Top
Image Alt

الكتب المؤلفة على الموضوع “الصحاح” (صحيح البخاري)

  /  الكتب المؤلفة على الموضوع “الصحاح” (صحيح البخاري)

الكتب المؤلفة على الموضوع “الصحاح” (صحيح البخاري)

وننتقل في الكتب المؤلفة على الموضوع إلى الصحاح، وأولها (صحيح البخاري):

مؤلفه هو الإمام محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري، أبو عبد الله، ولد في شوال سنة أربع وتسعين ومائة، وتوفي غرة شوال سنة ست وخمسين ومائتين.

وعن سبب تأليفه يقول البخاري: كنا عند إسحاق بن راهويه فقال: لو جمعتم كتابًا مختصرًا لصحيح سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-, قال: فوقع ذلك في قلبي؛ فأخذت في جمع (الجامع الصحيح).

وانتقى الإمام البخاري أحاديث صحيحه؛ بحيث يشتمل كل حديث منها على شروط الصحيح في أرفع مراتبها من ناحية الاتصال وعدالة الرواة والضبط، والسلامة من الشذوذ والعلة القادحة، قال الحافظ ابن طاهر المقدسي: شرط البخاري أن يخرج الحديث الصحيحَ المتفق على ثقة نَقَلَته إلى الصحابي المشهور من غير اختلاف بين الثقات الأثبات، ويكون إسناده متصلًا غير مقطوع.

وقال الحافظ أبو بكر الحازمي: شرط الصحيح أن يكون إسناده متصلًا، وأن يكون راويه مسلمًا صادقًا, غيرَ مدلس ولا مختلط، متصفًا بصفات العدالة، ضابطًا متحفظًا، سليمَ الذهن، قليل الوهم، سليمَ الاعتقاد. ثم مثّل ذلك بالزهري الإمام، حيث انقسم الرواة عنه إلى خمس طبقات:

الطبقة الأولى: جمعت بين الحفظ والإتقان وبين طول الملازمة، مثل: يونس بن يزيد، وعقيل بن خالد الأيلي، ومالك، وسفيان بن عيينة، وشعيب بن أبي حمزة، وكان من هؤلاء من يزامله في السفر ويلازمه في الحضر.

الطبقة الثانية من تلاميذ الزهري: هي التي لها حفظ وإتقان؛ لكنها لم تلازم الزهري إلا مدة يسيرةً، فلم تمارس حديثه ممارسة هؤلاء، وكانوا في الإتقان دون الطبقة الأولى؛ مثل: الأوزاعي، والليث بن سعد، وعبد الرحمن بن خالد بن مسافر، وابن أبي ذئب.

الطبقة الثالثة: جماعة لزموا الزهري مثل الطبقة الأولى؛ غير أنهم لم يسلموا من غوائل الجرح، وهم بين الردّ والقبول -أي: في الضبط وغيره- ومن أمثلتهم: سفيان بن حسين السلمي، وجعفر بن برقان، وزمعة بن صالح المكي.

الطبقة الرابعة: قوم شاركوا أهلَ الطبقة الثالثة في الجرح والتعديل، وتفردوا بقلة ممارستهم لحديث الزهري؛ لأنهم لم يصاحبوه كثيرًا، ومنهم: إسحاق بن يحيى الصدفي، والمثنى بن الصباح.

الطبقة الخامسة: نفر من الضعفاء أو المجهولين, لا يجوز لمن يخرج الأحاديث على الأبواب أن يخرج حديثهم إلا على سبيل الاعتبار والاستشهاد، ومنهم: بحر بن كنيز السقاء، وعبد القدوس بن حبيب الدمشقي، ومحمد بن سعيد المصلوب، وبعضهم وضع الحديث وكذب على الرسول -صلى الله عليه وسلم- بنسبة ما ليس منه إليه.

فالبخاري يعتمد رواية أهل الطبقة الأولى، وقد يخرج عن الطبقة الثانية ما ينتقيه ويختاره إذا لم يجده من رواية الطبقة الأولى.

قال ابن حجر: وأكثر ما يخرج البخاري حديث الطبقة الثانية تعليقًا، وربما أخرج اليسير من حديث الطبقة الثالثة تعليقًا أيضًا، ومن هنا حوَى كتابه صفوة الحديث الصحيح.

هذا من حيث الأحاديث التي أوردها في كتابه.

ويقاس على ما قيل عن الزهري أصحاب نافع والأعمش وقتادة وغيرهم، فأما غير المكثرين من رواية الحديث من الأئمة، فالاعتماد -كما قال ابن حجر- في تخريج حديثهم على الثقة والعدالة وقلة الخطأ، ومنهم من قوي الاعتماد عليه فأخرج ما تفرد به كيحيى بن سعيد القطان، ومنهم من لم يقوَ الاعتماد عليه، فأخرج له ما شاركه غيره في روايته وهو الأكثر.

وأضاف البخاري لما اختاره في كتابه من الأحاديث التي على شرطه أحاديث أخر, ذكرها كعناوين أو تراجم أو مقدمة بين يدي ما يرويه من الحديث, وميزها عن أحاديث الكتاب بتعليق الأسانيد، وظهر في تراجمه فقهه ووعيه بالمقاصد التي تشتمل عليها السنة، فحيّرت تراجمه الأفكار، وبهرت النظار، وكشفت عن جوانب مما يشتمل عليه الحديث لا يصل إليها إلا الصفوة الأخيار، كما فسر بعض الكلمات اللغوية، وعلق على بعض المواطن من السند أو المتن؛ مما يدل على علمه وتمكنه.

وسمى البخاري كتابه (الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسننه وأيامه)، ذكر ذلك ابن حجر. وقال العيني في مقدمة شرحه (عمدة القاري): سمى البخاري كتابه بـ(الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسننه وأيامه)، وهو المعتمد.

وذكر ابن حجر أن جميع ما في (صحيح البخاري) من المتون الموصولة بلا تكرير على التحرير ألفا حديث وستمائة حديث وحديثان، ومن المتون المعلقة المرفوعة التي لم يصلها في موضع آخر مائة وتسعة وخمسون حديثًا، فجميع ذلك ألفا حديث وسبعمائة وواحد وستون حديثًا. وقال في آخر شرحه للبخاري: جميع ما في (الجامع) من الأحاديث بالمكرر موصولًا ومعلقًا, وما في معناه من المتابعة تسعة آلاف واثنان وثمانون حديثًا، وجميع ما فيه موصولًا ومعلقًا بغير تكرار ألفا حديث وخمسمائة حديث وثلاثة عشر حديثًا، فمن ذلك المعلق وما في معناه من المتابعة مائة وستون حديثًا والباقي موصول، قال: وذلك كله خارج عما أودعه في تراجم الأبواب من ألفاظ الحديث, من غير تصريح بما يدل على أنه حديث مرفوع.

وقوله: “باب: اثنان فما فوقهما جماعة” فإنه لفظ حديث أخرجه ابن ماجه، قال في (الزوائد): في سنده الربيع وولده بدر ضعيفان، وقال ابن حجر: حديث ورَدَ من طرق ضعيفة، ورواه ابن ماجه من طريق أبي موسى الأشعري، والبغوي في معجمه من حديث الحكم بن عمير، والدارقطني في أفراده من حديث عبد الله بن عمرو، والبيهقي في سننه من حديث أنس، والطبراني في (المعجم الأوسط) من حديث أبي أمامة، وعند أحمد من حديث أبي أمامة: “هذان في جماعة في صلاة, رجل خلف رجل آخر”. وأورد البخاري في صحيحه “باب: اثنان فما فوقهما جماعة”، ثم روى بسنده عن مالك بن الحويرث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا حضرت الصلاة فأذنَا وأقيما, ثم ليؤمكما أكبركما)). قال ابن حجر: اعترض على الترجمة بأنه ليس في حديث مالك بن الحويرث تسمية صلاة الاثنين جماعة، والجواب: أن ذلك مأخوذ بالاستنباط من لازم الأمر بالإمامة؛ لأنه لو استوت صلاتهما معًا مع صلاتهما منفردين -أي: بالجماعة- لاكتفى بأمرهما بالصلاة كأن يقول: وصليَا.

والمقصود بيان فقه البخاري واستعماله للسنة ترجمةً إذا لم توافق شرطَ صحيحه، وروايةً إن وافقت شرط صحيحه.

قال ابن حجر: وفيه من الآثار الموقوفة على الصحابة فَمَن بعدهم ألف وستمائة حديث وثمانية آثار، أما وجه الاختصار فيه فقال البخاري: ما أدخلت في كتاب (الجامع) إلا ما صحّ، وتركت من الصحاح؛ مخافةَ الطول، وقال: أحفظ مائة ألف حديث صحيح ومائتي ألف حديث غير صحيح، قال العراقي: ولعل البخاري أراد بالأحاديث المكررة الأسانيد والموقوفات، فربما عد الحديث الواحد المروي بإسنادين حديثين، وقال السخاوي: رُبّ حديث له مائة طريق فأكثر، ونقل عن الإسماعيلي أنه قال: لو أخرج البخاري كل حديث عنده؛ لَجَمع في الباب الواحد حديث جماعة من الصحابة، ولذكر طريق كل واحد منها إذا صحت.

ومما يدل لذلك أن الجوزقي استخرج على أحاديث الصحيحين؛ أي: بجميع الطرق المختلفة للحديث المروي فيهما عن الصحابة الذين رويَا لهم، فكانت عدة المستخرج خمسة وعشرين ألف طريق، وأربعمائة وثمانين طريقًا.

وتظهر خبرة البخاري -رحمه الله- في كتابه في الاختصار وجودة الاختيار؛ مما جعل كتابه في هذه المنزلة العالية، وقد أثنى العلماء على الكتاب بما يبين فضائله وخصائصه؛ قال الإسماعيلي في (المدخل): إني نظرت في كتاب (الجامع) الذي ألفه أبو عبد الله البخاري, فرأيته جامعًا كما سمي لكثير من السنن الصحيحة، ودالًّا على جمل من المعاني الحسنة المستنبطة التي لا يكمل لمثلها إلا مَن جمع إلى معرفة الحديث ونقلته، والعلم بالروايات وعللها، علمًا بالفقه واللغة، وتمكنًا منها كلها، وتبحرًا فيها، وكان -أي: البخاري، رحمه الله- الرجل الذي قصر زمانه على ذلك, فبرع وبلغ الغاية فحاز السبق، وجمع إلى ذلك حسن النية والقصد للخير، فنفعه الله ونفع به.

قال: وقد نحا نحوه في التصنيف جماعة منهم الحسن بن علي الحلواني، لكنه اقتصر على السنن، ومنهم أبو داود السجستاني وكان في عصر أبي عبد الله البخاري، فسلك فيما سماه سننًا، ذكر ما روي في الشيء وإن كان في السند ضعف إذا لم يرد في الباب غيره، ومنهم مسلم بن الحجاج كان يقاربه في العصر فرام مرامه، وكان يأخذ عنه أو عن كتبه، إلا أنه لم يضايق نفسه مضايقة أبي عبد الله، وروى عن جماعة كثيرة لم يتعرض أبو عبد الله للرواية عنهم، وكلٌّ قصد الخير. غير أن أحدًا منهم لم يبلغ من التشدد مبلغ أبي عبد الله، ولا تسبب إلى استنباط المعاني واستخراج لطائف فقه الحديث وتراجم الأبواب الدالة على ما له وصلة بالحديث المروي فيه تسببه، ولله الفضل يختص به من يشاء.

وقد أطال ابن حجر النفسَ في التعريف بالبخاري, وصحيحه في مقدمة (فتح الباري) التي سماها (هدي الساري), ومن أهم ما ذكره: تحقيق شرطه في الكتاب، وأنه أصح الكتب المصنفة في الحديث النبوي، والمقارنة بين البخاري ومسلم من حيث الرواة ومن حيث الكلام فيهم، وأفاض في الكلام على التراجم، وأن منها ما هو ظاهر ومنها ما هو خفي، وفرّق بين الترجمة الظاهرة والترجمة الخفية بما يبين براعةَ البخاري في تراجمه، وتكلم على درجة أحاديثه. ومما نقله في ذلك عن العقيلي أبي جعفر, قال: لما ألّف البخاري كتاب (الصحيح), وعرضه على أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وعلي بن المديني وغيرهم فاستحسنوه، وشهدوا له بالصحة إلا في أربعة أحاديث -قال العقيلي: والقول فيها قول البخاري, وهي صحيحة.

error: النص محمي !!