كتاب (الكنى)، كتاب (المراسيل) مطبوع، كتاب (المسند) وهو في ألف جزء فيما قاله يحيى بن منده.
وفاته: توفي -رحمه الله- بمدينة الري، في شهر محرم سنة سبع وعشرين وثلاثمائة، وهو في عشر التسعين.
الكتاب -كما تعرفون- في علل الحديث، فالذي يريد التخريج من هذا الكتاب، عليه أن يعلم أن بالحديث علةً، فيذهب إلى هذا الكتاب، كتاب (العلل) لابن أبي حاتم، أو كتاب (العلل) للدارقطني.
فلا بد أن نعرف معنى العلة.
العلة في اللغة: ذكر ابن فارس أنّ لكلمة علّ ثلاث معاني، فقال: والثالث: أنه الضعف في الشيء، وقال الجوهري: المرض، وحدث يشغل صاحبه عن وجهه، واعتلّ أي: مرض، فهو عليل، وعلّ الشيء فهو معلول، والمتأمّل لمعنى العلة في اللغة فيما جاء على ألسنة العلماء، يجد أنها تدور حول الضعف والوهن، واختلف المحدِّثون في تسمية الحديث المعلّ بالحديث المعلول.
قال ابن الصلاح: “النوع الثامن عشر: معرفة الحديث المعلّل، ويسميه أهل الحديث المعلول، وذلك منهم، ومن الفقهاء في قولهم في باب القياس: العلة والمعلول، مرذول عند أهل العربية واللغة”. وقال النووي: “هو لحن”. لكن تعقبهما الحافظ العراقي بقوله: “والتعبير بالمعلول موجود في كلام كثير من أهل الحديث”. ثم ذكر منهم البخاري ومسلم، والترمذي والدارقطني، وابن عدي والحاكم والخليلي.
والعلة عند أهل الحديث: هي سبب خفي ظاهر الحديث السلامة من هذا السبب، أو هي: عيب خفي ظاهر الحديث السلامة من هذا العيب. وتنقسم العلة إلى أقسام: تقع في الإسناد، وتقع في المتن.
وعلم العلل علم عظيم، لم يتصدر له إلا جهابذة المحدثين، وعني المحدِّثون بهذا الفن من فنون الحديث، فأكثروا فيه التصنيف والتأليف، وكل من عُنِي بهذا الفن من المتأخرين فإنه لا بُدّ أن يتطرّق في بداية مقدمته إلى ذِكْر أهم المصنفات فيه، وأهم ما صنّف في هذا الفن -أي: فن علل الحديث- كتاب (العلل) للدارقطني -رحمه الله تعالى- وكتاب (علل حديث الزهري) لابن أبي عاصم، وكتاب (العلل) للحافظ أبي علي عبد الله بن محمد البلخي، و(مجلس حديث القهقهة وعلله) لأبي يعلى الخليلي، و(بيان علة الحديث) لابن الجوزي.
كتاب (العلل):
تسمية الكتاب: ورد اسم هذا الكتاب في جميع النسخ الخطية متقاربًا، فجاء اسمه على أول النسخة التيمورية كتاب (علل الحديث)، وجاء مختصرًا في نسخة مكتبة أحمد الثالث باسم كتاب (العلل)، وجاء مطولًا في نسخة مكتبة فيض الله باسم (كتاب العلل وبيان ما وقع من الخطأ والخلل في بعض طرق الأحاديث المروية في السنة النبوية).
موضوع الكتاب: هذا الكتاب يتضح لنا بجلاءٍ مضمونه وموضوعه الذي يتناوله ويبحث فيه، فهو يتناول الأحاديث المعلّة -أي: التي بها عيب خفي، ظاهر الحديث السلامة منه، سواء في سندها أو متنها- وهذا الكتاب عبارة عن أسئلة وجّهها المصنف -رحمه الله- إلى إمامين من أئمة الحديث الذين لا يشق لهم غبار في معرفة الأحاديث الصحيحة من الضعيفة، هما: الإمام أبو حاتم الرازي، والإمام أبو زرعة الرازي. وقد بيّنَا هذان الإمامان درجة كثير من الأحاديث النبوية المعلة المذكورة تحت أبواب العلم المشهورة؛ كالطهارة والصلاة وغيرها من الأبواب، فبيّنَا صحيحها من ضعيفها، وخطئها من صوابها، ومرسلها من مرفوعها، والعكس، ومرفوعها من موقوفها، والعكس، وبينا حال كثير من الرواة قوةً وضعفًا، وبيان خطئهم في بعض رواياتهم ومخالفتهم لِمَن هو أوثق منهم، وتوثيقهم أو تضعيفهم في بعض شيوخهم، وتقديم من هو الأثبت في شيخه على غيره، كما تضمّن هذا الكتاب جملًا كثيرةً من المصطلحات والعبارات التي أطلقوها عند إثبات العلة أو دفعها.
طريقة ترتيب كتاب (العلل) لابن أبي حاتم:
1. قسّم المؤلف الكتاب على أبواب الفقه، فبدأ ببيان علل أخبار رويت في الطهارة، فذكر تحت هذا الباب مسائل عديدةً، ثم عقّبه بباب علل أخبار رويت في الصلاة، وذكر تحت هذا الباب مسائل عديدة، ثم ذكر الزكاة، ثم الصوم، ثم الحج، وهكذا، حتى ختم كتابه بباب في النذر، وفي كل هذه الأبواب يسلك ما سلكه في باب الطهارة والصلاة في سرد المسائل المتعلقة تحته.
2. لم يقسّم المصنِّف تلك الأبواب تقسيمًا يسهل على الناظر فيه الوصول إلى بُغيته وطلبته بسهولة، فمثلًا: كتاب الصلاة، لم يقسّمه على أبواب أو فصول إلّا في مواضع قليلة، وكذلك كتاب النكاح والطلاق والنذر.
3. لم يلتزم المصنِّف في سرد مادة الباب بترتيب معين، فهو ربما يذكر مسائل متتالية من حديث راوٍ معين، وربما يذكر حديثًا في الترغيب في النكاح، ثم يذكر بعد ذلك أحاديثَ أخرى في النكاح، لكنها لا تدخل تحت الترغيب فيه، ثم يأتي بعد أحاديث فيذكر حديثًا، ثم يأتي بعد أحاديث فيذكر حديثًا آخر في الترغيب في النكاح، كما في المسألة 1247. وربما يذكر حديثًا في الطلاق، ثم يذكر بعده حديثًا في الخلع أو في الظهار، ثم يعود مرة أخرى فيذكر حديثًا في الطلاق، كما في المسائل 1195، 1196، 1310، والأمثلة على هذا كثيرة جدًّا.
4. قد يدرج المصنِّف أحاديث في أبوابها، لكن نجد أن تعلقها بالباب المدرجة تحته نسبي، مثلًا المسألة 1248 ذكرها تحت باب النكاح، والأَوْلى أن يذكرها تحت باب الترغيب والترهيب أو الجنة والنار، وانظر المسألة 1330.
منزلة كتاب (العلل) لابن أبي حاتم بين الكتب:
الكتاب له قيمة كبيرة، لقد اشتمل على العدد الكبير من الأحاديث المعلة، وبيان درجتها والراجح منها، واشتمل على بيان منزلة عدد من الرواة جرحًا وتعديلًا، وقد جمع هذه الأقوال فالح الشبلي في كتابه (المستخرج من كتاب العلل في الجرح والتعديل)، فبلغت 614 قولًا، منها أربعة وعشرون قولًا لم ترد في كتاب (الجرح والتعديل) للمؤلف، مما يعطي هذا الكتاب أهميةً خاصةً في هذا المجال، واشتمل غالبًا على أجوبة من يعدّ من أئمة هذا العلم في هذا الميدان؛ كأبي حاتم وأبي زرعة وابن أبي حاتم، واشتمل على عدد من الأحاديث التي رواها المصنِّف بسنده عن شيوخه، مما يجعل هذا الكتاب مصدرًا من مصادر الأحاديث الأصلية.
اشتمل الكتاب على عدد من الأحاديث أو الطرق التي قد لا نجدها في أي مصنف آخر، والكتاب مرتّب على أبواب الفقه، وهذا مما يسهل على الباحث نوعًا ما من البحث، واهتمّ العلماء بهذا الكتاب قديمًا وحديثًا؛ حيث نقلوا منه كثيرًا، واستفادوا مما جاء فيه من أحكام على الأحاديث، وقد قام الإمام أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الهادي الدمشقي، المتوفّى سنة 744 هجرية، بشرح هذا الكتاب، ولكنه تُوفّي قبل تمامه، والكتاب لم يُطبع بعد، ويوجد منه نسخة مصورة في مكتبة الحرم المكي برقم 3454، وأصلها من مخطوطات المكتبة المحمودية بالمدينة المنورة -على ساكنها أفضل الصلاة وأتم السلام-.
منهج ابن أبي حاتم في كتابه:
منهجه في سياق الأسانيد عند طرح السؤال وطريقة شيوخه في الإجابة: قد يسوق المؤلف الإسناد منه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو من دونه إذا كان الحديث موقوفًا أو مقطوعًا، مراعيًا في ذلك صيغ التحديث. قد يسوق المؤلف الإسناد كاملًا عند أبيه أو أبي زرعة، ولا يصرّح بتحديثهما له بذلك، وهذا شبيه بما يسمع في المذاكرة، كثيرًا ما يسوق المؤلف وشيوخه الإسناد من طبقتهم أو من طبقة شيوخهم، وقد يحذفون آخر السند، وذلك للعلم به؛ لكونه مرّ في أول المسألة أو في ثناياها.
منهجه في سياق المتون عند طرح السؤال وطريقة شيوخه في الإجابة:
سياق المتن كامل، وذلك لارتباط العلة بكامل لفظه، أو لعدم تميزه عن غيره من الأحاديث، أو لكونه مختصرًا، وهو الغالب، والأمثلة على ذلك كثيرة. يسوق طرف المتن فقط، والتعبير عن باقيه بما يناسب المقام، مما تَعارف عليه أهل الحديث؛ كأن يقول: الحديث، أو فَذَكر الحديث، قد يساق حديث الإسناد ومتنه من وجه، ثم يساق من وجه آخر، ذاكرًا سنده دون متنه, وقد لا يذكر في المسألة شيئًا من ألفاظ الحديث، وإنما يكتفي بجملة تعبّر عن معناه، وكثيرًا ما تتعدد الأسانيد في المسألة الواحدة، ولا يُساق من المتون سوى ما ذكر في أول المسألة.
دراسة موجزة عن كتاب (العلل) للدارقطني:
الإمام الدارقطني اسمه: علي بن عمر بن أحمد بن مهدي بن مسعود بن النعمان بن دينار بن عبد الله الدارقطني البغدادي الشافعي.
ولد في سنة 306 هجرية، وطلب العلم وهو صغير، وكان حافظًا، وظهر نبوغه منذ صغره، ورحل الدارقطني إلى الكثير من بلاد الإسلام لطلب العلم والحديث. قال الحاكم: “دخل الدارقطني الشام ومصرَ على كبر”.
شيوخه كثيرون، منهم: أبو القاسم البغوي، وابن صاعد، وابن أبي داود، وأبو بكر بن زياد النيسابوري، والمحاملي، والصفّار، وابن عقدة، وغيرهم، وتلاميذه كثيرون، وصل منهم الكثير إلى درجة الحافظ، منهم: أبو عبد الله الحاكم، وعبد الغني بن سعيد، وتمام الرازي، والسلمي، وأبو نعيم، والبلقاني، وابن بشران، وحمزة السهمي، وغيرهم.
أثنى عليه العلماء، وقال الخطيب: “كان فريد عصره وقريع دهره وكان نسيجًا وحده، وكان إمام وقته.
مؤلفاته:
ألّف الدارقطني عشرات الكتب في عدة علوم من علوم الشريعة، ومن أشهر ما ألف في علوم الحديث: (السنن)، و(أحاديث الموطأ)، و(الموطآت واختلاف ألفاظها)، و(الأحاديث التي خُولِفَ فيها مالك بن أنس)، و(تسمية الرواة عن مالك)، و(أطراف موطأ مالك)، و(غرائب مالك)، و(المؤتلف والمختلف)، و(الإلزامات والتتبع)، و(الغرائب والأفراد)، و(العلل الواردة في الأحاديث النبوية)، ومرويات هذا الكتاب موضوع بحثنا هذا.
قال الحميدي الأندلسي: “ثلاث كتب من علوم الحديث يجب الاهتمام بها: كتاب العلل، وأحسن ما وضع فيه كتاب الدارقطني”.
وفاته: توفّي -رحمه الله- في شهر ذي القعدة سنة 385 هجرية.
منهج الدارقطني في (العلل):
إنّ الحديث عن مناهج العلماء في كتبهم أو في تقريرهم لمسائل العلم، يعدّ من الأمور المهمة، ومن تتبع كتاب (العلل) للدارقطني، يجد أن منهج الدارقطني يظهر فيه:
– أنّه يعود إلى ظواهر الأسانيد إن صحّ التعبير، وأكثرها فيما يلي: تعليل مرفوع بموقوف، تعليل بذكر واسطة أو حذفها، تعليل موصول بمرسل، تعليل بإبدال، راو في السند، تعليل بإبدال إسناد بآخر، تعليل في المتن.
– الأمر الثاني: قرائن التعليل، فهو من أهم الأمور التي ينبغي الاهتمام بها؛ لأنه بها يعرف منهج الدارقطني وغيره في التعليل والترجيح.
– ويقسّم القرائنَ إلى قرائن عامة وقرائن خاصة، القرائن العامة منها: العدد، الاختصاص، سلوك الجادة، الحفظ، اتفاق البلدان، والقرائن الخاصة منها: قَرابة السند، وجود أصل الرواية، اضطراب أحد الروايتين، سعة الرواية، شذوذ الرواية، وجود قصة.
هذه هي بعض الأشياء التي تدل على منهج الإمام الدارقطني في كتابه (علل الحديث).